«العتبة والغورية» حكاية سرايا الخديوي ومتجر الثياب والعطور
في صباح يوم الاثنين، الموافق 9 مايو 2016 استيقظت مصر على حريق ضخم اندلع بمنطقة الرويعي بسوق العتبة في وسط القاهرة. بدأ الحريق من فندق الأندلس وامتد لمنافذ بيع المنتجات الشعبية وأكشاك الملابس المجاورة، ليسفر عن إصابة العشرات وقتل 3 أشخاص.
بعد الحريق الضخم الذي سيطر على حديث الرأي العام وتصدر منشتات الصحف، اشتعلت منطقة الغورية بحريق التهم قرابة 20 محلا للأقمشة.
«العتبة والغورية» منطقتان شعبيتان ارتبطتا بثقافة الشعب المصري وتاريخه وهويته، لكل منهما قصة وحكاية، فتعالوا بنا نتعرف على أصل الحكاية في السطور التالية.
من حي أرستقراطي لحي شعبي
كان يطلق عليها «العتبة الخضراء» لكثرة الحدائق التي أحاطت بها، وكان يوجد بها كذلك سرايا فخمة عُرفت باسم «العتبة». توالى عليها العديد من رجال الدولة، مثل طاهر باشا ناظر الجمارك، ثم اشتراها الخديوي عباس حلمي، واستمرت تحت سيطرة ورثته، حتى قرر الخديوي إسماعيل إجراء تجديدات بميدان العتبة.
التخطيط الجديد "قديما" لمنطقة العتبة أضاف لها طابعا مختلفا، بنى الخديوي فيها دار الأوبرا القديمة، ومكتب البريد، والتياترو الخديوي الذي عرف بالمسرح القومي. وانطلق منها أول ترام يشق طريقه في القاهرة. وأُنشئت بها المحلات الفخمة، حيث أصبحت مقصدا تجاريا للباحث عن السلع الأجنبية المميزة.
ومع الوقت تغيرت طبيعة الميدان والبضائع المباعة.. تزاحمت البنايات الحديثة على المساحات الخضراء، وتهالكت بناياته العتيقة، وأصبح مركزا تجاريا شعبيا، يجد فيه أبناء الشعب كل ما يحتجون إليه بثمن زهيد للغاية.
ومن هنا ارتبطت منطقة العتبة بالذاكرة الشعبية المصرية، عبرت عنها السينما في فيلم «العتبة الخضراء» بطولة إسماعيل ياسين وأحمد مظهر، وهو فيلم كوميدي عن محتال يحاول بيع منطقة العتبة لأحد السذج القادمين من الصعيد.
من العتبة للدرب الأحمر.. ياترى إيه أصل التسمية؟
وكالة السلطان الغوري
لا تبتعد الغورية كثيرا عن منطقة العتبة، ولم تبتعد عنها النيران بعد يومين فقط من حريق الرويعي. وتتشابه المنطقتان أيضا في التاريخ العريق نفسه.
تبدو الغورية كمتحف مفتوح ينبض بالحياة، حيث تقع في قلب قاهرة المعز، بأبوابها ومساجدها ومدارسها الأثرية، جنبا إلى جنب مع المقاهي الشعبية، التي تشعر فيها أنك في مصر الحقيقية، وكأنك انتقلت في رحلة عبر الزمن حيث الهوية الشعبية البسيطة.
تعود التسمية للسطان الأشرف قنصوة الغوري، الذي انتهى حكمه عام 1517 بعد دخول الفاطميين مصر. كان الغوري مولعا بالثياب والعطور، والزينة حتى قيل أنه كان يرتدي حزاما من الذهب فوق جميع ثيابه.
أنشأ الغوري العديد من الوكالات والدكاكين التجارية، لتكون مقصدا لجميع التجار لبيع أفخر أنواع الأقمشة والعطور والحُليّ، وظل المكان محتفظا بطابعه التاريخي حتى اليوم، وظلت مقصدا للباحث عن الأقمشة والعطور والهدايا المختلفة.
غنى لها الفنان محمد قنديل في أغنية «يارايحين الغورية.. هاتوا لحبيبي هدية».. ودارت فيها أحداث ثلاثية نجيب محفوظ وأفلامها «بين القصرين» و«السكرية» و«قصر الشوق».
الأوبرا القديمة وحريق بفعل فاعل
لم يكن حريق العتبة الغامض هو الأول من نوعه.. فبعد أن أعاد الخديو إسماعيل تخطيط المناطق الواقعة بين وسط البلد والعتبة وجاردن سيتي، وقد أمر ببناء دار الأوبرا بالعتبة واهتم بزخرفة المبني وفخامته، فجاءت بتصميم إيطالي وبُنيت من الخشب، وتم افتتاحها عام 1869.
لكن التصميم نفسه أصبح ثغرة قاتلة، عندما اندلع في دار الأوبرا القديمة حريق هائل في 28 أكتوبر عام 1971 أتى على المبنى الخشبي. لقد قيل أن سبب الحرق هو ماس كهربائي، لكنه واجه العديد من المشككين الذين اقتنعوا أن الحريق تم بفعل فاعل بسبب عمليات اعتقال رموز الحركة الطلابية وقتها. وبعد حريق الأوبرا بعقدين كاملين، تم افتتاح دار الأوبرا الجديدة عام 1988.
قبل الدخول.. تعرف على قصص 5 من أبواب القاهرة