مغتربون دخلوا عالم الفن من القاهرة
رحلة قصيرة، وشاقة أحيانا، من بلاد الشام إلى القاهرة، غير معلوم مصيرها ولكن يرافقها أمل واهن بالقدرة على تحقيق الأحلام بداخل عاصمة الفنون والآداب، قام بها أشخاص يحملون أسماء عادية وقتها، ليصبحوا في «القاهرة» أسماء لامعة في عالم الفن.
في هذا التقرير نرصد لكم أبرز الفنانين الذي تذوقوا «الاغتراب» في مصر.
بديعة مصابني
شهدت مدينة حلب السورية ميلاد فتاة جميلة وموهوبة، لأب لبناني وأم سورية، استحقت الاسم «بديعة»، ولكن المدينة ذاتها كذلك شهدت على سلسلة من الأحداث المأساوية تعرضت لها تلك البديعة وأسرتها، بداية من احتراق مصنع الصابون الذي يمتلكه والدها، ووفاته حزنا عليه، ثم سرقة مجوهرات والدتها ليلة العزاء، إلى أن تعرضت لحادث اغتصاب وهي في السابعة من عمرها على يد صاحب الخمارة التي يعمل بها أخوها توفيق.
وبعد أن لجأت والدتها إلى القضاء، لكي تنتقم لابنتها من صاحب الخمارة المغتصب، حكم عليه بالسجن عاما واحدا، وغرامة 200 ليرة ذهبية، ووسط ذياع صيت ذلك الحادث الأليم، رهنت الأم المنزل ليتمكنوا من الهجرة إلى أمريكا الجنوبية، والتي التحقت «بديعة» فيها بمدرسة داخلية تعلمت فيها اللغة الإسبانية، وفنون التمثيل والغناء والرقص.
حين بلغت «بديعة» سن الـ19 عاما في عام 1910، قررت السفر إلى القاهرة، باعتبارها عاصمة الفنون العربية. وهناك، وبعد انضمامها لفرق جورج أبيض وعزيز عيد وأحمد الشامي، وبعد أن قامت بأداء رقصة شرقية خاصة بها عام 1929 عرفت باسم «رقصة بديعة»، افتتحت كازينو الفن الخاصة بها، ليصبح بمثابة مدرسة تخرج منها الكثير من النجوم، مثل تحية كاريوكا وفريد الأطرش وسامية جمال ومحمد فوزي.
فريد الأطرش
شهدت بلدة القريا بجبل الدروز ميلاد فريد الأطرش، وهربا من الفرنسيين المعتزمين على اعتقاله وعائلته لكي ينتقموا من والده فهد الأطرش الذي قاتلهم في جبل الدروز بسوريا، هاجرت والدته علياء حسين المنذر معه وإخوته إلى القاهرة.
في القاهرة، كان معهد الموسيقى بداية احتراف «فريد» عزف العود، إلى أن انضم إلى فرقة بديعة مصابني، ثم أصبح يغني في الإذاعة مرتان أسبوعيا، وتوالت نجاحاته في الأغاني والتمثيل السينمائي حتى صار «موسيقار الأزمان».
أسمهان
في عرض البحر وعلى متن باخرة تنتقل من تركيا، حيث يعمل والدها، إلى سوريا، بعد خلاف نشب بين والدها الأمير فهد وبين السلطات التركية، كانت ولادة أخت فريد الأطرش الصغرى «أسمهان»، وذلك قبل مجيئهم القاهرة.
وأثناء استقبال أخيها «فريد» للملحن داوود حسني بالمنزل في القاهرة، انبهر الأخير بصوتها حين سمع غنائها آتيا من غرفتها، وكان سببا في اكتشافها، وبدأ يدربها على العزف على آلة العود، وعلمها الشيخ زكريا أحمد أصول الإلقاء الغنائي، وتولى الملحن محمد القصبجي تعليمها المقامات وطرق الانتقال الصحيح بين النغمات.
كما أقنعها أخوها «فريد» بأن تبدأ مشاركته في الغناء بداخل صالة ماري منصور في شارع عماد الدين، ثم أصبحت «أسمهان» في فترة قصيرة المنافسة الوحيدة لأم كلثوم.
آسيا داغر
بداخل قرية تنورين بلبنان، ولدت «آسيا داغر»، وفي موطنها، بدأت حياتها الفنية حين قامت بالتمثيل في فيلمها القصير «تحت ظلال الأرز» عام 1922، وسافرت إلى مصر في العام التالي برفقة شقيقتها ماري وابنتها الصغيرة ماري كويني.
وكان لها نصيبا في الظهور كممثلة في أول فيلم مصري صامت «ليلى» من إنتاج 1927، وهو نفس العام الذي أسست فيه شركة «لوتس» للإنتاج السينمائي، لتصبح من أهم شركات الإنتاج في تاريخ السينما المصرية، وتحصل «آسيا» على لقب «عميدة المنتجين»؛ حيث مدت السينما المصرية بكثير من الأفلام من إنتاجها؛ أولها «غادة الصحراء» عام 1929، ومنها «فتاة متمردة» و«أمير الانتقام» و«عيون ساحرة»، كما اكتشفت الكثير من المخرجين منهم، عز الدين ذو الفقار وهنري بركات وحسن الصيفي وكمال الشيخ وحلمي رفلة، وبعض النجوم أشهرهم فاتن حمامة وصباح.
ماري كويني
ولدت «ماري» في القرية ذاتها التي شهدت ميلاد خالتها «آسيا داغر» بلبنان، وبعد وفاة والدها المزارع «بطرس يونس»، انتقلت مع والدتها وخالتها إلى مصر.
كان أول فيلم تنتجه خالتها «آسيا» «غادة الصحراء» عام 1929 هو أول فيلم تقوم «ماري» بالتمثيل فيه، وهي في عمر الثانية عشر فقط، بعد ترشيح المخرج وداد عرفي لها.
وبعدها عملت كمونتيرة في فيلم عندما تحب المرأة من إخراج أحمد جلال، وعملت في مجال الإنتاج مع خالتها. وبعد زواجها من المخرج أحمد جلال عام 1940، كونا سويا شركتهما الخاصة للإنتاج السينمائي، لتصبح أول من جاء بمعمل ألوان في الشرق الأوسط عام 1957، وتنتج أفلام عديدة منها: ابن النيل، ظلموني الناس، إسماعيل يس في جنينة الحيوانات، والمليونير الفقير.
نور الهدى
بداخل مدينة مرسين التركية، ولدت «ألكساندرا»، وظهرت موهبتها الغنائية عندما كانت تغني في الحفلات المدرسية، وشجعتها والدتها على إقامة حفلات في بيروت ودمشق واللاذقية وحلب برفقة فرقة موسيقية محترفة، لتشتهر، قبل أن تتم الـ10 أعوام، بلقب «أم كلثوم لبنان».
جولة فنية قام بها عميد المسرح العربي «يوسف وهبي» في الشام عام 1942 جعلته يستمع إلى صوت «ألكساندرا» ويعجب به ويطلب منها المجئ إلى مصر، وهناك يختار لها «نور الهدى» اسما فنيا لها وتوقع معه عقدا مدته 5 سنوات، ويعطيها دور البطولة أمامه في فيلم «جوهرة» من إنتاج عام 1943، ثم تتوالى أعمالها السينمائية مع فريد الأطرش ومحمد فوزي ومحمد عبد الوهاب وغيرهم برصيد بلغ 24 فيلما.
صباح
بداخل موطنها لبنان، نالت «جانيت» شهرة محلية بسبب صوتها الجبلي المبهج، الذي جعلها تشتهر بلقب «الشحرورة»، ما لفت انتباه المنتجة السينمائية «آسيا داغر» التي كانت تعمل بالقاهرة وقتها، فطلبت من وكيلها في لبنان «قيصر يونس» عمل عقد معها لثلاثة أفلام سينمئاية مقابل 150 جنيها مصريا عن أول فيلم، ويزيد المبلغ تدريجيا مع كل فيلم آخر.
وفي القاهرة، حلت «جانيت»، ذات الـ18 عام، وأسرتها ضيوفا على «آسيا» بمنزلها في أسيوط، وتولى الملحن رياض السنباطي مهمة تدريبها على غناء ألحان فيلم «القلب له واحد» عام 1945، ليصبح «صباح» اسمها الفني منذ ذلك الوقت، وتتوالى أعمالها السينمائية والغنائية لتصل إلى 83 فيلما بين مصري ولبنان، وأكثر من 3000 أغنية، وحوالي 27 مسرحية لبنانية.
نجاح سلام
يتولى الملحن وعازف العود «محيي الدين سلام» تعليم ابنته «نجاح سلام» أصول الغناء بداخل موطنها «بيروت»، لتبدأ الغناء في الحفلات المدرسية هناك.
وفي عام 1948، يصطحبها والدها إلى القاهرة لتتعرف بأم كلثوم وفريد الأطرش وأسمهان وزكريا أحمد، وتسجل أول أغانيها في العام التالي، وتقدم أول أفلامها السينمائية «على كيفك» عام 1952، وتشارك بعده في عدد من الأفلام السينمائية مع إسماعيل يس وسامية جمال وفريد شوقي. كما غنت نجاح سلام مجموعة كبيرة من الأغاني الوطنية جعلتها تحصل على لقب «عاشقة مصر».
وردة
شهدت فرنسا ميلاد «وردة» لأب جزائري وأم لبنانبة، وهناك بدأت تمارس الغناء تحت إشراف التونسي «الصادق ثريا» في نادي والدها حتى عادت مع والدها إلى لبنان.
كانت دعوة المخرج حلمي رفلة سببا في قدومها إلى مصر عام 1960، ليقدمها في دور البطولة في فيلم «ألمظ وعبده الحامولي»، ثم يتم اختيارها لتشارك في غناء أوبريت الوطن العربي في العام ذاته. وبلغت «وردة» قمة شهرتها بعد زواجها من الموسيقار بليغ حمدي عام 1972، وقيامه بتلحين مجموعة من أجمل أغانيها.
نور
بالرغم من بداياتها في مجال الإعلانات بداخل محل ميلادها «بيروت»، كانت شهرة الفنانة «نور» الحقيقية بعد أن جاءت إلى القاهرة وشاركت في فيلم «شورت وفانلة وكاب» مع الفنان أحمد السقا، لتتوالى أعمالها السينمائية بعد ذلك في أفلام عديدة منها «سيد العاطفي»، «ملاكي إسكندرية»، «الرهينة»، «مطب صناعي»، «ظرف طارق»، و«ميكانو».