شعور بالخديعة من عبد الناصر.. هكذا أثرت نكسة 67 على هؤلاء

شعور بالخديعة من عبد الناصر.. هكذا أثرت نكسة 67 على هؤلاء

لا شك أن نكسة يونيو عام 1967 كانت سببا في شعور المصريين بالهزيمة والإحباط والانكسار؛ وبينهم مشاهير الفن والثقافة الذين ترجموا تلك المشاعر في أعمالهم الأدبية والفنية.

صلاح جاهين

بلغ تأثر شاعر الثورة صلاح جاهين بالنكسة ذروته، لإيمانه بأنه أحد أهم الرموز التي ساهمت في خداع الشعب المصري من خلال كلمات الأغاني المؤيدة للتجربة الناصرية، والتي كان يلحنها كمال الطويل ويغنيها العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، وأشهرها: «إحنا الشعب، بالأحضان، صورة، "لمسؤولية، ناصر يا حرية ويا أهلا بالمعارك».

صدمته هزيمة مصر أمام إسرائيل، وخاصة بعد غناء أم كلثوم من كلماته وألحان رياض السنباطي «راجعين بقوة السلاح» ليلة النكسة، لتجعله ينطوي بعيدا عن الأضواء ويصاب باليأس والإحباط الشديد الذي وصل إلى درجة كبيرة من الاكتئاب، ويهجر الكتابة لفترة كبيرة بعد كتابته لقصيدة «تراب دخان»، ليعبر بها عن مدى الحسرة التي عاني منها إثر النكسة، قائلا:

لقيت فى جيبى قلم
قلم رصاص، طول عقلة الصابع
معرفش مديت إيدى عايز إيه .. راح طالع
أصفر، ضعيف، ضايع،
وما بين تراب دخان، وقشر سودانى، كان مدفون
وكنت ماشى لوحدى فى الشارع
معرفش رايح فين، لكن ماشى
والليل عليا وع البلد غاشى
ليل، إنما ليل أسود الأخلاق
ليل، إنما عملاق،
أسود سواد خناق،
أسود، كمليون عسكرى، بستره خفاشى
وجزمه ضباشى،
بينظموا السهرة
الخلق يا حسرة
الخلق مالهاش خلق للسهرة
الخلق عاملين زى عشاق كلهم مهاجير
ومروحين مقاهير
يستنظروا بكره
مقهور أنا وماشى 
- أصل القمر قال جاى وماجاشى -
ع النيل ماجاش .. وماجاش كمان ع الهرم
لفيت عليه القلعة لفيت بولاق
قمرى لقيته عدم
لفيت عليه إمبابة والوراق
قمرى لقيته محاق
وعنيا وقعوا م السما ع الأرض
الأرض برضه محاق .
قهاوى سوده، من الهباب والهذر
والراديوهات تنعب نعيب الجنون
ياليله من غير قمر
يا كحل من غير عيون

وتعد وفاة الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، السبب الرئيسي في زيادة حالته النفسية سوءا؛ حيث لازمه شعور دائم بالانكسار والحزن اللا نهائي، والذي فشل في تخطيه بالرغم من محاولته الخروج من تلك الحالة من خلال سعيه لإدخال الفرح على قلوب المصريين وتعويضهم عن الاكتئاب الذي أصابهم بفضله، مثلما آمن، فكتب فيلم «خلي بالك من زوزو» الذي لاقى نجاحا جماهيريا كبيرا بعد عرضه عام 1972، وشارك في كتابة أفلام «أميرة حبي أنا، عودة الابن الضال، شفيقة ومتولي والمتوحشة»، والعديد من الأغاني المبهجة مثل «يا واد يا تقيل، الدنيا ربيع، بمبي وفوازير عروستي والخاطبة» التي قدمتها الفنانة نيللي.

وظل «فيلسوف البسطاء» تتخبط حالته النفسية بين الاكتئاب الشديد والفرح الشديد حتى توفى يوم 21 أبريل عام 1986 إثر إصابته بالاكتئاب الحاد.

عبد الحليم حافظ

أصيب «حليم» بحالة إحباط شديد عقب نكسة 1967، خاصة وأنه كان يعد «صوت الثورة» الذي يترجم خطب عبد الناصر السياسية إلى أغنيات حماسية؛ ما منعه من الاشتراك في فيلم إسباني بعنوان «الرجل والمسدس» كان من المقرر أن يبدأ تصويره في 12 يونيو عام 1967.

حاول عبدالحليم مواساة المصريين، والشد من أزرهم من خلال عدة أغاني كان أولها «عدّى النهار» من كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي وألحان كمال الطويل، وهي أول أغنية يشدوها بعد النكسة.

وبعدها غنى «إنذار» من كلمات الأبنودي وألحان الطويل أيضا، و«فدائي» من كلمات محمد حمزة وألحان بليغ حمدي، و«المسيح» من كلمات الأبنودي وألحان بليغ حمدي، وأغاني «راية العرب،اضرب، بركان الغضب وأحلف بسماها وبترابها» التي كتب كلماتها جميعا الأبنودي ولحنها الطويل.

علي إسماعيل

آمن الموسيقار علي إسماعيل بثورة يوليو عام 1952 إيمانا شديدا؛ ما جعله يتبنى مبادئها الخاصة بالحرية والكرامة الوطنية وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويترجمها في ألحانه للأغاني وتوزيعاته الموسيقية، فهو من وزع ألحان أغاني «صورة، المسؤولية وطالب شعب» وأوبريت الوطن الأكبر، ولحّن قصيدة «دع سمائي» وقت العدوان الثلاثي عام 1956.

كما ابتكر إسماعيل فكرة أغنية الفوازير التي غناها حليم، واستعان فيها بمقاطع من خطب عبد الناصر السياسية، يتبعها رد «حليم» عليها من خلال الغناء.

وقعت نكسة يونيو عام 1967 وقع الكارثة على «إسماعيل»؛ ما جعله يصاب بانهيار عصبي كاد أن يودي بحياته، وانتابته أول أزمة قلبية حادة إثر تعرضه للإحباط الشديد.

وبالرغم من سوء حالته الصحية وقتها، إلا أنه تحامل على ذاته ليخرج في المظاهرات الرافضة لتنحي عبد الناصر؛ الأمر الذي تسبب في بكائه.

كما أنه لم يفقد الأمل في النصر أمام إسرائيل مجددا؛ ما جعله يستعين بزوجته المونولوجيست والمغنية نبيلة قنديل لتكتب كلمات أغنية وطنية وفقا لرغبة المخرج يوسف شاهين في وضع أغنية وطنية من ألحان «إسماعيل» في نهاية فيلمه «العصفور» الذي عرض عام 1972، ليلحن ويوزع أغنية «رايحين شايلين في إيدنا سلاح».

أم كلثوم

عقب نكسة 1967، أصيبت «كوكب الشرق» بحالة اكئتاب شديد جعلتها تنطوي بداخل فيلتها بالزمالك، وترتدي الأسود، عاقدة العزم على اعتزال الغناء، وخاصة عقب انتشار مقولة تزعم أن العرب خسروا الحرب بسبب أم كلثوم وأغانيها التي كانت تعمل على تخديرهم وانفصالهم عن الواقع، لترد قائلة: «إن كنت السبب، فأنا على استعداد لاعتزال الفن»، وذلك قبل أن تستقبل اتصالا تليفونيا من داخل ديوان الرئاسة يدعوها لمقابلة الرئيس عبد الناصر.

وأثناء لقائه معها، أقنع عبد الناصر أم كلثوم بالعزوف عن نيتها في الاعتزال والاستمرار في الغناء، لتوافق وتقرر أن تساعد الجيش المصري في إعادة تنظيم صفوفه عن طريق ذهاب كل إيرادات حفلاتها لدعم المجهود الحربي، معلنة: «لن يغفل لي جفن وشعب مصر يشعر بالهزيمة»؛ الأمر الذي جعلها تتبرع بمجوهراتها لصالح المجهود الحربي وتحيي حفلات على جبهات القتال للمرة الأولى، وتقيم حفلات دورية بمعدل حفلتين شهريا في مدن: دمنهور بإيرادات 39 ألف جنيه، والإسكندرية بإيرادات 100 ألف جنيه، وطنطا بإيرادات 283 ألف جنيه، والمنصورة بإيرادات 125 ألف جنيه.

وعلى الرغم من أنه كان من المقرر أن تقام حفلاتها في جميع محافظات مصر في مدة عام كامل، ولكن منعتها حالتها الصحية وظروف تكرار سفرها لإقامة حفلات خارج مصر من إتمام ذلك.

وكانت بين الأغاني التي قدمتها أم كلثوم خصيصا لبث الحماس مجددا في قلوب المصريين «إنا فدائيون» من كلمات عبد الفتاح مصطفى وألحان بليغ حمدي، و«أصبح عندي الآن بندقية» من كلمات الشاعر السوري نزار قباني وألحان موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، و«قوم بإيمان وبروح» من كلمات عبد الوهاب محمد وألحان رياض السنباطي.

محمد عبد الوهاب

وقت وقوع النكسة، كان الموسيقار محمد عبد الوهاب يقضي الصيف في لبنان كعادته كل عام، فلم يكن حوله أي من الشعراء والموسيقيين أصدقائه كي يستعين بهم لترجمة مشاعره فنيا؛ الأمر الذي جعله يتعاون مع الأخوين عاصي ومنصور الرحباني، ويطلب منهما استكمال وضع كلمات أغنية بدأها هو، لتكون النتيجة «حي على الفلاح» من كلمات وتوزيع الأخوين رحباني وألحان وغناء موسيقار الأجيال.

وبعد أسابيع من تسجيل الأغنية، كتب الأخوان رحباني قصيدة "«الغد الكبير»، والتي لحنها وغناها موسيقار الأجيال، بينما قاما هما بتوزيعها.

توفيق الحكيم

إثر شعوره بالخديعة عقب نكسة 1967، بدأ وفيق الحكيم يسطر كتابه «عودة الوعي» عام 1972، والذي صدر بعد عامين، ليعلن بداخله شعوره بالانخداع بحلم ثورة يوليو والانسياق وراء مبادئها باسم العدالة الاجتماعية والاشتراكية والقومية والدميقراطية، والتي جعلت شعبا بأكلمه فاقدا الوعي كأنه يحيا بداخل غيبوبة، متهما زعمائها بالاستبداد وحب التفرد بالحكم، قائلا:

ولم يقتصر محتوى الكتاب على الهجوم فقط؛ حيث دعا «الحكيم» إلى ضرورة دراسة أخطاء الثورة، والتي كان على رأسها النكسة وحرب اليمن، وذلك لأن البلاد لن تتحمل تكرار مثل هذه الأخطاء مجددا.

أمل دنقل

بعد حالة اليأس والإحباط الذي عانت منها طوائف الشعب المصري بشكل عام عقب النكسة، عبر الشاعر أمل دنقل عن الشعب من خلال قصيدة "«لبكاء بين يدي زرقاء اليمامة» التي كتبها بعد أيام من النكسة، واختار عنوانها عنوانا لديوانه الأول كذلك، وقال فيها:

شاهد الفيديو:

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.