قصة «ظهور العذراء» بكنيسة الزيتون بعد النكسة.. عبدالناصر يصرف الأنظار عن الهزيمة

قصة «ظهور العذراء» بكنيسة الزيتون بعد النكسة.. عبدالناصر يصرف الأنظار عن الهزيمة

في 2 أبريل 1968 كانت مصر على موعد مع حدث خاص مزج بين الديني والسياسي، تمثل في تأكيد البعض على ظهور السيدة مريم أعلى كنيسة العذراء بحي الزيتون بالقاهرة ، ما أثار عدة تساؤلات في تلك الفترة خاصة أن الحدث جاء في أعقاب نكسة يونيو 1967.

وبحسب الباحث عصام ستاتي في كتابه «مقدمة في الفولكلور القبطي» فإن كنيسة العذراء بالزيتون حديثة نسبياً، حيث بنيت في الستينات من القرن الماضي بقرار من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هي وكاتدرائية العباسية في عهد البابا كيرلس السادس.

اهتمام خاص من عبدالناصر 

وتعتقد الجماعة الشعبية بالزيتون أن كنيسة العذراء شهدت حادث تجلي العذراء عام 1968، ويقال إن هذه الظاهرة شاهدها الزعيم جمال عبد الناصر والكثير من زعماء العالم حيث ظهرت العذراء في من ذلك العام في عهد كيرلس السادس فاعتبرت منذ ذلك الحين مزاراً للكثير من الأقباط، حيث يأتون إليها من جميع المحافظات احتفالاً بالمولد والتجلي.

بداية القصة وفقاً لرواية سعيد الشحات في كتابه «ذات يوم.. يوميات ألف عام.. وأكثر» تبدأ بظهور فتاة ترتدى ملابس بيضاء تقف أعلى القبة البحرية للكنيسة، فظن المارة أنها ترغب فى الانتحار، فتجمعوا صارخين: «حاسبى يا ست»، وبعض لحظات رأى الناس شعاع نور باهر يأتي من فوق القبة الكبرى للكنيسة، وتشكل النور إلى فتاة متشحة بثياب بيض بجوار الصليب الذي يعلو القبة الوسطى.

بدأ الحديث عن أن هذا الظهور هو للسيدة مريم العذراء التي تجلت فى مناظر «نورانية روحانية»، ولم يتوقف الأمر على هذا اليوم، بل كان مفتتحاً لنفس الحدث طوال الأيام التالية، حتى أصدر البابا كيرلس يوم 4 مايو بياناً رسمياً قال فيه: «إن ظهور العذراء في كنيسة الزيتون حقيقة».

وأضاف البيان: «آلاف المواطنين من مختلف الطوائف قرروا بيقين رؤية العذراء، واتفق وصفهم بشهادات جماعية، وأن العذراء ظهرت فى ليال مختلفة وأشكال مختلفة، وكانت تتحرك وتسير وتواجه المشاهدين وتباركهم وتشفيهم».

شهود العيان

لم تقف الصحف المصرية صامتة أمام الحدث الذي شغل مصر كلها، فخرجت بـ«مانشيتات» يوم 5 مايو 1968 عن بيان البابا، وأجرت تحقيقات ميدانية من موقع الحدث، وجمعت شهادات لمن وصفتهم بـ«شهود العيان»، ومنها شهادة شخص يدعى فاروق محمد عطوة سائق بهيئة النقل العام، قال فيها: «سمعت صياح بعض المارة فخرجت مسرعا لأعرف ما الأمر، فوجدت أناساً متجمهرين أمام الكنيسة، يشيرون إلى القبة، فرأيت سيدة تلبس ملابس بيضاء وتقف فوق القبة البحرية، وكأنها تنوى الانتحار، ولكنها لم تتحرك، ودققت النظر فوجدتها على شكل راهبة وفجأة طار فوقها حمام أبيض».

وقال مأمون عفيفى، وكان يعمل مدرباً لسائقى النقل العام: سمعت خفير الجراج يصيح بصوت عال «نور فوق القبة»، فخرجت بسرعة وشاهدت بعيني سيدة تتحرك فوق القبة، ويشع منها نور غير عادى، فأضاء ظلمة المكان المحيط بالقبة، ودققت النظر إليها، وظل بصري متعلقاً بها، فتبينت أنها العذراء ورأيتها تمشى فوق القبة الملساء، جسمها شعلة من النور وكانت تسير فى هدوء.

توافقت شهادات رؤساء الطوائف المسيحية فى مصر مع شهادات المواطنين، كما زادت الصحف بالحديث عن معجزات الشفاء لمواطنين مسلمين ومسيحيين من أمراض مستعصية، وأخذت القضية اهتماماً بالغاً على المستوى الرسمي للدولة.

ناصر والبابا

وفى كتاب «البابا كيرلس وعبد الناصر» للكاتب الصحفي محمود فوزي، قال إن الرئيس جمال عبد الناصر رآها بنفسه، ومعه حسين الشافعي سكرتير المجلس الإسلامي الأعلى، وذلك من شرفة فيلا أحمد زيدان، كبير تجار الفاكهة المواجهة للكنيسة.

وقالت وزارة السياحة إنها أرسلت تقريراً عن ظهور العذراء إلى سفارات مصر والمكاتب السياحية بالخارج.

وبحسب «الشحات»: استمر الحدث طوال شهر ونصف، وبلغ زواره مئات الآلاف، لكن الحديث عن السياق السياسي الذي وقع فيه كان ينقل الموضوع إلى رؤية أخرى، فهو جاء بعد نكسة 5 يونيو 1967، والتي أدت إلى بدء تدريجي في ظهور التيارات الدينية المتشددة، رداً على هزيمة «المشروع القومي»، وتزامن معه ميل اجتماعي إلى تصديق حديث الخوارق التي كانت فى وجهة نظر البعض «خرافات».

ولكن ما الذي جعل الخيال الشعبي ينسج مثل هذا الحدث ويصر على مشاهدة الرئيس عبد الناصر له وكذلك الكثيرين من زعماء العالم؟ في كتابه يجيب الباحث عصام ستاتي على ذلك بتأكيده على أن هذه الحدث ليس سوى قصة من قصص الخوارق والمعجزات، ولدى الخيال الشعبي عددا لا حصر له من هذه القصص، كما أن العلاقة الجيدة بين عبد الناصر والبابا كيرلس السادس ساعدت على انتشار القصة التي يرويها الناس والمترددون على الكنيسة حتى الآن على أنها قصة، بل يؤكد كبار السن منهم أنهم شاهدوها بالعين ولم يسمعوها من أحد، ولذا أصبحت مزاراً وقبلة لكل أقباط مصر.

المصدر

  • * كتاب «مقدمة في الفولكلور القبطي».عصام ستاتي.     * كتاب «ذات يوم.. يوميات ألف عام.. وأكثر». سعيد الشحات.       *كتاب «البابا كيرلس وعبد الناصر».محمود فوزي.

     

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية