شعوب اختارت العزلة.. "الهيمبا" قبائل المرأة الحمراء
بعد جولاتنا في أربع حلقات سابقة داخل أروبا وأسيا والولايات المتحدة وغابات الأمازون، كان لزاماً علينا أن نعد معكم إلى الأرض والوطن "قارتنا السمراء أفريقيا".
لا عجب أن تكن أفريقيا كلها بعيدة عن الحضارة، إلا أن هناك من بينها من لم يأتوا إلى الحاضر معنا، وبقوا في الماضي، فذهبنا نحن إليهم وفي ضيافة قبيلة "الهيمبا" يأخذكم "شبابيك" وحلقة جديدة من سلسة (شعوب اختارت العزلة وتخلفت عن الحضارة).
الطبيعة
انتقلت قبيلة "الهيمبا" مع شعوب وجماعات الهيريرو الأخرى في القرنين الخامس عشر والسادس عشر الميلادي من بوتسوانا واستقرت في شمال ناميبيا، ليعيشوا هناك حياة الترحال معتمدين على الصيد وتربية المواشي.
تمسك أفرادها بحياة البدو القديمة، ويقضون حياتهم في البحث عن الطعام والثروات التي تكفيهم ربما لشهرين لا أكثر، وإن نفذت فعليهم البحث عن أماكن أخرى بديلة لها. وطنهم الأم هو شمال دولة "ناميبيا" طالما بقي فيه ما يستنفذونه، وإن نفذ فلا موطن إلا حيث يوجد طعام يكفي ما يقرب من 50 ألف نسمة مجموع أعدادهم.
ورغم كون "ناميبيا" إحدى دول أفريقيا المستقرة واقلها كثافة سكانية، إلا أنهم نبذوا حياتهم ضمن المجتمع المتحضر، واحتفظوا بتراثهم المتوارث، عاداته وتقاليده وحتى أدواته المستخدمة في المعيشة-هي حياة قبلية بكل ما تحمله الكلمة-.
الحياة
يمكنك وصفها بالكارثية إن شئت، فمن بقي منهم حتى الأن هو ناج من قحط أو جفاف وربما حرب طاحنة أو صراع قبلي، فهم من تحملوا فترة الصراع الحدودي ما بين أنجولا ونامبيبا بحكم كونهم الاقرب لمنطقة النزاع، قبل أن يتعرضوا لحملة إبادة جماعية من قبل الألمان بقيادة "لوثير فون تروثا" وقت استعمارهم لتلك الأرض.
قضي منهم من قضي في النزاع مع الجيران والإبادة، ومن نجا كان عليه أن ينال نصيبه من قحط 1980، والذي دفعهم للهجرة إلى أشد الأماكن فقراً وكاد أن يقضي على قبائل "الهيمبا"، قبل العودة بعد 10 سنين إلى أرضهم وحياتهم البرية رافضين التخلي عنها رغم ما لاقوه.
الدين
ديانتهم تجمع في مضمونها بين الوثنية والتوحيد، فيعتقدون بوجود إله واحد خالق ومسير ومانح لكل شىء، يسمونه "موكورو"، بعيد عن البشر ويصعب الوصول إليه-حسب اعتقادهم-، إلا من خلال أرواح أجدادهم الذكور فقط، الذين يتحولون إلى كائن مقدس يهتم بإيصال الرسائل بين الأحياء وإلاههم "موكورو"-حسب اعتقادهم-.
ومن واجبات زعيم القبيلة أن يبقي على النار المقدسة مشتعلة حتى يضمن وجود أرواح الأجداد بجوارهم، ويجهز لشعائر الصلاة حولها طلباً للخير والبركة.
المجتمع
ربما تعتقد للوهلة الأولى عند نزولك بقبائل "الهيمبا" أنه مجتمع نسائي، فالمرأة هي التي تربي الماشية وتجمع حليبها وتربي الأطفال، بل تبني المنازل أيضاً، وربما ما يخفف عنهم ذلك هو أدائه بصورة جماعية، النساء والأطفال جميعهم يؤدون نفس العمل وما إن ينتهوا منه يبدأون في غيره، قد ترى بعض من همجيتهم خارجاً، لكني أعتقد أنه المجتمع الوحيد الذي تجد فيه امرأة تقبل الاعتناء بأطفال غيرها إلى جانب أطفالها، كل ذلك بينما يغيب الرجل عن القبيلة.
يمكنك القول أن "الهيمبا" قبيلة تحكمها المرأة، لذلك عندما تصل فتاة صغيرة إلى سن النضج، كان عليهم إقامة الاحتفالات كونهم ربحوا امرأة جديدة في مجتمعهم، فتُؤخذ الفتاة على وشك البلوغ إلى المكان المقدس بالقبيلة والمخصص للشعائر الدينية التي يؤمنون بها، وتبقى هناك جالسة في حماية الأجداد حتى قدوم رفيقاتها وقريباتها إليها وهنَّ يحملن الهدايا لها فرحاً ببلوغها ووصولها للسن الذي تستطيع أن تتزوج وتنجب فيه.
ورغم ما تحصل عليه المرأة من تكريم إلا أنها قد تفقد كل ذلك وقت الولادة، فتعتبر "نجسة" بعض الشىء وعليها أن تترك القرية برفقة امرأتين لتولد في الخارج ومن ثم تعود مع مولودها لتبدأ عندها الاحتفالات التطهيرية لها.
ولعل أغرب معتقد لديهم هو أن ولادة توأم تعني غضب الألهة والأسلاف، وينبذونه حيث يعتقدون بأن المرأة قد حملت من رجلين مختلفين .
أما الرجل فإن لم تجده يحتسي الخمر بأحد الحانات، لربما وجدته بالمدينة يبحث عن عمل يحصل منه على المال اللازم لشراء الخمر، وبدء بعضهم في ارتداء الملابس المتحضرة مثل الجينز والقميص وهو ما حث بعض نساء القبيلة على نبذهم، اعتقاداً بأنهم قد تخلوا عن ثقافتهم وإرث الأجداد.
وعادة لا يكتفي الراجل بزوجة واحدة، فإلى جانب علاقاته المحرمة تجده يجمع بين أكثر من زوجة ولديه عشرات الأطفال، على أن تعيش كل واحدة منهن وأطفالها في منزل منفرد، وربما قبيلة أخرى .
وبعيداً عن الملابس المدنية التي ادخلها الرجال، فرجال ونساء القرية لا يرتدون شيئاً باستثناء قطعة من جلد الماعز تستر النصف السفلي من الجسم .
المرأة الحمراء
كونها العنصر الأساسي في مجتمع القبيلة الأفريقية، وجب عليها الاعتناء بنفسها وإن لم يكن بغرض العناية لكنه الحماية على أقل تقدير، فتصنع لنفسها خليطاً من دهن الماعز وأكسيد الرصاص وبعض أنواع النباتات مع خلطها ببعض الروائح الذكية، للاحتماء من أشعة الشمس المحرقة وكذلك لحماية أنفسهن من الحشرات، وهذا المزيج يعطي لأجسادهن لوناً أحمر، يرمز بالنسبة لهم إلى بركة الأرض التاريخية التي يعيشون عليها، ودم الإنسان الذي هو رمز الحياة واستمراريته.
أما بالنسبة للشعر فشكله لا يتعدى بعض الضفائر التي يختلف عددها وفقاً لعمر المرأة، فالفتاة الصغيرة الغير بالغة تمتلك ضفيرتين أثنتين كبيرتين تتدليان على جبينها، ومع التقدم في العمر والوصول لسن الرشد تزداد أعدادها وتصغر أحجامها، وفي حال المتزوجة فإنها تضع على رأسها تاج صغير مصنوع من جلد الماعز دلالة على دخولها عرش الحياة الزوجية.
هؤلاء وغيرهم موجودون معنا على الأرض بمثل تلك البساطة وإن اعتبرها البعض تخلفا، فجئنا بحكاياتهم إليكم، وسنعود إليكم بحلقة جديدةوشعب قابع بعيد عن الحضارة.. انتظرونا. الحلقات السابقة: شعوب اختارت العزلة وتخلفت عن الحضارة.. (الأميش) شعوب اختارت العزلة وتخلفت عن الحضارة.. (الكازاخ) شعوب اختارت العزلة.. «الإيبان» مهر العروسة جمجمة شعوب اختارت العزلة.. “أوا جواجا” والنمر الأحمر