قراءة ممتعة لرواية نادي القتال.. الحل ينتظرك رغم المعاناة في عالم لا يرحم
أنت شاب منتظم في عملك، لا يعيب عليك المدير كثيرًا، فتجتهد وتجمع المال وتشتري ما تحب، ولكن تجد نفسك في حالة من الفراغ الروحي، لا معنى لحياتك أو يومك، وتشعر أنك ستعيش وتموت بلا تأثير أو فائدة.
هل أنت هكذا فعلا؟ إذن فرواية «نادي القتال» كُتبت من أجلك، واختار مؤلفها أن يكون البطل طيلة الأحداث بلا اسم حتى تضع اسمك مكانه، استعد الآن لهذه الرحلة داخل نفسك.
لكن احذر أن تفعل مثل بطل الرواية إذا احترقت شقتك، ووجدت نفسك بلا مأوى في عالم لا يرحم.
روتين ورفاهية
بطل الرواية موظف تأمين عادي في شركة سيارات مهمة، لا يجد مشكلة كبيرة في وظيفته، صحيح أنها مملة ومليئة بالروتين، وفيها ظلم كبير لزبائن الشركة، لكنها وظيفة مناسبة تشغل له وقته وتوفر له الراتب الشهري المطلوب.
يعيش بطلنا في شقة فاخرة، ويشتري كل ما يجده من وسائل الرفاهية، يرى الإعلانات حوله في كل مكان تجذبه بشراسة كي يصرف نقوده، شاشة كبيرة بتكنولوجيا مبهرة، طاولة للقهوة في غاية الفخامة، أدوات رياضية ذكية، إلى آخره من المنتجات التي لا تنتهي.
البطل يشتري كل شيء وإن كان لا يحتاجه، لقد أراد أن يملك هذه المنتجات، فانتهى به الحال وقد صارت المنتجات هي من تملكه.
أرق وعلاج عجيب
لا تستمر الحياة بسلام رغم الملل والروتين، فالبطل لا يستطيع النوم لأسبوعين متتاليين، والأرق أصبح شيئًا أساسيًا في حياته، تنتفخ عينيه ويقضي يومه كالسكران، يقول إن الأرق لا يجعلك ميتًا، لكنه كذلك لا يجعلك حيًا.
يطلب من الطبيب أن يصف له أي منوم، لكن الأخير ينصحه بشيء آخر، أن يحضر جلسات المرضى المصابين بأمراض خطيرة ومستعصية، كي يعرف قيمة الصحة التي يملكها ويتوقف عن هذا «الدلع».
بالفعل يذهب البطل لجلسات مرضى السرطان كأنه واحد منهم، يسمع قصصهم المؤلمة، ويرى دموعهم بلا رد فعل في البداية، لكنه حين يقترب من أحدهم يشاركه الألم، ويبكي بشدة مندهشًا من نفسه، لقد وجد الخلاص في البكاء وتفريغ الكبت.
هكذا يعود بطلنا للنوم مرة أخرى، ويدرك أن علاجه أصبح في هذه الجلسات، فأصبح منتظمًا في حضورها مدعيًا أنه مصاب بكل الأمراض المختلفة، فحين يظنه المرضى واحدًا منهم يسمعوه بلا مقاطعة، لقد كان بحاجة لهذا النوع من الاهتمام والاحتواء ولو بشكل مزيف.
عايز تنام بسرعة ومن غير أرق؟.. 6 نصائح هتساعدك
زائران جديدان
يستمر صاحبنا في زيارة الجلسات والبكاء ثم النوم الهادئ بعدها، لكن حين تظهر فجأة فتاة عابثة في كل الجلسات أيضًا، يعرف أنها مدعية مثله ولا يستطيع البكاء في وجودها، كأنها تفضح كذبته أمام نفسه.
يسألها في ضيق عن سبب حضورها، فتخبره أنها تجد في الجلسات ما يشغل وقتها، كما أن بها قهوة مجانية، هي تحضر لأنها فقيرة متشردة، هكذا يشترك الغني مع الفقيرة، الغني يبحث عن السلام الداخلي والفقيرة يبحث عن السلام المالي.
يتفق مع الفتاة التي عرف أن اسمها «مارلا سينجر» على تقسيم الجلسات بينهما بالتساوي، يحضر هو نصفها وتحضر هي النصف الآخر، وهكذا يعود للبكاء بلا شعور بالذنب أمامها.
هنا يظهر وافد جديد في حياة البطل اسمه «تايلر دوردن»، هو الشخصية الأبرز والأهم في العمل، في البداية تحسبه مجرد شاب يبيع الصابون، يجلس بجانب البطل في الطائرة، ويتعرفان ببساطة على أساس أنهما لن يتقابلا بعد الرحلة، لكن هذا لم يحدث لأن الكوارث ستبدأ.
اللامنتمي
يعود البطل لشقته الفاخرة بأثاثها الفخم الثمن وكل ما فيها من فخامة، لكنه يكتشف المصيبة من بعيد أسفل المبنى، الشقة محترقة بالكامل والنيران تلتهم كل جزء فيها، هكذا لا يجد مكانًا يبيت فيه الليل، يفكر في الاتصال بالفتاة «مارلا» لكنه يقرر فجأة أن يتصل ببائع الصابون «تايلر».
يتقابلان في الكازينو، ويعرف «تايلر» مصيبة البطل فيدعوه للمبيت عنده، لنكتشف أن بيت «تايلر» عكس بيت البطل في كل شيء، فهو يخلو من أي رفاهية، جدران خشبية محطمة ومياة ملوثة وسقف مثقوب يتساقط منه المطر.
يعتاد بطلنا هذه الحياة ولا يسرع لشراء بيت جديد بمبلغ التأمين، بل يقضي حياته مع «تايلر» الناقم على المجتمع، اللامنتمي لأي اتجاه فكري، فهو يكره الطبقية بكل أشكالها، وينحاز للشباب المهمش المطحون في وظائفه، فيفكر مع البطل في شيء جديد لتفريغ الكبت والضيق.
اكسر روتينك.. 5 تطبيقات هتحسن علاقتك بشريك حياتك
نادي القتال
في البداية حصل بطلنا على الراحة عن طريق البكاء بحرقة في جلسات العلاج، أما «تايلر» الناقم الغاضب فكان له رأي آخر، القتال والعنف عنده خير وسيلة بدلاً من البكاء والاستكانة.
ينشيء «تايلر» والبطل ما يسمى بـ«نادي القتال»، وفيه يتقاتل الشباب بكل قوة وغيظ بشكل ودي، هكذا يشعر كل منهم برجولته بين اللكمات والضربات، ويصبح النادي مأوى الجميع حتى المرضى في جلسات العلاج.
فلسفة «تايلر» المرعبة تنادي بالمخاطرة في أقسى صورها، فالرجل العادي لا يخاطر ولا يقاتل، يكدح فقط في عمله ويحافظ على جسده كأنه تحفة فنية، بينما يشجع «تايلر» كل الشباب الغاضبين على القتال والشعور بالخطر، كي يعرفوا قيمة حياتهم.
يقول «تايلر» إن الشباب يقضون أعوامًا من العمل في وظائف لا يحبونها كي يشتروا أشياءً لا يحتاجونها، فقد سحرتهم العلامات التجارية كي يعملوا كالثيران في الحقل ويشتروا المنتجات كالأعلاف.
هكذا تبقى طاقاتهم مكبوتة محصورة، لقد حان الوقت كي يغضبوا ويعلنوا أنهم بشر، وليسوا عبيدًا لشيء أو لأحد، ويبدأ الفصل المرعب من خطة «تايلر» لتغيير المجتمع.
مشروع الفوضى
في هذه الأوقات، يكتشف البطل أن «تايلر» يواعد «مارلا» الفتاة من الجلسات العلاجية، ويتقابلان يوميًا في منزله الخرب، بينما لا يتحمس البطل لهذه العلاقة ويشمئز منها.
لا تقف الأمور عند هذا الحد، بل يبدأ «تايلر» في استخدام أعضاء «نادي القتال» من الشباب الغاضبين ليفجروا أماكن هامة بالدولة، عن طريق متفجرات سهلة الصنع من الصابون الذي يتاجر فيه «تايلر».
والخطة الأهم في مشروع «تايلر» هي تدمير السجلات المالية وبطاقات الائتمان، كي يتساوى جميع الناس في الأموال وهكذا تنتهي الطبقية من المجتمع تمامًا.
في أحد عمليات مشروع الفوضى هذا، يموت صديق البطل القديم، فيدرك حقيقة الجحيم الذي يخطط له «تايلر»، وينذره كي يتوقف إلا أنه يقول ساخرًا: لابد من كسر البيض حتى تصنع العجة.
تخلص من الفوضى.. 6 نصائح لتصبح أكثر تنظيما
النهاية
لا نحب أن نحرق لكم مفاجأة القصة الأكبر والأعظم، حين يحاول البطل مقاومة صديقه الداهية «تايلر» كي يوقف مخططه التدميري، ويكتشف حقيقته وأصله، لكنه أيضًا يعرف ما الذي كان ينقصه من البداية.
يكتشف أن حياته بالفعل كانت لا تطاق، لأنه يفتقد أهم شيئين فيها، الشغف في وظيفته، والحب في حياته، كما حدث مع الفتاة «مارلا» رغم أنها أفقر منه.
لقد خاض البطل رحلة داخل نفسه، انتقل من البيت الفاخر كالقصر إلى آخر كالكوخ، وجرب العنف المضر كما جرب البكاء والضعف.
هل سينتهي كابوس «تايلر» إذن؟ هل يجد بطلنا ما بحث عنه ويبحث عنه كل شاب وكل إنسان؟
رواية اجيال عديدة
رواية «نادي القتال» صدرت في أمريكا عام 1996، وهي أول أعمال الروائي الأمريكي من أصل روسي «تشاك بولانيك»، وحازت الرواية جائزة مرموقة بعد نشرها بعام، ولكن في سنة 1999 تحولت لفيلم شهير صار ظاهرة عالمية، وترجمت الرواية لأكثر من 20 لغة منها العربية.
الرواية في المجمل عن المجتمع الأمريكي الذي يعاني من الطبقية وتفسخ الأسرة، لكنها تسري على المجتمعات الأخرى التي تعاني من نفس المشاكل، خاصة الروتين الوظيفي وافتقاد معنى الحياة، والكاتب تعمد أن تكون روايته موجهة للرجال بالتحديد، بكل ما يدور في عالمهم من عنف واكتئاب.
أسلوب الرواية مختلف عن طريقة السرد التقليدية، فهو يتبع مدرسة فنية تسمى «المينيماليزم» أو التبسيط الشديد، وفيه يحكي الكاتب أكثر من حدث في نفس الجملة مما يصيب القارئ بالدوار في البداية، لكن تستوعب المعنى بعد ذلك.
يمكنك قراءة وتحميل رواية «نادي القتال» من هنا