رئيس التحرير أحمد متولي
 في ذكرى ميلاد «فايزة أحمد».. الكريستال مازال لامعا

في ذكرى ميلاد «فايزة أحمد».. الكريستال مازال لامعا

بمنتصف المسرح، تقف بهدوء، مرفوعة الرأس، شعرها البُنّي يُحيط بوجهها برقّة، الموسيقى تنساب بنعومة من آلات الفرقة الموسيقية خلفها إلى آذان المُستمعين، يزداد ترقّب عشّاق صوتها انتظارًا له، تستعد للغناء، ثم يخرج صوتها قويًّا، ناعمًا، مُغلفًا باحساسها بكل كلمة تنطق بها، تمس أوتار قلوت الجميع بشغف، تنتهي من الغناء، ويظلّ صوتها يرنّ بآذان الجميع.. صوت فايزة أحمد.

 

رغم أنّها بدأت الغناء في ظلّ هيمنة الست «أم كلثوم» على الغناء، بشكل لا يدع مجالًا للمنافسة مع أي صوت نسائي آخر، إلّا أن «فايزة» اتخذت لنفسها طريقًا بعيدًا عن المنافسة مع «الست»، وفي فترة قصيرة، جعلت لها قاعدة جماهيرية تُحبها، تنتظرها بشغف، حتى قالت عنها «الست» نفسها أن صوتها هو أكثر الأصوات النسائية التي تُطربها، وإن خَلفها أحد على عرش الغناء، ستكون «فايزة» بالتأكيد.

حين سمِعها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب قال أن لها صوتًا كـ«الكريستال المكسور»، ورغم رحيلها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، إلّا أن «الكريستال» مازال لامعًا كما كان، ومازال صوتها يُطرب الكثيرون، ومازال «كروان الشرق»، كما قال عنها الشاعر الكبير «كامل الشناوي»، تكتسب جمهورًا وِلد بعد رحيلها بسنوات.

صوت «فايزة»، التي نحتفل بذكرى ميلادها اليوم، كان من أكثر الأصوات النسائية العربية غرابة، في نفس الأغنية تتمكن «فايزة» من الغناء بفرح، وفي اللحظة التالية تشدو بشجن، حين تقول «بتسأل ليه عليّا» تشعر بسعادة خفيّة في صوتها لاهتمامه بها، وبعدها بثوان، تجدها قد تجلّدت لتقول «هخاصم عنيّا، لو قابلت عنيك وقالت تشوفك، واخاصم إيديا، لو شاورت عليك، أو شاورت لطيفك».

وبعد أن تُعاتب «تمر حنة» بلطف قائلة «الورد كلّه كسا الجانين، واشمعنا انتي اللي شاردة منا»، تعود القوة لصوتها وتكاد تُعنّفها وهي تقول «بالليل بنسأل وبالنهار عشان نبلّغ شوق الأحبة، وطال عليهم الانتظار ومفيش في قلبك ريحة المحبة».

لم يكن صوت «فايزة» واضحًا في قوته كصوت «الست» أو رِقته كصوت جارة القمر «فيروز»، وإنما كان مزيجًا مُربكًا، تُغنّي بسلاسة، وتخطفك باحساسها، وبعد انتهاء الأغنية، تظلّ في الحالة التي وضعتك هي فيها دون أن تشعر، ويظلّ صوتها ولحن الأغنية يتردد بداخلك وهي تقول «ببص م الشباك.. لمحته جاي هناك.. في طلعته الحلوة.. نوّر عليّا وقال بعينيا كام موال».

 

تشعر معها بحيرتها حين تقول «ليه يا قلبي ليه بتحلفني ليه.. اخبّي الحكاية وأداري عليه»، ثم يغلبها شوقها لتصرخ قائلة «لا مش قادرة اخبّي.. بحبه يا قلبي.. واحلف أنّه أوّل وآخر حبايبي».

ورغم أن هذه الأغنية من إنتاج عام 1958، أي قبل أكثر من نصف قرن، إلّا أنها تُعدّ أيقونة «عيد الأم» حتى الآن، في جميع الحفلات المدرسية، أو الاحتفالات الرسمية وغير الرسمية، تظّل أغنية «ست الحبايب"» أوّل أغنية تُغنّى، ومهما سمعناها مِرارًا، كلما سمعنا تسجيلها الأصلي بصوت «كروان الشرق»، كلما مسّت قلوبنا كأوّل مرة سمعناها، تُدمع العين تلقائيًا مع صوتها وهو يقول «لو عشت طول عمري أوفي جمايلك الغاليه عليا.. أجيب منين عمر يكفي وألاقي فين أغلى هدية.. نور عيني ومهجتي.. وحياتي ودنيتي.. لو ترضي تقبليهم دول هما هديتي».

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة