رئيس التحرير أحمد متولي
 شيماء عبدالعال تكتب: من أين يأتي النوم؟

شيماء عبدالعال تكتب: من أين يأتي النوم؟

«عُدت يا يوم مولدي.. عُدت يا أيها الشقي.. الصبا ضاع من يدي.. وغزا الشيب مفرقي.. ليت يا يوم مولدي.. كنتَ يوما بلا غد» رافقتني تلك الكلمات يحملها صوت فريد الأطرش الشجّي ليلة ذكرى مولدي الرابع والعشرين. بالطبع لم يغز الشيب مفرقي بعد –حمدًا لله- ولكن شيء ما في القصيدة حقيقي.. ولدرجة مؤلمة.

أنت تعلم تلك اللحظة القاسية، حين ينتفض عليك عقلك الذي تبقيه صامتا قدر استطاعتك، ويقرر ذات ليلة تقضيها وحيدًا أن يُذكرك بكل ما تتحاشى التفكير به في الأيام الأخرى.

أن تأتي لهذا العالم المجنون هو أمر مُخيف حقًا، ولكن الأكثر إخافة هو أن تستقبل عامًا جديدًا من عمرك -الذي لا تعرف عدد سنواته- وأنت ترى ذلك الجنون الذي يجتاح العالم من حولك، أكثر البشر اختلالا يحكمون القوى العظمى بالعالم، بإشارة منهم قد يشعلون حربًا يروح ضحيتها الملايين –ونحن منهم- أو تنطفئ حرب أخرى مستعرة.

يومًا ما تغنى كاظم الساهر سائلًا محبوبته «من أين يأتي النوم؟» لكثرة سعادته بمجاورتها، ولكن يصر هذا التساؤل أن يطرح نفسه بقوة وبجدية أكثر الآن. من أين يأتي النوم في حين أنك –أثناء قراءتك لأفكاري الآن- غالبًا تعيش بمصر.. بالطبع لا تحتاج لأن أشرح لك الأوضاع بمصر، يكفي أن غدك مظلم، عملتك المحلية منهارة بشدة، ولا يلوح أي أمل في الأفق، حتى السفر تضاعفت تكاليفه!

من أين يأتي النوم إن كنت تفكر يوميًا كم كنت تعيس الحظ لتولد في هذا البلد المسكين في ذلك الوقت العصيب بالتحديد، والأدهى إن كان لك أبناء، لا تعلم ما يحمله لهم الغد.. هل ستتحسن أحوالهم، أم ستسوء كما ساءت أحوالنا عن أحوال آباءنا؟

من أين يأتي النوم وأنت لا تضمن جودة –أعني الحد الأدنى من الجودة- لما يدخل جوفك يوميًا، في حين يرى المتخصصون أنك بنسبة 100% قد تناولت طعامًا فاسدًا ولحم حمير. وإن تهاوى جسدك يومًا وتداعت قوته أمام كم الملوثات ذاك فعليك خوض معركة للحصول على علاجك الذي تتضاعف ثمنه مؤخرًا، إن وجدته أصلًا بالطبع.

أظن أن معظم من تجاوزوا السنوات الأولى بعد العشرين قد صنعوًا «دولاب أحلام» رُصت بداخله أحلامهم الكثيرة التي وُلدت بعقولهم وحلّقت بعيدًا عنهم حتى صعب عليهم الإمساك بها، فقط يرونها من بعيد تلوح لهم دون رحمة لتذكرهم بحاضرهم التعس.

والآن.. ما الحل؟ الهروب يا عزيزي.. ليس شرطًا أن تهرب لمكان آخر، ولكن الهروب بمعناه الأشمل. الحل يكمن في الخروج من تلك الدائرة المفرغة التي نتوه في تفاصيلها دون إدراك، وهو أمر لو تعلمون شاق. هناك ما يُدعى بغريزة حب البقاء، أوَل عهدي بها كانت سطور روايات رجل المستحيل قديمًا، وتتمثل أمامي حيّة تنبض الآن.

فلنهرب إذن.. من أفكارنا العاجزة، من واقعنا المريع، من أحلامنا التي استحالت علينا، من غدٍ نخشاه، ومن ماضٍ يقض مضاجعنا ويبقينا نتساءل.. من أين يأتي النوم؟

شيماء عبدالعال، صحفية مهتمة بمجال الأدب والثقافة


المقالات والمشاركات المنشورة في قسم «شباك» تعبر عن رأي كاتبها، وليس لـ«شبابيك» تدخل في صياغتها ولا مضمونها.
 

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر