الفتاة المستقلة.. هذا ما لا تعرفه عن «البنت السهلة»

الفتاة المستقلة.. هذا ما لا تعرفه عن «البنت السهلة»

»البنت تخرج من بيت أبوها على بيت جوزها»، جملة يرددها كثيرون ويؤمنون بها، لكن الواقع مليء بنماذج لفتيات خرجن من بيت آبائهن إلى سكن خاص وسوق العمل، دون أن يكون الزواج هو الدافع وراء هذا الاستقلال.

لكن الفتاة التي اختارت الاستقلال بحياتها تواجه اتهامات كثيرة لأنها تعيش بمفردها، وأبرزها هذه الاتهامات أنها «بنت سهلة»، و«متسيبة»، و«منحلة»، وترغب في فعل المحظور عليها في بيت والدها.

استشاري العلاقات الأسرية الدكتور أحمد علام يقول إن التكنولوجيات المعلوماتية الحديثة من أكبر العوامل التي تشجع الفتاة على ترك أهلها، كما للأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تأثير كبير أيضا.

وأوضح أن الانفتاح التكنولوجي والإنترنت بما تحتويه السوشيال ميديا من جروبات ومدونات تشجع الفتيات على الاستقلال بعيدا عن الأهل حتى يحصلن على حريتهن ويحققن طموحهن، جعل من استقلالهن الطريقة الوحيدة لتنجح في حياتها المهنية وتثبت شخصيتها.

«شبابيك» تحدث في هذا التقرير مع مجموعة من الفتيات المستقلات، ليقف على الأسباب الحقيقية التي تدفعهن للاستقلال، وهل حقا يوجد شيء يستحق الابتعاد عن الأهل أكثر من رغبة الفتاة في التحرر؟

التضييق على الفتاة

عندما قررت أسرتها الانتقال من محافظة الغربية والاستقرار في القاهرة، لم تكن هند محمد (اسم مستعار) تعرف أن الوقت سيحين عاجلا أم آجلا لتتركهم وتقرر العيش بمفردها.

تقول هند: «أهلي كانوا رافضين شغلي في الميديا أو أني أظهر في التلفزيون، لكن لما شوفت أن والدتي بتفرق في المعاملة بيني وبين أختي، وبتشجعها تشتغل في نفس المجال، مقدرتش أستحمل كل الخناقات والتضييق اللي بتعمله معايا بدون مبرر.. وعشان أهلي يوافقوا ويكونوا متطمنين بدأت بسكن مغتربات قريب من البيت. وبالتدريج قدرت أبعد وآخد شقة لوحدي».

الطموح المهني والمادي


حالة آية أحمد (اسم مستعار) كانت مختلفة قليلا، فلم تكن ترغب في الاستقلال في حد ذاته بقدر ما دفعها إليه الطموح المهني والحاجة المادية.

تقول «آية» التي تعمل في الميديا أيضا: «مجال الميديا ملوش فرص عمل في المحافظات. في البداية أهلي طبعا كانوا رافضين فكرة أني أعيش لوحدي، لكن بسبب احتياجهم المادي ولما وجدوا أن المرتب كبير، بدأوا يتقبلوا بعدي عنهم».

وفاة الأهل

حالات أخرى قد لا يكون الاستقلال بالنسبة لها اختيارا، بل قدرا اضطرتها إليه الظروف بسبب وفاة الوالدين، وهذا ما حدث مع رشا عامر التي تحكي لـ«شبابيك»: «أهلي متوفين مع زمان، وكنت قاعدة مع جدي وجدتي وبروح وباجي من القاهرة للمحلة عشان الدراسة وبعدين الشغل، ولما العقد خلص ومعرفتش أجدده وبسبب ظروف البلد حالتي النفسية ساءت جدا، وقررت أسافر دبي لأن خالي كان هناك، لحد ما لقيت شغل واستقريت بعيد عن خالي. وفي دبي قابلت الإنسان اللي قررت أرتبط بيه واتجوزنا».

المعاملة السيئة من الأهل

كان الاستقلال هو الحل الوحيد أمام مريم أحمد (اسم مستعار) لكي تريح نفسها وتريح أهلها أيضا. فقد قررت الانفصال عن أهلها بعد طلاقها من زوجها رغم عدم وجود أطفال.

تحكي «مريم»: «حاولت أرجع أعيش مع أهلي لكن والدتي كانت مش مستحملاني وكل ما بتشوفني بتفتكر الطلاق وتفتعل معايا خناقة لأتفه الأسباب، ودايما تقول أني فاشلة ومش هفلح في حاجة. غير أنها كانت بتشك فيا دائما، حتى لما بضحك مع صاحبتي في الموبايل بتفتكر أني بكلم شباب.. ولما قولتلها أني هأجر شقة لوحدي فوجئت أنها معترضتش، لأنها وصلت لمرحلة مبقتش قادرة تشوفني قدامها وتفتكر أني فشلت في الزواج، من وجهة نظرها».

العنف الأسري

ولم تكن مشكلة عبير مصطفى (اسم مستعار) أنها تتعرض للعنف الأسري من الأهل، بقدر ما كان هذا العنف يهدد حياتها، وحاول كثيرون إقناعها بالاستقلال عن الأهل والنجاة بحياتها، لكنها اتخذت طريقا آخر.

تحكي «عبير»: «فكرت في الاستقلال في فترة كنت بمر فيها بمشاكل أسرية شديدة. وكنت بتعرض للإهانة والضرب رغم أن كان عندي مشاكل صحية، وكتر الضرب كان بيجب لي شلل مؤقت بسبب مشاكل في العمود الفقري. وحتى لما كنت بحقق أي نجاح في شغلي مكنش الوضع بيتغير ممكن يزيد».

تضيف «عبير»: «بسبب أننا ساكنين في منطقة شعبية مكنش ينفع خطوة الاستقلال دي أبدا، وفي الآخر سيبت شغلي وقبلت أني أتجوز بحد أكبر مني بكتير، وكمان هعيش بخدم والدته ووالده لمجرد أن أهلي ميكونش لهم سلطة عليا».

استشاري العلاقات الأسرية الدكتور أحمد علام، يوضح أنه في حالات مثل هذه يكون الاستقلال للفتاة أفضل من الخطر الذي يهدد حياتها أو قبولها بأي زواج فاشل.

لكن إن كانت الفتاة تتعرض للتحكمات العادية التي تمارس في أغلب البيوت المصرية على الفتيات، فلا يرى «علام» أي ضرورة للاستقلال، لأن الفتاة تستطيع إقناع أهلها برغبتها في العمل أو السفر أو تحقيق طموحها بأن يرون أنها على قدر المسؤولية أو تستعين بأحد الأقارب لإقناعهم.

انفصال الأبوين

الأهل أنفسهم قد يتحملون سبب انفصال الفتاة عنهم ورغبتها في الاستقلال، لأنهم يكونوا غير قادرين على تحمل مسؤوليتها.

تحكي «رشا» عن إحدى صديقاتها: «واحدة صاحبتي مختارتش تستقر لوحدها، ولقيت نفسها مجبرة على الوضع ده بسبب انفصال والدها عن والدتها. وكل واحد فيهم اتجوز وبدأ حياة جديدة ومكنش ينفع تكمل مع حد فيهم».

حل وسط

لكن الأهل ليسوا سيئين إلى هذه الدرجة وفي حالات كثيرة يمارسون المضايقات على الفتاة بدافع الخوف عليها وحمايتها، كان هذا هو رأي إيمان محمد التي استطاعت أن تتوصل مع أهلها إلى حل وسط.

تقول «إيمان»: «بدأت فعلا أخد خطوات للاستقلال، زي أني استقليت ماديا كأول خطوة، لكن لأن الاستقلال كان مكلف جدا ماديا، إضافة إلى أن الاستقلال هيعرضني لمشاكل كتيرة. وقتها بدأت أحاول أوصل لتفاهم بيني وبين أهلي، وأثبت لهم أني قد المسؤولية وقدرت أحقق شخصيتي وأشتغل وكمان قدرت أقنعهم بأني أسافر لوحدي بعد ما كانوا رافضين السفر حتى مع أصحابي البنات أو تبع الشغل رفض قاطع».

مشاكل تتعرض لها الفتاة المستقلة

استشارية العلاقات الأسرية، الدكتورة أسماء مراد تصف حالة الفتاة المستقلة بأنها «مسكينة هي امرأة بلا رجل»، لأنها تتعرض للعديد من المشاكل.

الشك الدائم في تصرفاتها

تقول آية أحمد إن: «صاحبة السكن اتخانقت معايا عشان برجع من شغلي متأخر وكمان عربية الشغل هي اللي بتوصلني. ورغم أن عربية الشغل كان عليها لوجو القناة اللي بشتغل فيها، لكن الجيران بدأوا يلمحوا تلميحات أني برجع بليل مع شباب. وحليت الموضوع بأني جبتلها ورقة إثبات من الشغل بمعاد خروجي».

وتعلق الدكتورة أسماء مراد «نحن نعيش في مجتمع شرقي لا يستطيع تفهم ظروف الفتاة التي تعيش بمفردها، ونظرته للمرأة دائما سيئة للغاية.. المجتمع بيكون فاكر أن البنت اللي عايشة لوحدها أول حاجة هتعملها أنها هتقلع هدومها».

الطرد من السكن

تحكي مروة عبد الحميد: «اتخانقت مرة مع صاحب السكن وطردني الساعة 1 بالليل ورفض أني أنتظر لحد الصبح، ولأن كان معايا عربية قدرت أرجع لأهلي وخبطت عليهم في البيت الساعة 2 بالليل. لكن لو مكنش معايا عربية كنت هتروح في داهية بمعنى الكلمة».

ضغوط نفسية

وتوضح «مراد» أن: «الفتاة المستقلة تحاول طول الوقت إظهار أنها قوية، وحتى إن كانت شخصيتها قوية بالفعل أو ناجحة جدا في عملها؛ لكنها في نفس الوقت تتعرض لضغوط نفسية شديدة بسبب تعرضها للمضايقات ومحاولات الشباب استغلالها ونظرة المجتمع السيئة لها، التي تحارب طول الوقت حتى تغيرها، مع عدم وجود الدعم المعنوي الذي يعوض غياب الأهل».

وتقول مروة: «من المشاكل الكبيرة اللي دايما بتخليكي تحت ضغط هي عدم الإحساس بالأمان والاستقرار؛ طول ما أنتي قاعدة في سكن أو شقة إيجار. ممكن صاحب السكن يستغنى عنك في أي وقت، ولو كريم معاكي هيديكي مهلة أسبوع عشان تدربي نفسك. ولازم تكوني متوقعة ده في أي لحظة ومظبطة مع سماسرة أو مع حد من أصحابك. وعارفة لو اضطريتي تمشي فجأة هتروحي فين».

فرصة أقل في الزواج

نظرات المجتمع السيئة قد لا تقتصر على الجيران أو زملاء العمل، لكنها قد تؤثر على فرص الفتاة المستقلة في الزواج، فهي في نظر الشاب أو أهله لديها مساحة كبيرة لفعل الخطأ دون رقيب.

وفيما عدا الفئات المستقلة التي قد تتفهم ظروف الفتاة المستقلة، يؤكد «علام» أنه في الفئات الأخرى الأقل وعيا قد يعجب الشاب بالفتاة المستقلة وقوة شخصيتها، لكن أهل هذا الشاب قد يرفضون زواجه منها لأسباب أخلاقية، فهي في نظرهم «لديها مساحة كبيرة للوقوع في الخطأ دون رقيب».

وهنا تعلق رشا عامر: «إذا كان الشخص اللي هتجوزه مش هيتفهم شخصيتي وظروفي ويثق فيا، يبقى بلاش منه».

كيف تحمي الفتاة نفسها بعد الاستقلال؟

عندما يعرف الجيران وزملاء العمل أن هذه الفتاة تعيش بمفردها، يبدأون البحث عن أي مدخل يتقربون به إليها باعتبارها فتاة سهلة، كما يؤكد استشاري العلاقات الأسرية الدكتور أحمد علام

تقول هند محمد: «عشان أقدر أتجنب نظرات الناس السيئة كان لازم أحط لنفسي قواعد صارمة؛ يعني كنت بخرج من البيت بلبس ملتزم جدا، لو عندي تصوير في التليفزيون وبيتطلب أن أحط ميكب أو ألبس بطريقة معينة بأخد اللبس معايا الشغل وأبدل هناك وقت التصوير فقط. كنت بحط حدود شديدة في التعامل، عرفتهم أني بتاعة جد وشغل بس؛ لدرجة أن أصحابي البنات لما كانوا بيقربوا مني كانوا بيستغربوا لما يلاقوني بضحك وشخصية مرحة ومنفتحة، وكنت بقولهم أني لو تعاملت بالشخصية دي مع الناس هيفتكروني بنت سهلة».

وينصح «علام» بالالتزام ببعض الضوابط لتتجنب الفتاة المستقلة المضايقات، وهي:

 

الكلمات المفتاحية

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال