من الذي أشعل شرارة «بقاء الرئيس في الحكم» منذ السادات حتى الآن؟
عرف المصريون عدة أنظمة سياسية لانتخاب الحاكم، من خلال الدساتير المختلفة، لاسيما فيما وضع عقب قيام ثورة 1952، والذي استمر طوال 3 عقود رئاسية في شكل الاستفتاء الشعبي على شخص الحاكم، دون السماح بإجراء انتخابات تنافسية، إلا أنه دستور 1970 الذي أقره الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حدد مدتين فقط للرئيس في بداية الأمر، لكن لم يدم الأمر طويلا ليعود لنفس المنهج السابق.
ويقول أستاذ القانون الدستوري، بجامعة المنوفية، فؤاد عبد النبي إن الدساتير المصرية مرت بمراحل كثيرة من التعديل والتطوير، لاسيما فيما يتعلق بفترة الرئاسة خلال العقود الأخيرة.
برأيه، لا أحد يملك تعديل النصوص الدستورية المتعلقة بمدة بقاء رئيس الجمهورية في الحكم، لأنها محصنة بقوة الدستور، وإجراء أي تعديل عليها يعد انتهاك للدستور وجريمة يُعاقب عليها القانون.
ولفت إلى أن المادة 226 من الدستور منحت رئيس الجمهورية، وخمس أعضاء البرلمان إمكانية تعديل مادة أو أكثر من الدستور ولكن شريطة ذكر أسباب التعديل، ومع ذلك سلبت منهم حق تعديل ما يتعلق بانتخاب الرئيس وفترة ولايته.
وبالعودة للسجلات التاريخية التي حفظت ما طرأ على الدساتير المصرية فيما يتعلق بمدة الرئاسة الدستورية، فإن هناك بعض الأشخاص تطوعوا لاقرار هذه التعديلات تأيدا لمن هم موجودون في السلطة، كان بعضهم نواب في البرلمان، أو سياسيين مقربين من بعض الرؤساء.
فايدة كامل والسادات
المغنية الشهيرة فايدة كامل، كانت أول من طالب بمد فترة الرئاسة للرئيس الراحل أنور السادات، وكانت فايدة وقتها معينة في مجلس الشعب، ضمن الأعضاء الذين يعينهم الرئيس، لتفتح مدة الرئاسة من مدة لمدد.
الحرف الذي غيرته فايدة بموافقة نواب الشعب، وبعد استفتاء عام، حدث في أوائل عام 1980، كان بموجب اقتراح تعديل المادة 77 من الدستور، والتي كانت تنص على أن مدة رئيس الجمهورية 6 سنوات، ويجوز أن تجدد لمدة واحدة أخرى.
وجاء طلب فادية بإلغاء حرف الهاء من كلمة مدة، واستبدالها بحرف الدال فيصبح التجديد لمدد أخرى.
عناصر شاذة
وبعد أيام من الاقتراح جاءت نتيجة الاستفتاء الشعبي «نعم» للتعديلات الدستورية بـ 11 مليون صوتًا، فيما رفض التعديلات 60 ألف شخصًا فقط، حتى أن الرئيس السادات وصف الرافضين للتعديلات بـ«العناصر الشاذة».
لم يعش السادات طويلا بعد التعديل الدستوري الجديد، لكن استفاد منه خليفته مبارك ليبقي في الحكم بفضل مقترح فايدة كامل 30 عاما حتى ثورة 25 يناير 2011.
مبارك يطالب
حكاية مبارك مع التعديلات الدستورية المتعلقة برئيس الجمهورية، لم يقودها شخص محدد من المقربين له بشكل صريح، بل كانت بإيعاز ممن سموهم وقتها بـ«ترزية القوانين» من أعضاء الحزب الوطني الذي كان يرأسه حسني مبارك، وعلى رأسهم الدكتور فتحي سرور، ووزير شؤون مجلس النواب، الدكتور مفيد شهاب.
في النصف الثاني من عام 2006، تقدم مبارك بطلب لمجلس الشعب لتعديل 34 مادة في الدستور، ولم يكن من بينها إلغاء المادة التي تبيح له الترشح لمدد رئاسية، لكنه بموجب تعديلاته حوّل اختيار رئيس الجمهورية من استفتاء شعبي لانتخابات تنافسية.
ووجه مبارك رسالة للبرلمان وقتها تضمنت حيثيات مطالبته بهذه التعديلات، والتي ترتب عليها عدم الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات، والأخذ بنظام القائمة النسبية في الانتخابات، ومن بين المواد الدستورية التي طلب مبارك تعديلها المادتان (62، 94) المتعلقتان بالنظام الانتخابي.
وبرر مبارك ذلك بأنه: «رغبة في أن يتيح الدستور للمشرع القدرة على اختيار النظام الانتخابي الذي يكفل تمثيلا أوفى للأحزاب السياسية فى مجلسي الشعب والشورى، ويسمح للمرأة بمشاركة فاعلة في الحياة السياسية».
واتهم مبارك وقتها من قبل قوى المعارضة بأن التعديلات تهدف في مجملها لتسهيل ترشيح جمال مبارك، نجل الرئيس مبارك، لمنصب رئيس الدولة.
حملات متكررة
آخر مرة طالب فيه ساسة مصريين بتعديل الدستور المصري، المعمول به حاليا، كانت خلال ديسمبر 2018، حيث أطلق عدد من السياسيين المصريين، وبعض المتقاعدين العسكريين حملة «دستورنا» للمطالبة بتعديل الدستور، والتي تزامنت مع دعوى قضائية رفعها المحامي أيمن عبد الحكيم أمام محكمة الأمور المستعجلة، لمطالبة مجلس النواب بتعديل المادة 140 من الدستور الحالي، الذي أقره الشعب في 2014.
المتحدث باسم الحملة وأحد مؤسسيها، صموئيل العشاي، يقول إنه لم يظهروا فجأة في القوت الحالي، وإنما ظهرت حملته قبل إقرار الدستور الحالي في عام 2013، ورفعت مطلب إعداد دستور جديد، ورفض التعديلات التي لجأت لها لجنة الخمسين التي أشرفت على تعديل الدستور عقب 30 يونيو 2013.
ويضيف لـ«شبابيك» أن الحملة لا تريد تعديل مدد الرئاسة فقط كما يردد البعض، فلا يمكن عمل استفتاء على مادة واحدة بالدستور، فبحسبه هناك كوارث كثيرة في مواد الدستور يجب الالتفات إليها.
ويشير إلى أن الحملة خلال الأيام المقبلة ستعمل على التواصل مع المواطنين من خلال النقابات المهنية والعمالية لمعرفة مطالبهم من الدستور، وإعداد تقرير كامل بالمواد التي يراها المواطنون تحتاج لتعديل، ثم رفعه لمجلس النواب للنظر فيه.
وعن سبب فتح قضية تعديل الدستور مرة أخرى هذه الأيام، يؤكد العشاي أن الفترة التي عقبت إقرار دستور 2014 كانت حرجة، لكن الآن تخلصت الدولة بشكل كبير من الإرهاب، وعاد الاستقرار لربوعها، وأيضا بدأت في جني ثمار الإصلاح الاقتصادي، وبالتالي بات الوقت مناسبا لفتح الموضوع مرة أخرى.
وخلال السنوات الثلاث الماضية طالب عدد من السياسيين، وأعضاء مجلس النواب، بضرورة إعادة النظر في مواد الدستور ومن بينها المتعلقة بصلاحيات الرئيس، والبرلمان، كان أبرزهم النائب الراحل سامح سيف اليزل، مؤسس ائتلاف دعم مصر البرلماني، والنائب مصطفي بكري، في برنامجه التلفزيوني الذي يقدمه على فضائية صدى البلد.
وتنص المادة 140 من الدستور على الآتي: «يُنتخب رئيس الجمهورية لمدة أربع سنوات ميلادية، تبدأ من اليوم التالى لانتهاء مدة سلفه، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا لمرة واحدة. وتبدأ إجراءات انتخاب رئيس الجمهورية قبل انتهاء مدة الرئاسة بمائة وعشرين يومًا على الأقل، ويجب أن تعلن النتيجة قبل نهاية هذه المدة بثلاثين يوما على الأقل. ولا يجوز لرئيس الجمهورية أن يشغل أى منصب حزبى طوال مدة الرئاسة».