رئيس التحرير أحمد متولي
 صديق مقرب وممثل رائع ومخادع.. السادات في مذكرات الساسة الأمريكان والروس

صديق مقرب وممثل رائع ومخادع.. السادات في مذكرات الساسة الأمريكان والروس

احتل الرئيس الراحل أنور السادات مساحة غير قليلة في مذكرات الساسة ممن عاصروا تلك الفترة التي تولى فيها حكم مصر، لاسيما أنها شهدت أحداثاً عدة أبرزها حرب أكتوبر 1973، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978.

مراوغ وصعب التوقع

في آخر مذكرات له صدرت عام 2003 بعنوان «الأزمة.. سنوات البيت الأبيض»، تناول هنري كيسنجر الكثير من الحكام العرب الذين عاصرهم إبان ترأسه للأمن القومي الأمريكي، أو للخارجية الأمريكية (1973 – 1977)، وتعامل معهم، أو اصطدمت بلاده بهم، ومنهم بالطبع الرئيس السادات.

يعترف كيسنجر في مذكراته بأنه: «أخطأ في حساباته تجاه أنور السادات، حيث اكتشف أنه واحد من الزعماء البارزين القلائل الذين التقى بهم، وأنه يتميز بالشجاعة ونفاذ البصيرة، لدرجة أن كان لديه الجرأة لأن يدخل حرباً لم يكن أحد يتصور أنه يمكن أن ينتصر فيها، كما أنه يتصف بالاعتدال الذي يجعله يتحرك نحو السلام بعد ذلك مباشرة».

وذكر كيسنجر: «في عام 1972 لم يكن أي شيء من ذلك واضحاً لي، فقد وجه السادات تهديدات كثيرة لم ينفذها. وخلال الجهود السلمية بدا لي أن السادات لم يتخل عن أوهام عبدالناصر، التي كانت تجعله يصر على مطالب لا يمكن تحقيقها. وربما كان السبب في هذا الخطأ هو أنه لم يكن لدينا من قبل حوار منتظم مع السادات لكي نكتشف كيف يفكر حقاً. وكانت معظم تعاملاتنا قبل فتح قناة الاتصال بين القاهرة والبيت الأبيض في أبريل 1972 تتم من خلال موسكو».

ويتابع كيسنجر: «اكتشفت بعد ذلك أن السادات يراهن على ما هو أكبر من كل تصوراتنا، فقد فجر قنبلة نسفت كل هذه التصورات السابقة عنه، عندما أعلن في يوليو 1972 إنهاء مهمة أكثر من 15 ألف خبير عسكري سوفيتي في مصر».

ويضيف أن هذا القرار كان مفاجأة كاملة لواشنطن، خاصة أن استراتيجيته كانت تسعى لإقناع مصر بتقليل اعتمادها على السوفييت. وتابع: «كنت أميل إلى التقليل من شخصية السادات الذي لم أتوقع أبداً أن يتخذ مثل هذه القرار بخطوة واحدة ضخمة».

ولم يكن هذه هي المفاجأة الوحيدة، فقد كانت المفاجأة الكبرى هي قرار حرب أكتوبر 1973.

ويعترف على استحياء في مذكراته بأن السادات خدع الجميع في واشنطن وفي مقدمتهم هو نفسه وان حساباته «بالنسبة للسادات كانت خاطئة في جزء كبير منها».

أفضل الأصدقاء

في كتابه «فلسطين.. سلام لا فصل عنصري»، يتناول الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر شخصية الرئيس السادات بإسهاب، وذلك من خلال معايشته له عن كثب قبل وأثناء وبعد كامب ديفيد.

ويخص كارتر السادات بأكبر قدر من المديح والتقدير، فيقول «من بين حوالي مائة رئيس دولة تقابلت معهم عندما كنت رئيساً كان هو السادات صديقي الشخصي المفضل والمقرب».

ويذكر أن الرئيس المصري الراحل لم يأت إلى كامب ديفيد بحثاً عن اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل فقط، ولكنه جاء يبحث عن اتفاقية سلام عربية مع إسرائيل تقوم على إعادة الأرض المحتلة وضمان حقوق الشعب الفلسطيني ووقف بناء المستوطنات.

ويروي أنه أثناء المفاوضات استشار العديد من القادة العرب خلال رحلة سريعة لمنطقة الشرق الأوسط، واكتشف أنهم – في السر – يؤيدون السادات، وإن كانوا علانية ينتقدونه بشدة بسبب احترامهم الجماعي لآراء باقي إخوانهم العرب.

وعلى هذا تحمل السادات إدانة جيرانه العرب وشجبهم لأفعاله والذين قاموا بفرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وتجارية على مصر في محاولة غير ناجحة لعزله وعقابه.

ويقول كارتر «إن أحد الفوائد الشخصية التي خرجت بها من تلك الأيام الطويلة التي أمضيناها في المفاوضات، هي الصداقة الدائمة التي ربطت بيني وبين عزرا وايزمان الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع في ذلك الوقت. كان هذا الرجل متحمساً إلى اتفاق سلام شامل، وكان على علاقة طيبة بالمصريين فكان عادة ما يذهب إلى كابينة السادات ليبادله الحديث أو يلعب الطاولة معه».

السادات.. ملك العرض الدرامي

أما سيروس فانس وزير الخارجية الأمريكية الأسبق في حكومة رونالد ريجان والذي أعد وثيقة كامب ديفيد، فوصف في مذكراته التي حملت اسم «خيارات صعبة» قادة مصر وإسرائيل بأنهم «فنانون في التحايل»، مؤكداً أن السادات يجيد العرض الدرامي لما يريد، أما بيجن فإنه يهتم بالتفاصيل الصغيرة والصياغات.

لعبة مع كيسنجر

مذكرات أخرى تناولت شخصية السادات، لكنها قابلة للجدل والمناقشة، مثل «قلب السلطة» التي دونها يفيجيني بريماكوف رئيس المخابرات الروسية، ثم وزير الخارجية، ثم رئيس الوزراء الأسبق.

زعم بريماكوف أن الرئيس أنور السادات نظم حرب أكتوبر 1973 كجزء من خطة أعدها هنري كيسنجر، باعتبار أن نجاحاً عسكرياً محدوداً يحققه السادات كان ضرورياً لتغيير الموقف وإقناع الإسرائيليين بالدخول في سلام منفرد مع مصر.

بل إن بريماكوف يقول إن كيسنجر طلب من السادات أن لا يبيد قوة إسرائيلية عبرت إلى مصر بقيادة الجنرال أرييل شارون، وكانت هذه القوة من الناحية الفعلية معزولة عن القوات الإسرائيلية الرئيسية في سيناء، وكان يمكن الاستيلاء عليها من قبل المصريين.

غير أن كيسنجر أبلغ السادات بأن مثل هذه النتيجة يمكن أن تعني «تفوق الأسلحة السوفيتية» التي كانت تستخدمها مصر في ذلك الحين على الأسلحة الأمريكية التي كانت تستخدمها إسرائيل، ولا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تسمح لحليفتها الاستراتيجية إسرائيل بمواجهة هزيمة كاملة.

بريماكوف

المصدر

  • كتاب «الحكام العرب في مذكرات قادة وزعماء ورجال مخابرات العالم». مجدي كامل.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية