رئيس التحرير أحمد متولي
 رغم الانتقاد والاتهام بالفشل.. هل نهاية مسلسل «صراع العروش» واقعية ومنطقية؟

رغم الانتقاد والاتهام بالفشل.. هل نهاية مسلسل «صراع العروش» واقعية ومنطقية؟

أسهم كثيرة خسرها مسلسل صراع العروش عند الجمهور والنقاد بعد عرض الموسم الثامن، فالمستوى العام انحدر بشدة مما جعل المؤلف الأصلي للعمل، الروائي الأمريكي جورج مارتن، يعلن غاضبًا أن الشركة المنتجة تعجلت في إنهاء المسلسل.

أحداث متسارعة مختصرة وحوارات مهترئة جعلت كثيرون يطالبون بإعادة إنتاج هذا الموسم الأخير حفاظًا على الجودة السابقة، ولكن هنا سؤال هام: هل نهاية المسلسل مُرضية بحد ذاتها؟

اتفق الجميع تقريبًا على «كروتة» الموسم، ولكن إذا دققنا في نهايات الأبطال أنفسهم فهل نكتشف أن الخواتيم منطقية؟ أم متعجلة وسخيفة كذلك؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه بحيادية قدر الإمكان خلال السطور القادمة.

دينيريس تارجيريان.. التغير متوقع

توقع الكثيرون انقلاب شخصية «دينيريس» لكن المسلسل فعل هذا بسرعة غير مقنعة

لمدة 7 مواسم كاملة، ظلت شخصية «دينيريس» أو «أم التنانين» مثالاً للابنة المظلومة التي تريد استعادة عرشها، فقدت ابنها وزوجها وكادت تموت، لكنها استمرت في طريقها بكل شكل ممكن، حررت العبيد واشترت الجيوش حتى تصل لما تريد.

برغم أن والدها كان يُسمى بالملك المجنون وكاد يحرق الناس أحياء في الشوارع، إلا أن «دينيريس» اعترفت بذلك ووعدت بأنها لن تكون مثل أبيها، بل ستعطي الحريات لأصحابها وتسقط الطاغية عن عرشه.

حاولت الفتاة الطموحة أن تصل لحل سلمي مع الملكة «سيرسي» الجالسة على العرش لكن الأخيرة قتلت تنينها وقطعت رأس مترجمتها الشخصية، هنا بدأ التغير في شخصية «دينيريس» الطيبة لتصبح عنيفة قاتلة، وإن كان هذا بالتأكيد ليس كافيًا.

كثير من المشاهدين توقعوا أن تنقلب «دينيريس» مثل أبيها، فمثل هذا الالتواء معروف في الملاحم والقصص على سبيل مفاجأة الجمهور، كما حدث في الملحمة الشهيرة «سيد الخواتم» حين انقلب بطلها «فرودو» شريرًا في آخر الملحمة بسبب سحر الخاتم.

حدث هذا بالفعل وانقلبت «دينيريس» لتحرق المدينة عن بكرة أبيها، مكررة ما كاد أبوها يفعله، وهذا أدبيًا متوقع خاصة في ملحمة سوداوية مثل «صراع العروش» تفاجئ الجمهور بأن النفس البشرية رمادية تمامًا وتتقلب بسهولة، والخير لا يجب أن ينتصر كما يحدث في الواقع.

الفيصل هنا أن انقلاب «فرودو» في «سيد الخواتم» كان مبررًا ومخدومًا على الشاشة، لكن هذا لم يحدث في «صراع العروش» ووجد الجمهور بطلته الطيبة تتغير في لحظة، مما جعل الأمر سخيفًا في أعينهم وشعروا بالخديعة والاستغفال.

جون سنو.. القاتل والمقتول

جون سنو كان البطل المنتظر الذي جلب السلام بقتل الطاغية الجديدة

ظل «جون سنو» البطل المفضل عند كثير من المشاهدين، فهو المنبوذ المنفي خارج عائلته إلى حرس الليل، والمتضامن مع الهمج المطرودين مثله من ممالك البشر، والمحارب في سبيل الآخرين بلا رغبة في عرش أو سلطة، لكن دوره في الموسم الثامن يكاد يكون هامشيًا على يد السيناريو الرديء.

الفعل الأهم لجون سنو في النهاية كان قتل الملكة المجنونة الجديدة «دينيريس» رغم حبه لها وصلة القرابة التي تجمع بينهما، فقد رآها بنفسه تحرق الأطفال أحياء في الشوارع لمجرد تفريغ غضبها الأعمى.

كان قتل جون سنو للملكة شيئًا مفاجئًا لكنه في حد ذاته منطقيًا، فقد هزم حبه له وأنهى الحرب التي كانت ستستمر لسنوات أخرى بسبب امرأة تعميها شهوة الانتقام، وبهذا أصبح لحياة «جون» فائدة أخيرًا.. لقد أنقذ العالم مضحيًا بحبه.

أما عودته إلى الشمال مرة أخرى فلها وجاهتها، لأن «جون» ينتمي للشمال برغم كل شيء، وهناك وجد الصديق والحبيبة والتأييد، بل إن مشهد النهاية يظهره وقد قاد الهمج المنبوذين إلى أرضهم حتى يعمرونها من جديد بعدما صارت بلا وحوش تهدد الحياة فيها، ببساطة سيصير «جون» ملكًا في مملكته الحقيقية والهمج لن يصيروا مطرودين خائفين.

آريا وملك الليل.. منطقي رغم «السلق»

قتل آريا لملك الليل كان صدمة عند أغلب الجمهور الذي شعر بالخديعة ولم يقتنع بسهولة المشهد

لم يصدق أغلب المشاهدين أعينهم في نهاية الحلقة الثالثة حين قتلت «آريا» الشرير الأساسي في الرواية بطعنة واحدة؛ فكيف يموت «ملك الليل» الرهيب بهذه البساطة؟ لقد ظهر المشهد «مسلوقًا» للغاية بحسب التعبير الشعبي.

شخصية «آريا ستارك» كانت من أبرز أبطال المسلسل تطورًا في قدراتها، فقد تعلمت الكثير من المهارات السحرية والقتالية حتى تنتقم لأسرتها، ومن المنطقي أن تكون هي الجديرة بقتل ملك الليل، إلا أن المسلسل من جديد لم يجهد نفسه في إقناع المُشاهد بهذا.

بعض المشاهدين توقعوا بسوداوية مفرطة أن ينتصر الشرير أصلاً في نهاية المسلسل، تمنوا أن يموت الجميع ويجلس الشرير على العرش! ربما يتخطى الأمر هنا حدود المنطق.. فالشرير في العادة يموت ولكن الفرق في الطريقة التي يموت بها!

بالنسبة لـ«آريا» نفسها فقد قررت أن تكمل بقية حياتها في مغامرة جديدة لاستكشاف أرض أخرى، أرادت أن تكون بمثابة «كولومبوس» لعالم السلسلة وتضيف المزيد من الأجزاء للخريطة، وهذا من جديد في محله.. فهي بطبعها تكره الغرف والبيوت، ليست بفتاة عادية ولكنها تعشق الخطر عشقًا.

بران وتيريون.. الملك ونائبه

بران ستارك وتيريون لانيستر يصبحان الملك ونائبه في إشارة لعدم التعارض بين الضعف الجسدي والحُكم

منذ بدأ المسلسل وهو ينتصر لكل مكسور أو مشلول أو منبوذ أو أعرج، ببساطة يخبرك المؤلف أن العاهة لا تمنع صاحبها أن يكون مغامرًا أو محاربًا، حتى الفتاة الرقيقة قد تقهر أعتى الرجال في المعارك.

انتهت الحرب وحان وقت اختيار الملك، وهنا يقدم صناع المسلسل وجهة نظرهم في هذه النقطة، لقد رفضوا الحكم بالوراثة حتى لا يتحامى كل وريث لأسرته، ناهيك عن صلاحيته للحكم من عدمها، ورفضوا أيضًا الحُكم برأي الشعب الذي قد يسيء الاختيار بأغلبيته، في النهاية اختار المسلسل الحُكم بتزكية المجلس، وفي كل الأحوال كان الجمهور سينحاز للطريقة التي يفضلها من الثلاثة.

في النهاية جلس «بران» المشلول على العرش لأنه الأكثر حكمة بين الجميع والأكثر فهمًا لعالمه، وهذه إشارة أخرى لفكرة الانتصار لكل مكسور وضعيف، رغم أن «بران» نفسه لم يكن يريد العرش هو الآخر، ثم اختار بحكمته المنبوذ الأكبر.. «تيريون لانيستر» ليكون نائبه.

القزم «تيريون» هو الآخر أثبت كفاءته طوال المسلسل في هذا المنصب، فهو العقل في صورة إنسان، والخائف على مصالح الشعب رغم كرههم له، وفي هذا أجبره «بران» الملك على مشاركته العرش، لنجد أن أكثر شخصيتين ضعيفتين جسديًا في القصة أصبحتا الملك ونائبه.. فالضعف الجسدي لا يخالف الحكمة والقيادة.

سانزا ستارك.. الملكة أخيرًا

تحولت سانزا من فتاة مائعة إلى حاكمة

مثل أغلب الشخصيات تطورت «سانزا» على مدار الحلقات من فتاة رومانسية حالمة إلى سيدة شديدة الدهاء والبأس، كانت كل آمالها في الحياة أن تكون زوجة لأمير وأم لأطفال بشعر أشقر، لكنها الآن جديرة بالجلوس على عرش أسرتها، فمن المنطقي أيضًا بعد هذا المشوار أن تكون «سانزا» ملكة الشمال.

أما أسدي عائلة «لانيستر»، الملكة «سيرسي» وأخيها «جايمي»، فقد ماتا تحت الأنقاض أثناء هجوم التنين وهذه صدمة لكل من أحبهما في يوم، لكنها نهاية أخرى لسلسلة الحُكم الدامي والتكالب على العرش، فالملكة «سيرسي» لم تكن تحب إلا أولادها وليذهب الشعب كله للجحيم، ولكن صُناع المسلسل جعلوا الملايين يتعاطفون معها في هذا المشهد لبقية من الإنسانية فيها.

الخلاصة.. العبرة بالكتب

المؤلف جورج مارتن وكتابه السادس «رياح الشمال» المنتظر بشدة

ربما تسبب المستوى العام البائس للمسلسل في كره الناس لهذه النهايات وإن كانت مبررة منطقية، والعبرة الآن في الروايات التي كتبها المؤلف الأصلي جورج مارتن، عشاق المسلسل يطمحون في رؤية إبداع صانع العمل فسه بعيدًا عن اختصار الشركة المنتجة.

توقفت الروايات عند الموسم الخامس، وينقصها روايتان فقط لتكتمل السباعية، السادسة بعنوان «رياح الشمال» وتليها «حل بالربيع»، ومن المفترض أن تحتوي الكتب النهايات نفسها التي شاهدها الجمهور لكن الأحداث بالطبع ستختلف كثيرًا عن الشكل المتدني في المسلسل، وإن كان البعض يتوقعون أن يفاجئنا جورج مارتن من جديد بنهايات أخرى بعدما اختبر صلاحية النهايات الحالية لجمهوره، وهذا ما ستجيب عنه الأعوام القادمة.

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة