عن الصحفي محمد أنور السادات.. رئيس التحرير الذي كتب 1000 مقالة
بزي عسكري مميز، وغليون تدخين كان لا يفارق فمه، إلا في خطاباته المميزة التي داعب الجماهير بإيماءات ملفتة لم تُعهد على أي حاكم سبق محمد أنور السادات في حكم مصر.
ربما لا يعرف الكثيرون أن السادات صاحب قرار العبور في حرب أكتوبر 1973، كانت له اهتمامات أخرى غير عسكرية، فهو مرة مؤلف وقاص، وأخرى صحفيا يكتب المقالات وثالثة رئيسا للتحرير يتابع مسارات إصدار الجريدة ويشرف عليها حتى التوزيع.
رئيسا للتحرير
السادات المولود في 25 ديسمبر 1918، عمل في بداية حياته صحفيا قبيل ثورة 23 يوليو1952، إلا أنه رغم المهام التي ألقيت على عاتقه لم يتوقف عن الكتابة بعدها، حتى أصبح رئيسا لتحرير جريدة الجمهورية الناطقة بلسان الثورة في الفترة ما بين عامي 1953 حتى عام 1956 ليتركها دون أن يترك الكتابة.
12 كتابا وألف مقال
ألف السادات 12 كتابا غالبيتها كانت مقالات نشرت في صحف «الجمهورية ومجلة التحرير بعد قيام ثورة 23 يوليو، وجريدة الأهرام، ومجلة أكتوبر، وجريده مايو بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية».
ويشير موقع محمد أنو السادات الإلكتروني التابع لمكتبة الأسكندرية والذي يضم مؤلفاته وسيرته الذاتية، إلى أن السادات كتب ما يزيد عن ١٠٠٠ مقالة، حتى وفاته عام ١٩٨١.
ويشير الموقع إلى أن قصة السادات مع الصحافة مثيرة، بدأت حين كان دون عمل، فاستغل طاقته في الكتابة لكسب العيش، واستمر في ذلك حتى بعد قيام الثورة فأصبح المعبر الأول عن مواقفها.
مقالات ما قبل الثورة
مقالات السادات قبل الثورة كانت مختلفة تماما عما كان بعدها، ويشير إلى ذلك الكاتب نبيل راغب في كتابه «أنور السادات رائد التأصيل الفكري» والذي يشير إلى أن مقالات السادات كانت مرحبة بالمظاهرات التي تخرج ضد المحتل وكان مؤيدا حتى للعمليات الفدائية التي تتم ضد العملاء والمحتلين.
وتغير ذلك في مقالات ما بعد الثورة التي كتبها السادات بشكل يومي في جريدة الجمهورية، فرغم اعترافه بأنه كان يشارك في بعض التظاهرات قبل الثورة، وأنه كان مؤيد لعمليات التخريب التي كانت تقوم بها المظاهرات، إلا أنه كان يرفض ذلك بعد الثورة.
وكانت حجة السادات في ذلك أن البلاد كانت في يد مجموعة من العملاء وقتها وأن الشعب لم يكن ليثق فيمن يتولون الأمر، لكن عقب ثورة يوليو 1952 كان الموضوع مختلف، فالبلاد باتت تحكم حكم وطني وتولى الأمر أحد أبنائها، وبالتالي يجب أن يفكر الجميع في البناء حتى يلتحقوا بركب التقدم الحضاري.
حكايات من الزنزانة
اتخذت مقالات السادات التي قدم فيها عصارة أفكاره طابع أدبي مميز، تميز برشاقة العبارات وصراحتها، وحكي خلال الكثير منها عن فترات السجن التي عايشها متنقلا بين سجون مصر، في المرتين اللتين دخل فيهما متهما، فيما بين عامي 1942 و1948، الأولى كانت بسبب اتهامه بالتواصل مع ضابطين ألمانيين إبان الحرب العالمية الثانية، بينما كانت فترة السجن الثانية عقب اتهامه في قضية اغتيال الوزير الوفدي أمين عثمان.
تعلم الألمانية في سجن المنيا
وحكي السادات عن الفترتين في مقالاته فيسرد في سلسلة مقالات بعنوان «30 شهرا في السجن» ما مر به في السجن ومعاناته في الحبس، وكيف حول هو وزملاءه الحبس لمكان للتعلم، حتى أنه أتقن الألمانية في سجن معتقل ماقوسة بالمنيا عن طريق زميل له في السجن يدعى حسن جعفر كان يجيد اللغة الألمانية بسبب أن والدته كانت ألمانية.
بمساعدة جعفر استطاع السادات أن يتعلم اللغة الألمانية كتابة وقراءة عن طريق تلك الرواية وكان السادات قد اهتدى لفكرة تعليم اللغات من الروايات عندما قرأ أن الإمام محمد عبده، قد تعلم اللغة الفرنسية من خلال تعلمه لقراءة رواية مكتوبة بالفرنسية بمساعدة صديق له يجيد اللغتين العربية والفرنسية إذ يقول السادات عن تلك التجربة: «فالرواية هي شريحة من الحياة بكل ما فيها من أوصاف وحوار ونقاش.. إلخ».
وأجاد الصحفي أنور السادات أساليب الحكي فكانت مقالاته دوما تحكي فترات في عمر الدولة، لجانب كتاباته عن حياته في السجن، قبل الثورة، وكانت تلك المقالات يدون فوقها بقلم اليوزباشي أنور السادات.
لسان الثورة
وفي العام 1954، تمحورت مقالات السادات اليومية في الجمهورية عن الثورة، وتحركاتها، وتولى مسؤولية الدفاع عنها والهجوم على معارضيها، كما أن كتاباته لم تقصر فقط على الرأي، ففي الخامس من أكتوبر قدم السادات ما يقترب من التقارير التحليلية المعروفة حاليا في الصحف، وكان مقاله بعنوان «الجمهورية تكشف القناع عن أصابع الصهيونية في صحافة انجلترا وأمريكا».
أعمدة صحفية
وبعد الحرب والدخول في جولات الصراع الدبلوماسي بدأ السادات مرحلة أخرى من كتاباته، واتخذت طابع العمود الصحفي، فكتب عمود من أوراق السادات في مجلة أكتوبر، وجمعه أنيس منصور في كتاب كامل فيما بعد، وكذلك كتب في جريدة مايو الأسبوعية التي كانت تعبر عن الحزب الوطني الديمقراطي في ذلك الوقت.
واتسمت كتابات السادات أيضا بالحكي، فكان دائما ما يكتب عن السياسيين المصريين ويقدم رأيه بين سطوره بشكل محترف، كما هو الحال في مقال نشر في يونيو 1981 بجريدة مايو، بعنوان «قابلت عزيز المصري بكلمة سر من حسن البنا» والتي كانت ضمن سلسلة مقالات من هذا النوع قدمها السادات في عموده الذي عنونه بـ«عرفت هؤلاء».
في هذا المقال سرد السادات حكايته مع حسن البنا، وكيف دعاه لإلقاء درس ديني للجنود في مقر سلاح الإشارة، وأن ذلك تسبب في انزعاج رئاسة الجيش وقيادات المخابرات الحربية التي لم يأبه لتحذيراتها من عدم الاقتراب من مؤسس جماعة الإخوان، وأنه قبل دعوته لحضور درس الثلاثاء في مقر الإخوان القديم في منطقة الحلمية.
الهجوم على الإخوان
وقدم السادات في 7 مقالات متتالية نشرها في أغسطس 1954 رؤيته الدينية الإسلامية وتعليقاته على ما يدور في العالم الإسلامي والعربي، من خلال مقالات بعنوان «نحو بعث جديد».
وبعد الصدام مع الإخوان كتب السادات مقالا في 14 سبتمبر 1954 بعنوان «الله معنا وليس مع الهضيبي» هاجم فيها الجماعة ووصفهم بتجار الدين، وأنهم يلبسون عباءة الدين من أجل السيطرة على المصريين كما فعل قائد الحملة الفرنسية، نابليون بونابرت، حينما دخل البلاد محتلا.
وفي هذه المقالة دافع السادات عن موقف الثورة من الجماعة، ووقوفها في وجه تجار الدين كما وقف تلاميذ الإمام محمد عبده في وجه الغزاة الفرنسين الذين تولوا الحكم في الأقاليم.
بريد القراء
لم تتوقف كتابة السادات على كتابة المقالات السردية ونقد بعض معارضي الثورة، أو معارضي نظامه فيما بعد، لكنه مارس دوره ككاتب محترف تأتيه الرسائل على بريد الجمهورية، ويرد عليها في المكان المخصص له كما هو الحال في مقال بعنوان «صدق أو لا تصدق» والذي كان يرد فيه على أحد قراءه من محافظة السويس، والذي انتقد فيه حديثه عن جماعة الإخوان ومرشدهم، وأنه لا يصدق ما كتبه السادات، ولا يكذبه أيضا، ليرد السادات بأنه لم يكن يهاجم الهضيبي في مقالاته بالجمهورية، وإنما كان مجرد كاتب يعرض ما يقوله مرشد الإخوان ويفند أقواله.