الطبيب النفسي في السينما.. أرجوك لا تأخذ هذا الدواء

الطبيب النفسي في السينما.. أرجوك لا تأخذ هذا الدواء

الأزمات النفسية وما يترتب عليها من تعقيدات ومشاكل مادة غنية للسينما، وعرض أكثر من فيلم لها، وكيفية التعامل معها. وفي هذا التقرير نستعرض معك بعض المشاهد بالأفلام المصرية التي ناقشت هذه القضية.

بئر الحرمان

جسدت الفنانة سعاد حسني شخصية «ناهد» في فيلم بئر الحرمان، من إنتاج عام 1969، وهي مصابة بمرض إزدواج الشخصية الذي يجعلها تتقمص شخصية فتاة ليل في بعض الأوقات.

وعندما تذهب إلى طبيب نفسي لتخبره تنسى بعض الأشياء المهمة التي يؤكد الجميع من حولها أنها حدثت بالفعل، وتشعر بالإرهاق الدائم، ويبدأ الطبيب بدوره أن يجعلها تحكي بعض الأشياء عن حياتها وطفولتها وخطيبها، ليكتشف أنها تعاني من عقدة نفسية منذ الطفولة سببت لها مرض إزدواج الشخصية.

ومن خلال الفيلم، تظهر أهمية أن يخبر الطبيب النفسي المريض بحقيقية مرضه والدوافع التي أدت لظهور هذا المرض، فشرح لها أن اكتشاف الأب لخيانة والدتها ومعاملته لها بجفاء، جعلها تعيش في حرمان عاطفي، ما أثر على الابنة «ناهد» بالسلب، مكونا تلك الأزمة النفسية، وقد أدت تلك المصارحة إلى تخلص «ناهد» من الشخصية الأخرى في نهاية أحداث الفيلم.

ويؤكدة الدكتور إبراهيم مجدي، استشاري الصحة النفسي، أن السينما لا تزال «غير موفقة» في الوصول إلى الطب النفسي بشكل واقعي دون مبالغات أو تخيلات، فمثلا فيلم بئر الحرمان قائم على تشخيص خطأ في المقام الأول.

واتفق  أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة الدكتور جمال فرويز، مع الرأي السابق، وقال إن مصارحة الطبيب للمريض بحقيقة مرضه والدوافع التي أدت لحدوثه مثلما حدث في الفيلم، يصنف تحت ما يسمى بالمدرسة التحليلية التي تجعل المريض يستغرق وقت طويل جدا كي يتم علاجه، ومنذ عام 1994 تقريبا انتهى التعامل بالطرق المنتمية إلى تلك المدرسة في مصر، ليحل محلها المدرسة البيولوجية القائمة على الوصف فقط، وذلك بسبب أن أصبح هناك إجماع على إن الأمراض النفسية تحدث بسبب أمراض عضوية في المخ وتغيرات فيسيولوجية قائمة على ذلك. بينما أصبح المعالج النفسي فقط هو من يتم يتعامل مع مرضاه بطرق المدرسة التحليلية، وهو من قد يلجأ له الطبيب في حالة إجراء الاختبارات فقط.

أرجوك أعطني هذا الدواء

أما في فيلم «أرجوك أعطني هذا الدواء»، من إنتاج عام 1984، تذهب «ماجدة» (نبيلة عبيد) إلى الطبيب النفسي «مصطفى» (فاروق الفيشاوي)، لتشكي له من زوجها «رفعت» (محمود عبد العزيز) االذي يقيم علاقات متعددة مع نساء أخريات.

وعندما تقول «ماجدة» للطبيب أنها تشعر بالإعياء النفسي الشديد، يؤكد لها الطبيب أن كل الأشخاص يشعرون بالإعياء النفسي، وذلك بفعل الحركة، فالغضب والفرح كلاهما يؤديان إلى الإعياء النفسي. كما يطلب منها أن تحلل شخصيتها أمامه تماما كأنها تحدّث نفسها، وذلك لأن كل إنسان مسؤول عن اكتشاف شخصيته، والإنسان المريض فقط هو من يجهل ذاته.

وأكد الدكتور إبراهيم مجدي، أن طريقة الجلوس على الشازلونج التي ظهرت في بعض الأفلام مثل «أرجوك أعطني هذا الدواء»، أصبحت قديمة ولا يتم استخدامها حاليا مع المرضى، وهو ما اتفق أكده أيضا «فرويز». 

وقال مجدي، إنه يجب على الطبيب النفسي أن يساعد المريض ليكتشف شخصيته، لأنه لو كان يدركها جيدا، ما كان قد أتى له في المقام الأول. 

النعامة والطاووس

وناقش فيلم «النعامة والطاووس»، من إنتاج عام 2002، ظاهرة هامة منتشرة على نطاق واسع بداخل المجتمع المصري، وهي فشل المتزوجين حديثا في إنشاء علاقة حميمية صحية بينهما بعد الزواج، فيدخل الملل حياتهما ويعيشا كالأغراب بداخل منزل واحد.

ولكن بلجوئهما إلى طبيبة نفسية، تبدأ في مساعدتهما من أجل التغلب على تلك المشكلة، لتتضح مشاكل أخرى تؤثر على نجاح علاقة الثنائي سويا، مثل القهر الممارس ضد الفتاة الشرقية، واتباع عادات مجتمعية خاطئة.


ومن خلال الفيلم، تعطي الطبيبة النفسية الثنائي بعض النصائح: مثل: ضرورة المداعبة بين الزوجين وشعورهم بالرومانسية تجاه بعضهما البعض، ما يجعلهم في النهاية يعيشان في سعادة زوجية حقيقية.

واعتبراستشاري الصحة النفسي فيلم «النعامة والطاووس» قريب إلى الواقع، فهناك من يذهب إلى الطبيب النفسي ليساعده في حل المشاكل الجنسية بين الزوجين ومسادته في تقديم العلاج الزوجي المناسب. بينما قال «فرويز» إنه في تلك الحالات لا يعطي نصائح، بل يسمع من الزوار ويضع لهم خطوط عريضة فقط لكي يحلوا الأزمات التي يمرون بها.

سهر الليالي

وفي فيلم «سهر الليالي»، من إنتاج عام 2003، تلجأ «مشيرة» (جيهان فاضل) إلى الطبيب النفسي عندما لا تشعر بالسعادة في علاقتها الزوجية مع «علي» (خالد أبو النجا).

وبهدف علاجها من الأزمة النفسية التي تمر بها، يتبع الطبيب أسلوب المواجهة معها حين تبدأ تحكي له ما حدث بينها وبين زوجها، ليسألها: «ده اللي هو عمله ولا اللي كنتي عايزاه يعمله؟»

وقال الدكتور إبراهيم مجدي إن الطبيب النفسي يجب ألا يعين نفسه حكما على الأشخاص، ففي حالات معينة، يفضل الاستماع والمناقشة بدلا من المواجهة.

حب البنات

في واحد من أشهر أدواره السينمائية، أطل الفنان أشرف عبد الباقي مجسدا شخصية «مهيب» في فيلم «حب البنات»، من إنتاج عام 2004، وأظهر الفيلم شيئا في غاية الأهمية، وهو أنه ليس من الضروري أن يكون الإنسان مريضا نفسيا أو عقليا كي يذهب للطبيب المختص، بل إنه من الممكن أن يذهب إليه بهدف الحكي فقط، واستشارته في مشاكله الشخصية.

كما أكد «مهيب» أنه من خلال عمله اكتشف أن جميع المشاكل النفسية لها علاقة بالحب.

فبجملة «حبي نفسك يا ندى لأنها تستاهل إنها تتحب» مثلا، استطاع «مهيب» أن يساعد «ندى» (ليلى علوي)، والتي كانت تعاني من مشكلة الخوف المستمر على والديها، وعلى أخواتها بعد ذلك، ما جعلها تنسى ذاتها، وتضيع حب عمرها سابقا.

ويقول الدكتور إبراهيم مجدي، إنه ليس من اختصاص الطبيب النفسي أن يقوم بحل المشاكل، فهو من الممكن أن يسمع من مرضاه ما يمرون به من أزمات ويتعاطف معهم أحيانا، لكن لا يعيش حياته معهم على هذا النحو مثلما ظهر بالفيلم حتى لو كانوا جيران له. ولكن بالرغم من ذلك، يعد الفيلم من أكثر الأفلام التي تناولت الطب النفسي بشكل أقرب إلى الواقع، وخاصة حين ركز على نقطة أن الذهاب للطبيب المختص لا يعني بالضرورة أنك تعاني من مرض نفسي.

بينما أكد الدكتور جمال فرويز، أنه يجب ألا أجعل الحالة التي يتم علاجها تعتمد بشكل كلي على الطبيب الذي يتابعها، ورجح د/ فرويز أسباب ذلك إلى ضرورة خلق شخصية مستقلة للمريض، بجانب تخفيف الضغط المادي عليه الذي سينتج من تكرار الزيارات للطبيب النفسي، وكذلك كي لا تحدث علاقة تعلق عاطفية بين المريض والطبيب.

عصابة الدكتور عمر

وفي إطار كوميدي، يحاول طبيب الأمراض النفسية «عمر» (مصطفى قمر) أن يستخدم طرق العلاج بالمواجهة الحديثة مع مرضاه، وهو ما يحاول عمله مع مريض لديه فوبيا من النار وآخر لديه فوبيا من الأماكن المرتفعة، وذلك ضمن أحداث فيلم «عصابة الدكتور عمر» من إنتاج عام 2007.

وقال «فرويز» إن طرق الواجهة الحديثة التي تحدث عنها الفيلم موجودة بالفعل، ولكنه لا يتم استخدامها بتلك الطرق المبالغ فيها مثلما ظهر بالفيلم، فهناك طرق أكثر تحضرا وتراعي حقوقية الإنسان، مثل تشغيل فيديوهات لتشاهدها تلك الحالات، وضمان طرق تجعلهم يتدربون وحدهم على مواجهة مخاوفهم بدون حضور الطبيب المعالج.

 

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.