علي باشا مبارك.. مهندس القاهرة ومُعلمها
على مبارك «أبوالتعليم المدني المعاصر»، وبفضل أفكاره هو صاحب النهضة التعليمية فى مصر التي ساهمت في الإرتقاء وتأسيس نهضة تعليمية، هو أبرز من ساهموا في إيقاظ العقل العربي، بعد أن جدد لها فنونا طمسها ليل العصور المظلمة.
على مبارك "الطفل والتلميذ"
نشأ على مبارك في أسرة علميه متدينة، فوالده كان إمامًا وخطيبًا وقاضيًا في قريته، أراد لابنه أن يورث تلك الوظائف عن آبائه.
وعانى على مبارك منذ طفولته من الأوضاع التعليمية التقليدية، فبعد أن أرسله والده الي الكتاب ليكمل حفظ القرآن على يد الشيخ أحمد أبو خضر، في قرية «الكردي»، وكان يقيم عند الشيخ طوال أيام الاسبوع، ثم يزور أسرته يوم الجمعة من كل أسبوع في "السماعنة" احدى قرى محافظة الشرقية.
وبعد أن أكمل عامين مع الشيخ "أبو خضر"، رفض الذهاب الي الكُتاب لسوء معاملة أبو خضر له بالنظر لمعاملة باقي زملائه، وأيضا لما كان يفرضه من أتاوات.. وسرعان ما تحول هذا الرفض الي رفض الطريق الذي أراده والده، فهو لا يريد أن يصبح فقيها، ولكنه أراد أن يكون كاتبا ديوانيا يمارس الكتابة في دوائر الزراعة.
بعثة فرنسا مع أبناء محمد على
أدى تفوقه فى التعليم الإبتدائى إلى اختياره للتعلم فى مدرسة قصر العيني التجهيزية، وفى عام 1844م اختير علي مبارك ضمن مجموعة من الطلاب للسفر إلى فرنسا في بعثة دراسية، كان بها أربعة من أمراء بيت محمد علي، اثنين من أبنائه، واثنين من أحفاده، أحدهما كان إسماعيل بك إبراهيم، الذي صار بعد ذلك الخديوي إسماعيل.
بعد أن قضى ثلاث سنوات في المدرسة المصرية الحربية بباريس، التحق بكلية "متز" لدراسة المدفعية والهندسة الحربية، وظل بها عامين، التحق بعدهما بالجيش الفرنسي للتدريب والتطبيق العملية، وبعد وفاة محمد على باشا وتولي عباس الأول الحكم أصدر قرارا برجوع البعثة الي مصر، وعاد علي مبارك ليعمل بالتدريس، والتحق بحاشية عباس الأول مع اثنين من زملائه في البعثة، وأشرف معهما على امتحان المهندسين، وصيانة القناطر الخيرية، ويقوم معهما بما يكلفون به من الاعمال.
ظل علي مبارك قائمًا على ديوان المدارس حتى تولى سعيد باشا الحكم فعزله عن منصبه وعن نظارة مدرسة المهندسخانة بفعل الوشاة والاكاذيب، بحسب ما ورد في كتاب "علي مبارك.. مؤرخ ومهندس العمران" للدكتور محمد عمارة.
من نظارة المعارف إلى معلم محو الأمية للضباط
عزم علي مبارك بعد فصله من وظيفته على الرجوع إلى بلدته برنبال والاشتغال بالزراعة، قبل أن يطلب الخديوي سعيد من أدهم باشا الإشراف على تعليم الضباط وصفّ الضباط القراءة والكتابة، وسأل علي مبارك أن يرشح له من يعرف من المعلمين الصالحين لهذا المشروع، فإذا بعلي مبارك يرشح نفسه لهذا العمل، وظنّ أدهم باشا أن علي مبارك يمزح، لكن علي مبارك كان جادًا في استجابته، وعزز رغبته بقوله له: "وكيف لا أرغب انتهاز فرصة تعليم أبناء الوطن وبث فوائد العلوم؟! فقد كنا مبتدئين نتعلم الهجاء، ثم وصلنا إلى ما وصلنا إليه".
مهندس القاهرة العمراني
بعد تولي الخديوي إسماعيل الحكم استدعى على مبارك، وعهد إليه قيادة مشروعه المعماري، بإعادة تنظيم القاهرة على نمط حديث، وذلك بشق الشوارع الواسعة، وإنشاء الميادين، وإقامة المباني والعمائر العثمانية الجديدة، وإمداد القاهرة بالمياه وإضاءتها بالغاز، ولا يزال هذا التخطيط باقيًا حتى الآن في وسط القاهرة، شاهدا على براعة علي مبارك وحسن تخطيطه.
ومن المفارقات العجيبة أن محافظة القاهرة لا يوجد بها تمثال واحد يخلد ذكرى مؤسسها "على مبارك".
ومن أجل أعمال على مبارك إنشاؤه لمدرسة دار العلوم التى أسسها عام 1872م وكان الغرض من إنشائها تخريج أساتذة للغة العربية والآداب للمدارس الابتدائية.
أيضا كان لعلى مبارك عددًا من المؤلفات أبرزها «تنوير الأفهام فى تغذى الأجسام، ونخبة الفكر فى تدبير نيل مصر، وعلم الدين»، وآخر مؤلفاته كانت كتاب «آثار الإسلام فى المدينة والعمران»، كما ألف العديد من الكتب المدرسية منها: «تقريب الهندسة»، و«حقائق الأخبار في أوصاف البحار»، و«تذكرة المهندسين».
كانت آخر مناصب على باشا مبارك هى نظارة المعارف في وزارة رياض باشا، واستقال منها عام 1891 ولزم بيته، ثم سافر إلى بلده، حتى مرض، فرجع إلى القاهرة للعلاج، فاشتد عليه المرض حتى وافته المنية في 14من نوفمبر1893م تاركًا خلفه تراثًا يكفى لتمجيد ذكراه إلى قرون طويلة.