«حلوة يا بت الرجالة».. هكذا تغزلت أغاني الخطوبة في المرأة الصعيدية

«حلوة يا بت الرجالة».. هكذا تغزلت أغاني الخطوبة في المرأة الصعيدية

في كتاب «أغاني النساء في صعيد مصر» رصد الشاعر والباحث في التراث الشعبي محمد شحاتة العمدة مجموعة من أغاني النساء في الصعيد، ومنها أغاني الخطبة والتي تغزلت بعضها في جمال المرأة الصعيدية.

هذا الغزل الذي يناقض مجتمع الصعيد المحافظ، ولكن هل هذا بالفعل يعتبر تناقض أم أنه يعتبر مدحا للمرأة التي تعرف في مجتمع الصعيد بإنها بـ«100 راجل».

هذا ما سوف نعرفه ولكن في البداية سوف نتحدث عن أغاني الخطبة في الصعيد، والتي تغزلت في جمال المرأة.

الحلاوة والتربية

«وحلوة يابت الرجالة ..حلوة وعينك مليانة»، تصف هذه الأغنية حلاوة وجمال خلق البنت الصعيدية، وأن أهلها قاموا بتربيتها تربية صحيحة فهي بنت رجالة، كما أنها لا تنظر أبدًا إلى ما في يد غيرها لأن عينيها مليانة.

الدلال والأنوثة

ودلال وأنوثة المرأة الصعيدية  جزء لا يتجزأ من حلاوتها التي تحدثنا عنها. فهي مثل أهل البندر تتمتع بكل شيء جميل عكس ما ينظر البعض منهم لها على أنها لا تتمتع بالأنوثة الكافية. وهذا ما عبّرت كلمات الأغنية التالية عنه:

المغني: هاتلي جزمة بمزيكا

لطلوع السلالم

المجموعة: لطلوع السلالم

والأغنية تشير إلى دلال المرأة وأنوثتها حيث تطلب من الشاب الذي تحبه حذاء يكون كعبه عالي لكي تصدر به صوتًا في أثناء صعودها السلم، وهذا يعبر عن الدلال والأنوثة التي تريد أن تظهرها من خلال ارتدائها لذلك الحذاء.

الشعر الطويل الناعم

وأنوثة المرأة الصعيدية تتمثل على سبيل المثال لا الحصر في طول شعرها. حيث نجد تلك الأغنية التي تقول:

وشعور بت القاضي

شبكو في النبقة

وطويل وطولك وافي

يا قصب ملوي                                            

تمدح الأغنية شعر بنت القاضي الذي يتميز بطوله، والشعر الطويل يجذب الرجل الصعيدي لأنه يدل على الأنوثة. كما تتحدث الأغنية عن طول قامتها حيث شبهتها بعود قصب مدينة ملوي التابعة لمحافظة المنيا.

جمال البشرة الرباني

وبياض الوجه مع الدلال والأنوثة يضفي على المرأة الصعيدية جمالا من نوع خاص يخطف قلب الرجل الصعيدي حين يراها.

فتقول الأغنية:

يا بت بيضة من حالك

ولا غسيل صابون

والله بيضة من حالي

وأيش يعملي الصابون

الأغنية تتغزل في جمال المرأة الصعيدية ذات البشرة البيضاء الطبيعية حيث أنها لا تستخدم أي مساحيق لكي تجعل بشرتها بهذا الجمال فجمالها «رباني».

والجمال لا يقتصر فقط على ذوات البشرة البيضاء فقد تغزلت كلمات الأغنية في ذوات البشرة السمراء.

وتقول:

ياللي لونك من لوني يا أسمر يا عسلي

المجموعة: يا أسمر يا عسلي

الوقوع في غرام المرأة الصعيدية

وكل هذا الجمال الذي تتمتع به المرأة الصعيدية جعل كل رجل يقع في غرامها.

وتقول الأغنية :

البت حبت الدكتور والدكتور حبها

ساب السماعة وراح لها                                       
وغمزها بحق السالمو

البت حبت المدرس والمدرس حبها

ساب المدرسة وراح لها

وغمزها بحق السالمو

أن كل من وقع في غرام المرأة الصعيدية ترك أشغاله وذهب ليتقدم لخطبتها ومعه سمك سالمون في صفيح.

غزل من أجل التعبير عن الاهتمام

يرى استشاري الصحة النفسية محمد هاني أن تلك الأغاني ليس بها أي تناقض مع طبيعة مجتمع الصعيد حيث أنها لا يوجد بها أي شيء مخجل.

ويوضح أنها أغاني ضمن عادات وتقاليد أهل الصعيد، ومن خلالها يريدون التعبير عن الإهتمام بدور المرأة من خلال اختيار كلمات تتغزل فيها وتمدحها.

مميزات المرأة الصعيدية

المرأة الصعيدية هي أشد من أي امرأة في مصر فهى تتحمل المسؤولية، وتقف بجانب زوجها في المحن، وأمور كثيرة تفعلها جعلتها توصف بإنها امرأة بـ«100 راجل». كما أن المسلسلات أبرزت أيضًا دور المرأة الصعيدية القوي.

وصف المرأة الصعيدية بالفاكهة

يقول الباحث في التراث الشعبي محمد شحاتة العمدة لـ«شبابيك» إن بعض الأغاني التي تتغزل في المرأة تصفها بالفاكهة وذلك إعلاء من قيمتها ودورها في المجتمع. وهذا الغزل هو غزل عفيف لا يوجد به أي اعتداء على جسد المرأة.

ولا يتناقض هذا الغزل وفق ما يرى مؤلف «أغاني النساء في صعيد مصر» مع طبيعة مجتمع الصعيد المحافظ، والذي يثبت هذا أن «كل شعراء الجاهلية قد خرجوا من الصحراء والمجتمعات الزراعية وقدموا أشعارًا لا تتناقض مع طبيعة المجتمع الذي خرجوا منه».

كسر الصورة الذهنية

ويضيف «شحاتة»: نجد أيضًا أن تلك الأغاني تكسر الصورة الذهنية التي يتخيلها البعض عن المرأة الصعيدية  بأنها لا تتمتع بالجمال الكافي مثل «أهل البندر»، حيث نجد أن تلك الأغاني المتنوعة بينت وأثبتت جمال المرأة الصعيدية.

فالغنوة التي تقول «وطويل وطولك وافي.. ياقصب ملوي» نجدها تتغزل في طول المرأة الصعيدية وتشبه هذا الطول بالقصب الذي يوجد في مدينة ملوي  بمحافظة المنيا.

والمقطع الأخر من الأغنية الذي يقول «وشعور بت القاضي.. شبكو في النبقة»، نجده يصف جمال شعر بنت القاضي الطويل الذي يكاد يشبك في شجرة النبق (السدر).

الأغاني الجنسية تعليمية

وتابع الباحث في التراث الشعبي: «حتى الأغاني الجنسية التي كانت تغنى كان الهدف منها تعليمي»، حيث أن من يتزوج في العقود السابقىة، كان عمره يتراوح ما بين 12لـ 14 عاما، لذا كان لا بد من توضيح شكل العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة بشكل غير مباشر. وكانت الأغاني هى الطريق لتوصيل تلك المعلومة الجنسية فكانت السيدات الكبار في السن يغنون تلك الأغاني للبنت بأسلوب لطيف وعلى الجانب الأخر كان الرجال الكبار في السن يغنون تلك الأغاني للولد أيضًا.

تراجُع

وعما إن كانت أغاني الغزل تغنى بكثافة حتى الآن مثلما كانت تغنى في الماضي يقول شحاتة «إن تلك الأغاني من بداية التسعينات تراجعت، بسبب الغزو الحضري الذي حدث في الصعيد من زيادة المتعلمين والإنفتاح أكثر على المدينة والذي أدى إلى تشوه التراث الصعيدي وأصبح نادرًا ما نجد الأهل يلتفوا حول العروسة أو العريس ويغنوا تلك الأغاني».

قاعات الأفراح

ويشير الباحث في التراث الشعبي إلى أن أغاني الخطوبة والزفاف في الصعيد «حل محلها الـDJ والمطربين اللي بيحيو الفرح في قاعات الأفراح»، حيث أصبح من السهل الذهاب إلى المدينة للإتفاق مع أحد المطربين لإحياء الفرح.

بعض الموروثات

ولكن «شحاتة» يؤكد أنه على الرغم من تخلي مجتمع الصعيد عن بعض موروثاته إلا انه لازال يحافظ على شكل الإحتفالية الخاصة بالفرح حيث لازالت «لمة الأهل» توجد بصورة أكبرة من المدينة، ولا نجد فرقة للزفة بينهم كما لازالوا يحتفظون أيضًا بارتداء الجلباب.

الكلمات المفتاحية

رغدة جلال الدين

رغدة جلال الدين

صحفية مصرية تكتب في المجال الفني، إلى جانب كونها ممثلة ومغنية بفرقة «بهججة»