فاتن حمامة و«بركات».. كيمياء مشتركة ولفظ لم تعرفه السينما المصرية

فاتن حمامة و«بركات».. كيمياء مشتركة ولفظ لم تعرفه السينما المصرية

«حصان أصيل تفضل أن تظل في المقدمة ولا ترضي أن يسبقها أحد» هكذا وصف المخرج الكبير هنري بركات سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة حين سئل عن سرها الذي لا يعرفه أحد، فهي صديقته المقربة وبطلته الأولى المحبوبة التي قالت عنه لاحقا إنه كان لديه إحساسا عاليا، فهي التي كانت تعتبره مخرجها المفضل ومثلت في 20 فيلما من أفلامه الـ90، بدأت بـ"الهانم"، وانتهت بـ"ليلة القبض على فاطمة"؛ ما خلق بينهما نوعا من أنواع الانسجام خلق عدة ملامح تميزت بها أفلامهما سويا.

قضايا المرأة

كالأب الروحي الذي يجلس خلف الكواليس، استطاع «بركات» أن يجعل فاتن حمامة تستحق لقبها الشهير «سيدة الشاشة العربية» عن جدارة بعد أن لقبها النقاد به عقب أدائها في فيلم "موعد مع الحياة" الذي عرض عام 1953 وأخرجه زوجها الأول عز الدين ذو الفقار؛ حيث تبنت "حمامة" قضايا المرأة بداخل العديد من أفلام بركات السينمائية، لتصبح المدافع الأول عنها وعن حقوقها.

فألقت الضوء على التقاليد الخاطئة التي يتبعها أهل الصعيد مع الفتاة التي ترتكب خطأ قيام علاقة حميمية دون زواج بجملتها: «دايما العصفور هو اللي غلطان والصياد معلهش اللوم» في فيلم دعاء الكروان الذي عرض عام 1959، وظهرت منادية بحق المرأة في الحرية والمساواة مع الرجل في فيلم الباب المفتوح الذي عرض عام 1963.

بالإضافة إلى فيلم «الحرام» الذي عرض عام 1965، وناقشت فيه المعاناة التي تتكبدها المرأة الريفية إثر جريمة الاغتصاب، وفيلم الخيط الرفيع الذي عرض عام 1971، وتداولت فيه الحديث عن المشاكل النفسية والاجتماعية التي قد تقع فيها المرأة باسم الحب.

ذلك بجانب فيلم «أفواه وأرانب» الذي عرض عام 1977، وناقشت بداخله عادات ريفية كارثية متمثلة في كثرة إنجاب المرأة؛ ما يسبب المزيد من الفقر، وفيلم «لا عزاء للسيدات» الذي عرض عام 1979، وانتقدت بداخله طريقة تعامل المجتمع الخاطئة مع المرأة المطلقة، وفيلم «ليلة القبض على فاطمة» الذي عرض عام 1984، ووجهت الاهتمام بداخله إلى مدى التضحيات التي تتكبدها المرأة في سبيل أسرتها، وكم الظلم الذي تتعرض له من قبل الأسرة ذاتها.

الأفلام الغنائية

كما كانت "حمامة" فتاة الأغاني بداخل بعض الأفلام التي أخرجها "بركات"، فهو الذي أخرج جميع أفلامها مع أشهر المطربين وقتها باستثناء فيلمي «أيامنا الحلوة» و«حكاية العمر كله» من إخراج حلمي حليم، ليصبح «بركات» كمايسترو فرقة موسيقية يحافظ على إيقاع الفيلم ويخلق حالة من التناغم الرومانسية بين «حمامة» والمطرب الذي يشدو لها أجمل الألحان، فتبدو تلك الأغاني في صورة كليبات غنائية منفصلة في عصر ما قبل الفيديو كليب.

وتجلى ذلك في أغاني «جميل جمال» من غناء فريد الأطرش من فيلم "لحن الخلود" الذي عرض عام 1952، و«اللي يهواك اهواه» و«طير بينا يا قلبي» من غناء محمد فوزي في فيلم «دايما معاك» الذي عرض عام 1954.

ذلك بجانب أغاني «حلو وكداب» و«صدفة» من غناء العندليب الأسمر عبد الحليم في فيلم «موعد غرام» الذي عرض عام 1956، و«يا ويلي» و«تأمر عالراس وعالعين» من غناء فريد الأطرش في فيلم الحب الكبير الذي عرض عام 1968.

الرومانسية

ولأنها كانت فتاة الأغاني في العديد من أفلام بركات، أصبحت الرومانسية الشديدة أحد تلك الصفات التي تميزت بها سيدة الشاشة العربية، وليس فقط في أفلامه الغنائية فقط، بل تجلت في أفلام أخرى مثل «ارحم دموعي» الذي عرض عام 1954، و«حتى نلتقي» الذي عرض عام 1958، و«شئ في حياتي» الذي عرض عام 1966، و«الخيط الرفيع» الذي عرض عام 1971، و«حبيبتي» الذي عرض عام 1974.

التعليق الصوتي

كما أعطى بركات المساحة لسيدة الشاشة العربية كي تمثل باستخدام صوتها فقط، فهي التي كانت تقدم دور «الراوي» في كثير من أفلامها معه؛ ما جعل صوتها يصبح مألوفا لدى الجمهور بمجرد سماعه، وأشهر تلك الأفلام «دعاء الكروان» و«الباب المفتوح» و«شئ في حياتي».

التراجيديا

وساهم بركات في صنع أفلام ساعدت على إبراز موهبة فاتن حمامة وقدرتها على أداء الأدوار التراجيدية وإقناع الجمهور بها من خلال تعبيرات وجهها ونظرة عينيها ونبرة صوتها المتميزة، وذلك بالرغم من الطفولة البرئية التي تغلب على ملامحها؛ فباحترافية شديدة، جسدت شخصية فتاة شابة تعاني من مرض في القلب في فيلم لحن الخلود، وامرأة تصاب بمرض شلل القدم في فيلم موعد غرام، وامرأة تتسبب في وفاة طفلها- الذي أنجبته إثر حادث اغتصاب- أثناء محاولتها إسكاته، ثم تتوفى بسبب حمى النفاس في فيلم الحرام.

حتى نلتقي 

في الواقعة الأولى من نوعها في السينما المصرية، وقع اختيار المخرج «بركات» على منزل سيدة الشاشة العربية لتصوير فيلم «حتى نلتقي»، لما يتمتع به من سعة وأناقة، لتنتقل الكاميرات وطاقم العمل بأكمله إلى منزل فاتن حمامة في الدور الثاني عشر من عمارة ضخمة.

يا ابن الكلب

بحرقة امرأة تتلقى صدمات متتالية من حبيبها الذي تحبه حد العشق، تفوهت "منى" أو "فاتن" في فيلم الخيط الرفيع بلفظ لم تعرفه السينما المصرية سابقا أيضا، وذلك حين قالت: «يا ابن الكلب»؛ معبرة عن مدى القهر الذي تشعر به، ليصبح بركات هو المخرج الذي ذكرت سيدة الشاشة بداخل فيلما له ذلك اللفظ للمرة الأولى أمام الكاميرا.

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.