في البدء تخيّل الأدباء.. هذه العلوم كانت «كلام روايات»
الأدب حليف العلم، ودونه لم يكن الأخير ليصل إلى مبتغاه. في البدء تخيّل الأدباء والروائيون ثم جاء العلماء ليحولوا الحلم إلى حقيقة. بدءا من الهاتف المحمول إلى القنبلة الذرية مرورا بالسفر إلى القمر والسفر عبر الزمن.
يعود أول كتاب خيال علمي يتنبأ بالمستقبل إلى الكاتب الفرنسي فوتتيل الذي عاش بين عامي 1657-1757 ومن أهم رواياته العلمية «لقاءات في قمة العالم» التي تم نشرها في عام 1686 وأشار فيها لوجود حياة فوق سطح القمر والكواكب الأخرى. ثم تعددت فيما بعد الأعمال التي بني عليها العلم سواء أدبية أو أعمال سينمائية.
رحلة القمر الأولى 1865
«من الأرض للقمر» عام 1865، كتاب للأديب الفرنسي جول فيرن، يحكي قصة رحلتين كل رحلة على متنها ثلاثة من رواد الفضاء ذهبوا إلى القمر، منطلقين من ولاية فلوريدا الأمريكية.
ساعدت قصة «فيرن» بشكل غير مباشر، مثلها في ذلك مثل كثير من قصص الخيال العلمي، في تحويل الرحلات الفضائية إلى حقيقة واقعة من خلال إثارتها اهتمام عامة المواطنين بالفكرة التي كانت تبدو غير محتملة وحتى غير قابلة للتصديق ومن خلال دفعها علماء المستقبل إلى الانشغال بفكرة الرحلات الفضائية.
وبالفعل تحققت النبوءة وانطلقت رحلة «أبولو» إلى القمر عام 1969.
ويعتبر فيلم «رحلة إلي القمر» الذي أخرجه المخرج الفرنسي جورج ميليه عام 1903 أول أفلام الخيال العلمي في تاريخ السينما التي تحدثت عن الذهب إلى القمر. وهو فيلم اقتبس أيضا من رواية «فيرن».
وتقول مارجريت وايتكامب، المسؤولة عن قسم تاريخ الفضاء في المتحف القومي الأمريكي للطيران والفضاء، في مقابلة مع نشرة واشنطن في 9 أغسطس الماضي، إن سبب العلاقة المهمة التي تربط بين أدب الخيال العلمي والعلوم هو أن كتاب القصص الخيال العلمي الجيدين يتابعون الأبحاث العلمية الحديثة ويطرحون سؤال «ماذا لو؟».
السفر عبر الزمن
في فيلم «انترستيلر» كان بإمكان رواد الفضاء السفر عبر الزمن من خلال الثقوب الدودية، والتي ترتفع فيها الجاذبية مما يعمل على بطئ الوقت.
وطبقا لنظرية النسبية فإن ما طرحه الفيلم من الممكن تحقيقه إذا وجدنا طريقة لتحقيقه دون أن يتأذى رائد الفضاء.
يعتقد ستيفن هوكينغ، أحد أبرز علماء الفيزياء النظرية على مستوى العالم، أن الكون الذي نعيش فيه مليء بما يعرف بـ«الثقوب الدودية»، والتي تمثل بفاعلية طرقا مختصرة للزمن والفضاء.
وبينما يتطابق ذلك بشكل كامل مع النظرية النسبية لأينشتاين، وبقية الأفكار الرئيسية عن حقيقة الكون، تفتح مثل هذه الثقوب المجال واسعا أمام احتمال السفر في حدود الزمن، بمعنى الدخول من طرف أحد هذه الثقوب ثم الخروج قبل ذلك بأيام وشهور وربما قرون، كما أنها تربط بشكل فوري بين أطراف الكون المتباعدة، مما يعني إمكانية السفر بسرعة تفوق سرعة الضوء.
ميكروبات الفضاء
إذا كانت الحياة الذكية نادرة، فإن الخيال يشير إلى أنه يجب علينا أن نتوخى الحذر. أحد أفلام الفضاء وهو فيلم الرعب «أندروميدا سترين» 1971، على سبيل المثال، يتحدث عن ميكروب في الفضاء يسبب تخثرا في الدم لكل شخص يحتك به.
بعد الفيلم اتخذت وكالة «ناسا»، تهديد الجراثيم المعدية المميتة في الفضاء بقدر كاف من الجدية، حيث أن رواد الفضاء في برنامج «أبوللو» خضعوا للحجر الصحي لدى عودتهم من القمر.
وسوف تطبق إجراءات مماثلة على أي رحلة إلى المريخ عند عودة المشاركين فيها إلى الأرض.
وقبل الفيلم كان هناك قصة الكاتب الأمريكي مايكل كرتشتون «سلالة أندروميدا» التي صدرت في العام 1969 وكانت هاجسا حقيقيا لدى العلماء آنذاك. فقد كانوا يخشون، إبان الرحلات الفضائية الأولى إلى القمر، عودة بعض الكائنات الحية مع الرواد من القمر إلى الأرض وقضاء تلك الكائنات على معظم سكان العالم، بشكل يماثل ما حدث قبل ذلك بقرون نتيجة حمل الأوروبيين فيروسات أمراضهم إلى القارة الأمريكية عندما قضت تلك الفيروسات على كثير من السكان الأصليين.
وقد تناول «كرتشتون» في كتابه كيفية تحول تلك الإمكانية إلى حقيقة واقعة وما سيكون لها من تأثير على العالم بطريقة جعلت الفكرة مفهومة حتى لأولئك المفتقرين إلى خلفية علمية.
الأدب الفرنسي والصورايخ الحديثة
قصة أخرى للأديب الفرنسي جول فيرن تروي كيفية قيام أعضاء في نادي المدفعية في بالتيمور، بعد أن لم تعد لديهم مهمات ملحة في نهاية الحرب الأمريكية الأهلية، بصنع مدفع لإطلاق كبسولة إلى القمر.
وتطرق المؤلف الفرنسي في قصته إلى المواد التي يتم استخدامها وإلى طريقة ابتداع نظام فعال لتنقية الهواء وكيفية امتصاص الصدمة الناجمة عن التيار الهوائي الذي يسببه الانفجار العنيف المؤدي إلى إطلاق الكبسولة، وهي بعض نفس المشاكل التي واجهها العلماء بعد ذلك.
وقد وضع روبرت جودارد، الذي يعرف بأنه «أب الصواريخ الحديثة» في القرن العشرين، إشارات على بعض الجمل والفقرات في نسخته من قصة «فيرن» في محاولة منه لمعرفة ما إذا كان من الممكن تحويل الخيال العلمي إلى حقيقة. كما سطر ملاحظاته في حواشي الكتاب وصحح بعض المعادلات الواردة فيه.
الرجل الآلي
في عام 1921 وفي مسرحيته «آر يو آر»، أدخل الكاتب المسرحي كارل تشابيك ولأول مرة مصطلح «الروبوت» أو الإنسان الآلي، وتدور المسرحية حول رجال آليين يسيطرون على الأرض، أطلق عليهم اسم «روبوت» المأخوذة من كلمة تشيكية تعني العبيد.
وفي عام 1985 في سلسلة أفلام الملاكم «روكي» عام 1985، أضاف رجل آلي يقوم بمهام متعددة، ولم يتم تحديد السبب حول هذه الإضافة، فهي كانت فكرة نحن بعيدين كل البعد عنها، لكن الجمهور تقبل الفكرة ولم يعطوها أهمية ضخمة بسبب عدم أهمية هذه الآلة في قصة روكي الأساسية، وكانت هذه الآلة سبب إضافة تصنيف ثالث لهذا الفيلم بعد الرياضة والدراما.
وعام 1987 كانت فكرة أول رجل آلي متجاوب، وهي عبارة عن آلة تستجيب لعنصر الصورة، ثم تطور اختراع «الروبوت» فيما بعد وتمت برمجته وإنشاء الذاكرة الخاصة به، إلى أن وصل إلى تقديم الخدامت في المطاعم بدلا من العنصر البشري.
كروت الائتمان
تنبأ الروائي الأمريكي الاشتراكي إدوارد بيلامي، في روايته الشهيرة «النظر إلى الماضي»؛ باختراع كروت الائتمان واستخدامها في المعاملات التجارية، في الولايات المتحدة عام 1888.
وتسببت الفكرة في إلهام عديد من القراء لإنشاء النوادي القومية ومن ثم نقل ما ورد فيها إلى عالم السياسة وإنشاء حزب الشعب الأمريكي. وتحققت النبوءة بعد 62 عاما من الحديث عنها بطاقات الائتمان.
وتحكي الرواية عن شخص ينام عام 1888 ليستيقظ عام 2000 ليجد نفسه في مجتمع اشتراكي، حيث تمنح الحكومة الأمريكية كل مواطن كارت ائتمان يمارس به شراء السلع، وتضع الحكومة لكل شخص في كارت الائتمان الخاص به نصيبه من الناتج القومي للبلاد.
القنبلة الذرية
تنبأ بها الكاتب الإنجليزي وأحد كتاب الخيال العلمي، هربرت جورج ويلز، عام 1914 في روايته «العالم بات حرا».
وبعد الحديث عنها بـ31 عاما تم إسقاطها على هيروشيما.
الإنترنت
الكاتب الأمريكي، مارك توين، وصف الإنترنت كما نعرفها اليوم في قصته «London Times» المنشورة عام 1904، حيث وصف ضمن الأحداث جهازا هاتفيا أسماه «Telectroscope – تيليكتروسكوب»، ويوصل الكون كله معاً، بحيث أن ما يفعله شخص ما في مكان ما، يصبح مرئيا لباقي العالم، ويمكن لباقي الأفراد أن يناقشوه أيضاً بينما هم على مسافات بعيدة. وهذا ما نفعله اليوم على الإنترنت.
قال عنه عنه في قصته «فور أن أطلقت باريس سراح التيليلكتروسكوب، سمح باستخدامه من قبل العامة، وعلى عجلٍ تم توصيله بأنظمة الهواتف بجميع أنحاء العالم. التليفون المطور ذو الامتداد اللانهائي صار موضع الاستخدام مؤخرا، وأحداثُ العالم اليومية صارت مرئية للجميع، وقابلة أيضا للمناقشة سماعيا، بشهادة أفراد من فئات عدة».