رئيس التحرير أحمد متولي
 مثّل مشهد موته.. ملامح من حياة عبقري الأداء «محمود المليجي»

مثّل مشهد موته.. ملامح من حياة عبقري الأداء «محمود المليجي»

بعد أن جسد الدور الذي أداه النجم الأمريكي «أنتوني كوين» في النسخة الأجنبية من فيلم «القادسية» بإتقان شديد، وصفه البعض بأنه أفضل من أداء «كوين» ذاته، أطلق كثيرون على الفنان محمود المليجي لقب «أنتوني كوين الشرق»، ليصبح من أكثر الألقاب التي اشتهر بها في حياته بجانب «شرير السينما، مارلون براندو العرب وعبقري الأداء».

في هذا التقرير من «شبابيك»، نسلط الضوء على بعض الملامح من حياة عبقري الأداء محمود المليجي.

روح دوّر على شغلة تانية غير التمثيل

أثناء دراسته بداخل المدرسة الخديوية، جاء الفنان عزيز عيد ليدرب تلاميذ السنة الرابعة، والذي كان بينهم المليجي، فانجذب الأخير إليه بسبب أفكاره المتطورة وروعة شخصيته، وأعجب عيد كذلك بتمثيله، ولكنه كان يقول له دائما: «أنت مش ممثل.. روح دوّر على شغلة ثانية غير التمثيل»، ما كان يدفع المليجي إلى البكاء خفية بجوار شجرة في فناء المدرسة.

وفي أحد الأيام، جاءه صديقه حاملا بشرى، قائلا له: إن عزيز عـيد يحترمك ويتنبأ لك بمستقبل مرموق في التمثيل، ليصرخ «المليجي»: من قال ذلك؟، فيجيب صديقه:عزيز عيد نفسه، ليعرف «أنتوني كوين الشرق» فيما بعد أن عيد تعمد أن يقول له هذه الكلمات حتى لا يصيبه الغرور، وكان يقولها من فمه فقط، وليس من قلبه.

مارلون براندو العرب

أكد المليجي أن فيلم المعلمة من إنتاج عام 1958 جاء كتمصير لرواية «عطيل» من تأليف الإنجليزي وليام شكسبير؛ حيث جسد الفنان يحيى شاهين بالفيلم شخصية "عطيل" من خلال أدائه لـ«عباس»، وجسدت الفنانة تحية كاريوكا شخصية «ديدمونة» من خلال أدائها لـ«المعلمة توحة»، بينما أدى المليجي شخصية «ياجو» متمثلا في المعلم حافظ.

ومنذ أن ظهر المليجي حاملا قطة وديعة في أغلب مشاهد الفيلم، بينما يتفنن في طرق دب الوقيعة بين «شاهين» وزوجته، لقبه كثيرون بـ«مارلون براندو العرب»، حيث اشتهر الأخير بأدائه لشخصية «فيتو كورليوني» في فيلم The Godfather، والذي ظهر في أغلب مشاهده حاملا لقطة صغيرة كذلك، في صورة تناقض طبيعة عمله كرجل عصابات مافيا صاحب نفوذ سياسي واجتماعي عال الشأن.

اعتبر نفسك يا راجل محمود المليجي نفسه

وسط توتر المخرج جمال مدكور، أعيد تصوير أول مشهد يجمع بين الفنان الصاعد- وقتها- توفيق الدقن، وعبقري الأداء محمود المليجي، في فيلم أموال اليتامى، من إنتاج عام 1952، وذلك بسبب عدم رضا «مدكور» عن أداء «الدقن»، فبلطف، طلب «المليجي» من المخرج أخذ راحة لتناول  الغداء، ليجلس في حجرته مع «الدقن»، ويسأله عن سر توتره، فيجيب الأخير بأن المليجي ذاته هو سبب ارتباكه، موضحا أن والده كان يرفض عمله في مجال التمثيل، بينما ساعدته والدته ودعمته بشرط وحيد وهو أن أكون مثل محمود المليجي، ليرد عليه "«نتوني كوين الشرق» قائلا: بس كده.. اعتبر نفسك يا راجل محمود المليجى نفسه.. يللا نكمل المشهد.

ودارت الكاميرا عقب انتهاء فترة الراحة، لتسجل مشهد برع فيه كلا من «الدقن» و«المليجي» في الأداء وسط إعجاب المخرج. ويصبح ذلك المشهد بداية تعاون فني مثمر بين الثنائي، وبذرة تكوين صداقة قوية بينهما كذلك.

«وحش الشاشة» وشريرها

صداقة حقيقة جمعت بين «وحش الشاشة» فريد شوقي والمليجي، بدأت منذ أن ساعده الأخير  على تقديم العديد من الأدوار الفنية التي كان يعتذر عنها ليتيح له فرصة تجسيدها وقت أن كان «وحش الشاشة» في بداية حياته الفنية، وذلك بسبب اقتناع «المليجي» بموهبة فريد شوقي.

وبالرغم من تكرار ظهورهما كأعداء أمام الكاميرا، كان «شوقي» يعتبر المليجي صديق عمره، وفي مذكراته التي وثقها بعنوان «ملك الترسو»، ذكر وحش الشاشة، واقعة كاد فيها أن يقتل «المليجي» عن طريق الخطأ، وذلك حين نسى أن يفرغ الرصاص الحقيقي من مسدس كان يستخدمه للتصوير في مشهد سينمائي جمعهما سويا. وعند التصوير، ضغط على الزناد، ليفاجأ برصاصة حقيقية تنطلق من المسدس وتمر بجوار المليجي، وتخترق الحائط المقابل، ليبتسم «المليجي»، ويفقد «شوقي» وعيه من هول المفاجأة.

كيمياء المليجي ويوسف شاهين

المخرج يوسف شاهين، اعتبر «المليجي» ممثلا عبقريا بشتى المقاييس، وكان يراه أكثر الممثلين احترافية في التعبير بلغة العيون أمام الكاميرا، تلك اللغة التي كان يهوى «شاهين» تسليط الضوء عليها بداخل أفلامه السينمائية، فكان «المليجي» يؤديها بشكل يبهر «شاهين» ذاته؛ ما جعله يقول عنه: «كان محمود المليجي أبرع من يـؤدي دوره بتلقائية لـم أجـدها لدى أي ممثل آخر، كمـا أنني شـخصـياً أخـاف من نظـرات عينيه أمام الكاميرا».

كان فيلم ابن النيل من إنتاج عام 1951 هو أول تعاون يجمع بين «جو» و«المليجي»، ليتبعاه بمزيد من الأعمال السينمائية بينهما في أفلام «جميلة» من إنتاج عام 1958، و«حب إلى الأبد» من إنتاج عام 1959، و«الناصر صلاح الدين» من إنتاج عام 1963.

وكان «مارلون براندو العرب» قد جسد شخصية «صلاح الدين» في فيلم صلاح الدين الأيوبي من إنتاج عام 1941، وإخراج إبراهيم لاما، بينما جسد في الفيلم الذي أخرجه «جو» شخصية «كونراد دي مونتيفرات»، ليقول لاحقا أنه ليس هناك وجها للمقارنة بين التجربتين؛ فالأولى كانت تفتقر الإمكانيات والمعارك والديكورات التي أضافها «شاهين» إلى فيلمه، واصفا الشخصية التي ظهرت في فيلم «لاما» بأنها «سي صلاح»، أما الأخرى التي جسدها الفنان أحمد مظهر في فيلم «شاهين» هي بالفعل صلاح الدين.

كما صار للمليجي أدوارا أساسية في أفلام الأرض من إنتاج عام 1970، و"الاختيار" من إنتاج عام 1971، وفيلمي العصفور، والناس والنيل من إنتاج عام 1972) وفيلم عودة الابن الضال من إنتاج عام 1976، وإسكندرية ليه من إنتاج عام 1979، وحدوتة مصرية من إنتاج عام 1982، والتي أخرجها جميعا يوسف شاهين.

«سمعة» الصديق المقرب

كان «المليجي» صديقا مقربا للفنان إسماعيل يس، وكان يقابله مع صديقهم الثالث المؤلف أبو السعود الإبياري بشكل دائم، كما أنه كان عضوا أساسيا في فرقة إسماعيل ياسين المسرحية، وقدم معه العديد من المسرحيات أشهرها: «كل الرجالة كده»، «منافق للإيجار»، وكناس في جاردن سيتي.

وفي السينما، ظهر «المليجي» مجسدا الشخصية التي يغلب عليها طابع الشر أمام «سمعة» في أكثر من فيلم سينمائي، بينما يجسد الأخير شخصية الإنسان الطيب قليل الحيلة، وتجلى ذلك في أفلام المفتش العام من إنتاج عام 1956، و«إسماعيل يس في الأسطول»، من إنتاج عام 1957، وامسك حرامي، من إنتاج عام 1958.

الموت من تمثيل إلى حقيقة

روى مخرج فيلم الأراجوز هاني لاشين، واقعة وفاة محمود المليجي، والتي وصفها بـ«الغريبة»؛ ففي فترة من فترات الراحة أثناء تصوير فيلم «أيوب»، كان يجلس مع الفنان عمر الشريف والمليجي، الذي كان يستعد للماكياج بينما يطلب فنجانا من القهوة، ليفاجأ «لاشين» بالمليجي يتحدث مع الشريف قائلا: «يا أخي الحياة دي غريبة.. الواحد ينام ويصحى.. وينام ويصحى.. وينام ويشخر»، قبل أن ينام بالفعل وتنقطع أنفاسه، ليفاجأ كلا من «لاشين» و«الشريف» بأنه فارق الحياة بالفعل.

محمود المليجي ممثل مصري من مواليد القاهرة في 22 ديسمبر عام 1910، وله أكثر من 400 عمل فني بين أفلام سينمائية وأعمال إذاعية ومسرحية ومسلسلات تليفزيونية، وأشهر أعماله: أفلام أيام وليالي، من إنتاج عام 1955 ، والأرض، وفيلم غروب وشروق من إنتاج عام 1970، وتوفى في 6 يونيو عام 1983.

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.