رئيس التحرير أحمد متولي
 مقابلات المدارس تهدد مستقبل الأطفال قبل أن يبدأ.. «كارثية وتسبب الإحباط»

مقابلات المدارس تهدد مستقبل الأطفال قبل أن يبدأ.. «كارثية وتسبب الإحباط»

«ألا يعد ذلك تنمرا ضد ابني؟» كان ذلك سؤال وجهته السيدة يارا. م. لمديرة إحدى المدارس الدولية، بعدما رفضت انضمام ابنها صاحب الثلاث سنوات، لمدرستها لمجرد أنه رفض الرد على بعض أسئلتها.

 موقف السيدة يارا لم يكن الأول فأطلق عشرات من أولياء الأمور وسم «هشتاج» بعنوان «لا لمقابلات المدارس» على مواقع التواصل الاجتماعي لرفض خضوع أبنائهم الذين لم يتعدوا 3 سنوات فما أقل لمقابلات قاسية لا يتحملها الأطفال، ليبدأ الجميع في سرد ما حدث.

في صباح أحد أيام ديسمبر 2018، اصطحبت السيدة يارا ابنها لإجراء مقابلة في إحدى المدارس الدولية القريبة من منزلها بالقاهرة الجديدة، وكانت تتوقع أن الأمور ستمشى على ما يرام، لكن طفلها رفض الرد على أسئلة لجنة التحكيم.

تقول لـ«شبابيك»: «ابني لساني تقيل شوية ويرفض الحديث مع من لا يعرفهم، لذا صورت له عدة مقاطع فيديو وعرضتها على اللجنة، وأبلغتهم أنه سيتفاعل جيدا مع زملائه ومعلميه بعد أيام، فهو يخاف الحديث مع من لا يعرفهم».

يتكلم 3 لغات ورفضوه

الرد الذي طلقته ولية الأمر كان قاسيا، «مديرة المدرسة قالت لي إنت جايبة الثقة دي منين ابنك تعبان يا هانم»، لترد السيدة ابني طبيعي جدا ويتحدث 3 لغات، وسأبحث له عن مدرسة أخرى.

 كانت يارا تتوقع أن الأمر فرديًا وستقبل أوراق ابنها في أي مدرسة أخرى؛ إلا أنها حاولت أكثر من مرة والإجابة دوما بأن الطفل يرفض الحديث مع من لا يعرفهم، وبات الأمر مرعب للصغير، الذي كان يدخل في حالة بكاء هستيري بمجرد معرفته باقترابهم من أي مدرسة، ويرفض دخول هذه الحجرة المرعبة التي يتلقى فيها أوامر من أناس يراهم للمرة الأولى، وطلبت منهم السماح بدخولها معه لكي يطمئن ويرد إلا أنهم رفضوا.

يارا تقول إن ابنها لم يصل للسن التي تسمح بدخوله مرحلة «kg1» لكنها كانت ترغب في ضمه للمرحلة التي قبلها «pkg» لكن المقابلات تسببت في صدمة كبرى جعلت الطفل يرفض المدرسة عموما، وحاليا تحاول الأم تخفيف وطأة الصدمة لدى صغيرها.

تتساءل السيدة عن الدور الحكومي الذي أقر هذه العام عدم إجراء امتحانات للطلاب في المرحلة الابتدائية حتى الصف الثالث الابتدائي «ليه يعرضونا لكد وفين دور الوزارة».

 سارة وصغيرها والانترفيو

تجربة يارا مع مقابلات المدارس لم تكن أقل وطأة مما حدث مع سارة، ولية أمر أحد الطلاب، والتي دخلت في حالة بكاء هستيري بعد رفض ابنها.

تحكى سارة، أنها وزوجها ظلا لمدة شهر متواصل يدربون ابنها الذي لم يكمل عامه الثالث بعد، على هذا الاختبار، «قعدنا شهر بننفخ فيه عشان نخليه يتقبل فكرة الانترفيو وهو سنتين و٨ شهور».

 تأتي الرياح بما لا تشتهى السفن، في اليوم الذي حددته المدرسة الدولية للصبي، أصيب بنزلة برد حادة، وارتفعت درجة الحرارة، إلا أن سارة وزوجها خشيا ألا يتمكنا من تحديد موعد آخر للمقابلة لذا ذهبا بالطفل للمدرسة.

رفض رغم التميز

تقول الأم: «الانترفيو كان باللغة الإنجليزية، والمفاجأة إن الطفل استوعب وكان بيرد بـ yes و No حتى اننا انبهرنا من إجابته، واعتقدنا أنه سيقبل في المدرسة».

 وتضيف، أنه ابنها تفاعل مع كل الأسئلة، وتعرف على كل الأشكال والألوان والأرقام، حتى أنها تخيلت أن تشكرها إدارة المدرسة على اهتماها بطفلها، وتنمية مهاراته بهذا الحد، لكنها صدمت بالنتيجة.

بعد انتهاء المقابلة أبلغت سارة بأن طفلها غير مؤهل للانضمام للمدرسة، لأنه لا يستطيع الإمساك بالقلم بشكل جيد، وأنه لهذا السبب حصل على ٣٨% فقط».

تقول السيدة إنها لم تكن تعلم ما الذي تقوله لابنها الصغير، كيف تبرر له أنه فشل في أول امتحان يدخله في حياته، حتى أنها بكت كثيرًا خوفا عليه.

مي الجابري، صاحبة حملة «لا لمقابلات المدارس» على فيسبوك، تلقت عشرات القصص عبر بريدها الشخصي، خلال الأيام الماضية، ونشرتها على الهشتاج المخصص لذلك، تقول إن هذه الأيام هي بداية خضوع التلاميذ الصغار للاختبارات من هذا النوع، استعداد للالتحاق بالمدارس العام المقبل.

موقف لن ينسي

مي تقول لشبابيك، إن عدد كبير من القصص وصلتها لأطفال لم يتعافوا من أثار المقابلة نفسيا، حتى أن أحدهم مر ثلاث أعوام ومازال يسأل أمه عن سبب رفضه في المدرسة الأولى التي خضع فيها لمقابلة.

وتضيف أن القصة حدثت لابن صديقتها عندما قدمت له ليلتحق بمدرسة توجد به أخته الكبرى، إلا أن المدرسة رفضته لسبب واهي جدا، وهو أنه «شقي» مشيرة إلى أن الطفل مازال يسأل أمه حتى الآن لماذا لم يقبلوني في مدرسة أختي.

سبوبة المقابلات

وتؤكد مطلقة الحملة أن المدارس تجرى هذا النوع من المقابلات كنوع من زيادة الإيرادات، أو ما يمكن تسميته بـ «سبوبة» لأن سعر المقابلة يبدأ من 500 جنيه، ويمتد حتى 2500، لمجرد حضور الطفل هذه المقابلات.

 وتشير إلى أن كل مدرسة يكون تحدد عدد معين من التلاميذ لتقبله، لكنها تفتح الباب ليقدم المئات وبالتالي يكون عليهم الانتقاء، وفي بعض الحالات يقدمون أسئلة تعجيزية، حتى لا تتمكن الأسرة من رد المبالغ التي دفعتها، أو لتقديم مبرر واهي على رفض الطفل.

 3 مطالب

 وترفع مي وزملائها في حملة «لا لقابلات المدارس» 3 مطالب تتلخص في إلغاء فكرة المقابلات، واستبدالها بآليه أخرى لتقيم الطفل في وجود أهله، بشرط أن يكون هدفها واضح وتتناسب مع المرحلة العمرية، ألا يشتمل التقييم على مستوى الطفل التعليمي، لأنه في الأساس جاء ليتعلم.

وثالث المطالب التي رفعتها الحملة هو استرداد المبالغ المالية التي تدفعها الأسرة في حالة رفض ابنها.

نتائج كارثية

حالات رفض الطلاب في مقابلات المراحل التعليمة الأولى لا تؤثر بشكل مباشر على الطفل حسب ما يقول استشاري الطب النفسي، الدكتور جمال فرويز، لكن رد فعل الأهل مع هذا الرفض ربما يكون كارثي.

فرويز يقول لـ«شبابيك» إن ردة فعل الأهل التي قد تكون انفعالية تجاه الطفل، كتعنيفه أو الاعتداء عليه بسبب رفضه من قبل المدرسة، قد تأتي بنتائج عكسية على مستواه التعليمي عموما.

نصيحة مهمة

وينصح أستاذ الطب النفسي أولياء الأمور بألا يشعروا ابنهم بأنه فشل وهو في هذا السن، وأن يفهموه أن ما حدث خطأ من المدرسة وليس منه هو، وأن يحاولوا رفع روحه المعنوية بشكل كبير.

تسبب الإحباط

 ومن الناحية التربوية حذر أستاذ المناهج بجامعة عين شمس، الدكتور حسن شحاته من خضوع الأطفال لمقابلات أثناء التقديم للمدارس.

 وقال شحاته إن تعرض الطفل للرفض أو الإقصاء في مثل هذه الاختبارات قد يصيبه بالإحباط.

وأضاف في حوار لبرنامج «رأي عام» المذاع على فضائية «ten» أن الطفل في هذه المرحلة يجب خضوعه لبرامج تعليمية تحببه في التعلم، ولا يمارس عليه أي ضغط.

عبدالغني دياب

عبدالغني دياب

صحفي مصري متخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية