في ذكرى وفاته.. يوسف وهبي وحكايات الألف عام
في إحدى الأيام كان جالسا يقرأ كالمعتاد، لكن القصة التي كان يقرأها لم تكن كغيرها، فهي تحكي عن شاب سقط أثناء دخوله الحمام، وتهشمت جمجمته ودخل المستشفى وأصيب بشلل إلى أن توفى، وبعد قليل ترك هذه الرواية ليتذكر أن لديه موعدا عليه اللحاق به، وهب مسرعا على سلالم المنزل فانزلق وكسر مفصل ساقه ومن ثم أصيب بالشلل.
إنه الفنان الراحليوسف وهبي الذي أصيب عقب هذا الحادث بحالة اكتئاب شديد نتيجة شائعات وفاته التي كانت تصل إليه من حين لأخر عبر الصحف والإذاعات، ظل مصاحبه حتى فارق الحياة في 17 أكتوبر 1982، لكن ظل عطائه الفني والمسرحي خالدا، فكيفلرجل عاش ألف عام - كما قال في مذكراته - أن يرحل بهذه البساطة.
ابن الباشا والوسيط روحاني
ولد يوسف عبد الله وهبي، 14 يوليو 1898 بمحافظة الفيوم في عائلة ارستقراطية كان يحمل والده لقب "باشا" ويعمل مفتشا للرى، وأعتاد والده أن يقيم مدرسة في كل بلد كان ينزل إليها، وخلال معاينته للأرض التي ستقام عليها المدرسة رأى رجلا تجاوز الثلاثين من عمره عاري الجسد يتخذ من المقابر مسكنا فاشفق عليه الباشا واشتري له ثوبا ليستره، فأخذ الرجل يدعو للباشا ثم ضرب علي فخذه الأيمن، فاخرج منها "ملبس" فاخر وضعه في يد الباشا الذي ذهل من هذا الرجل الخارق للطبيعة. روي الباشا فيما بعد لابنه يوسف عن قصة ذلك الرجل، فأصر يوسف أن يراه وأخذ يبكي بكاء شديدا حتي يسمح له والده في رؤيته، وأثناء الدورة التفتيشية لمفتش الري الإنجليزي أراد الباشا إضفاء نوعا من المرح على زيارته باستدعاء الرجل الخارق، وبعد حفلة العشاء وفي حضور الطفل يوسف وهبي بدأ الشيخ يضرب بقبضته علي فخذه وأسفل مائدة الطعام حتى أخرج "عناقيد عنب "، لم يصدق المفتش الإنجليزي ما يحدث لذلك طلب من الشيخ أن يحضر له ثمرة "جوز هند" الذي لم يكن يزرع في مصر، وفي ثواني أحضر الشيخ طلب المفتش، ودون يوسف وهبي في مذكراته أن الشيخ الخارق كان يردد اسم الله في كل مرة يستجلب فيها شيئا من الهواء.
يوسف يلجأ للسحر من أجل حبيبته "كلوبي" شاءت الظروف أن ترتبط حياة يوسف وهبي منذ الصغر بالعديد من المواقف التي جعلته يؤمن بالروحانيات، والتقي بأحد السحرة عن طريق صديق له في مدرسة مشتهر الزراعية، كان له قدرة خارقة علي ربط القلوب وإخضاع المحبوب، وكان وقتها يوسف وهبي كما ذكر يمر بقصة حب من طرف واحد من فتاة يونانية تدعي كليوبي، كانت تمثل له أقوي قصة حب في حياته.
طلب الساحر منيوسف وهبي أن يحضر خصلة من شعر الفتاة اليونانية التي يحبها، أو أي ملابس استخدمتها من قبل، وبالفعل أحضر الطلب عن طريق استغلال إفلاس شقيقها واحتياجه للمال، وما أن وصلت كليوبي إلى القاهرة حتى اتصلت به وعبرت له عن حبها العميق له، وواعدته في حلواني الكورسال، وبعيدا عن القول بأن تلك المواقف خزعبلات و خرافات، فإن يوسف وهبي أكد حدوثها بالفعل، وصرح كثيرا في أحاديث تلفزيونية أنه مؤمن بالعلاج الروحاني، وروى عن جلساته الروحية في لندن، وحكي عن العملية الجراحية التي أجراها له الوسيط الروحاني العالمي"جورج شابمان" التي تمت بدون أي أدوات جراحية، وبرغم ذلك وجد يوسف وهبي آثار خياطة مكان الجرح وتم شفاءه. ونشرت صحيفة"سيك نيوز" اللندنية يوم 15 فبراير سنة 1964 عن العلاج الذي قامت به الوسيطة الروحية "مارجريت ويلسون" للفنان يوسف وهبي.
يوسف وهبي وتجسيد شخصية النبي محمد"صلى الله عليه وسلم"
فى عام 1926 زار الممثل والمخرج التركى "وداد عرفى"وهو من أصل يهودييوسف وهبى بمسرح رمسيس، وقدم له رجلا يدعى الدكتور "كروس"على أنه مندوب مؤسسة سينمائية ألمانية مشهورة أخبره أنه نال موافقة رئيس الجمهورية التركية على إنتاج فيلم إسلامى ضخم كدعاية مشرفة للدين الإسلامي، تشارك فى نفقاته الحكومة التركية باسم "محمد رسول الله" وقد أعد السيناريو، وصرحت بتصويره لجنة من كبار علماء الإسلام فى إسطنبول، على أن يقوم يوسف وهبى بدور سيدنا "محمد" وينتقل بأعضاء فرقته إلى باريس لتصوير الفيلم هناك.
وما أن نشر هذا الخبر بجريدة المسرح حتى فتحت أبواب جهنم على يوسف وهبى، خاصة بعد ان علم الجميع أن يوسف وقع على عقد الفيلم فى السفارة الألمانية، وأرسل شيخ الأزهر خطابًا إلى وزارة الداخلية فى اليوم التالي مباشرة يطالبها بالتحقيق فى الأمر، لمنعيوسف وهبيمن القيام بالدور حتى لو اقتضى الأمر منعه من السفر.
وفسر يوسف وهبيموافقته على القيام بالدور قائلا: "إننى إذا كنت قد رضيت أن ألعب هذا الدور فليس إلا لرفعة شأن النبى محمد صلى الله عليه وسلم وتصويره أمام العالم الغربى بشكله اللائق به وحقيقته النبيلة،ثم توجه بكلامه إلى رجال الدين، طالبهم فيها بإرشاده إلى الصواب وأن يقولوا له هل يقوم بهذا الدور أم يرفضه، مع إحاطتهم أنه إذا رفض فسيقوم بهذا الدور ممثل أجنبي لا يهمه من أمر ديننا شىء". وفى نهاية الرسالة أكد يوسف وهبى أنه سيرفض القيام بالدور عن طيب خاطر حتى لو كان سيجنى من ورائه الأرباح الطائلة، إذا رأى العلماء هذا الرأى. وأنهى الرسالة بقوله: "ليعلم إخوانى المصريين أن شعاري دينى قبل كل شىء".
