للآباء.. لوعايز تقفش ابنك بلاش لأن النتيجة هتكون كده
لعامين كانت «سنايدر» تراقب أبنائها عن طريق تطبيق يدعى Mspy «إمسباي»، وهو برنامج تجسس لمراقبة الهاتف المحمول، وكان باستطاعتها الإطلاع على الرسائل والصور والفيديوهات التي تقوم ابنتها 13 عاما بتلقيها أو إرسالها على هاتفها.
وتقول «سنايدر»: «لن اعتذر عن هذا؛ ففي الصيف الماضي استطعت اكتشاف موعد غرامي لابنتي كانت تعتزم الذهاب إليه. أنا أعلم أنها ليست ساذجة لكن هذا العصر يخيفني ويقلقني عليها كثيرا».
وعلى الرغم أن التكنولوجيا توفر للأطفال طرقا كثيرة للوقوع في مشاكل فإنها توفر للآباء أيضا طرقا كثيرة لمراقبة أبنائهم.
مع تقنيات المراقبة مثل «إمسباي» أو «تيين سيف» و«مقتفي الأسرة» وغيرها يمكن للوالدين مراقبة النصوص والأحاديث ومشاركات أبنائهم على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى أنهم يستخدمون تطبيقات تخبرهم في حال قاد أبنائهم السيارة بسرعة كبيرة أو سافروا لخارج المدينة.
كيف يتحدث الآباء مع أطفالهم عن «الثقافة الجنسية»؟
لكن هناك خيط رفيع يفصل بين الحماية والهوس فالأمر وضع الآباء في مأزق حقيقي. فترة المراهقة هي فترة حرجة في حياة أبنائهم، فيها يحتاجون إلى الشعور ببعض الخصوصية والفردية وممارسة هواياتهم بعيدا عن تسلط الآباء ورغبتهم في السيطرة، لكن على الجانب الآخر لا يمكن للآباء أن يتركوا أطفالهم يسبحون بعيدا عنهم، فبذلك يجدون طرقهم للتسلل إلى خصوصياتهم لضمان وجودهم تحت أعينهم.
الهدف الأساسي للأبوة والأمومة
بالنظرة على هدفها الطويل الأمد تهدف الأبوة والأمومة إلى توفير بيئة صحية وتعليم جيد واعتماد على الذات وتبدأ تلك العملية عندما يبدأ الطفل في الزحف بعيدا عنك وهو صغير.
تقول «نانسي دارلينج» خبيرة علم النفس التنموي بكلية أوبرلين في أوهايو إن «تحقيق التوازن بين رغبات الأطفال والمخاوف المتعلقة بالسلامة هي الأمر الصعب في الأبوة والأمومة». فالخصوصية هي البذرة الرئيسية لتحقيق وتطوير الاكتفاء الذاتي لدى الطفل والإعتماد على النفس.
وتوضح أن «قدرة الطفل على خوض تجربة الخصوصية هي المحرك الأساسي لتجاوز ثقافته والإطلاع على ثقافات الآخرين لكن على الجانب الآخر سلامتهم مهمة للغاية».
يقول سكايلر هوك وهو طبيب نفسي اجتماعي بالجامعة الصينية في هونج كونج، إن خلال فترة المراهقة تتغير عقول الأطفال وأجسادهم وهيئاتهم وحياتهم الاجتماعية كذلك، وهي فترة للتعبير عن ذواتهم المنفردة وإظهار هواياتهم، فهم يحتاجون مساحة لخوض تلك التغييرات ومعرفتها بعيدا عن تخوفات آبائهم وهو الأمر الصحي لهم.
الخصوصية ليست مهمة فقط للمراهقين كما تقول «ساندرا بيترونيو» أستاذة دراسات الاتصالات ومركز الإدارة بجامعة إنديانا، بل إنها من واجبهم. وعلى المراهقين الابتعاد قدر المستطاع عن سيطرة الوالدين وقضاء مطالبهم بعيدا عن الاعتماد على آبائهم. هناك أدلة كثيرة على أن التطفل على الخصوصية يضر بالعلاقة بين الطرفين. وتوضح «بيترونيو»: «عندما يتجسس الآباء على أطفالهم فإن ذلك يظهر عدم الثقة، فالحاجة الملحة للسيطرة على الأمور بتلك الطريقة تضر بالعلاقة بينهما».
إلى ماذا تقود المراقبة؟
بالإضافة إلى ذلك فإنهم سيكتشفون يوما ما أنك تتجسس عليهم ولن يبقى الأمر سرا لفترة طويلة فالأبناء أكثر دهاء من آبائهم فيما يتعلق بالتكنولوجيا، حسبما أوضح «هوك»، وبالتأكيد بإمكانهم إفساد تلك التطبيقات على والديهم واختراقها أو إنشاء حسابات سرية بعيدا عن أعينهم.
بالتأكيد أيضا عندما يشعر الأطفال إنه لا يمكن الوثوق بهم فإن ما يفعلونه سيصبح أكثر سرية وبعيدا أكثر عن أعين مراقبيهم، في بحث أجري على طلاب بمدرسة بهولندا وجد الباحثون أن الطلاب الذين لم يحترم آبائهم خصوصياتهم، أكثر سرية فيما يقومون به من أنشطة عن أقرانهم الذين يثق فيهم والديهم، وكذلك وجد أن الآباء الذين لا يثقون بأطفالهم أقل معرفة بأنشطة أبنائهم. يقول «هوك» «سيفعلون ما تمنعهم منه إذا منعتهم».
وأضاف «أمكننا تتبع مسار العلاقة بين التطفل على الخصوصية وكثرة الأسرار لدى الأبناء ووجد أنها طردية كلما زاد التطفل كلما زادت سرية الأبناء. ولو خاض الآباء في السلوكيات التطفلية فإن الأمر يأتي بنتيجة عكسية عليهم».
احذر.. الخلافات الزوجية أمام الأبناء تصيبهم بأمراض نفسية
ليست العلاقة بين الأطفال وآبائهم التي تتضرر نتيجة لذلك التطفل، فعندما يشعر الأطفال بأن خصوصيتهم تم غزوها والانقضاض عليها من الممكن أن تقودهم إلى مشاكل عقلية وسلوكيات غير مرغوب فيها كالقلق والاكتئاب والانسحاب أو الإنطو اء، هناك العديد من الأبحاث النفسية التي دعمت تلك النتيجة، وجد أن الأطفال الذين يعانون من التطفل أكثر عرضة لتطور لديهم تلك المشكلات، ويرجع ذلك إلى أنها تقوض ثقتهم بأنفسهم وفي قدرتهم على العمل بشكل مستقل عن الآخرين.
يقول لورانس شتاينبرغ، أستاذ علم النفس بجامعة تمبل، «عندما لا يحترم الآباء خصوصية أطفالهم ولا يتركونهم لاتخاذ قرارتهم التي تخصهم بشكل منفرد، فإنه لن يكون باستطاعتهم التعلم من نتائج تلك القرارات، حتى لو أفضت قرارات والديهم إلى نتيجة أفضل من قرارات أبنائهم، ذلك على الرغم أن الآباء يستهدفون حماية أطفالهم بذلك».
الخط الفاصل بين المراقبة لأجل السلامة ومن أجل التطفل
وعلى الرغم من أهمية الخصوصية بالنسبة للمراهقين فإنه من الصعب تحديد الخط الفاصل في تلك العلاقة وما يحكمها، فهي تبدو مختلفة من أسرة لأسرة ومن طبقة اجتماعية لأخرى.
يقول دانتون كونلي أستاذ علم الاجتماع بجامعة برينستون «إنه صدم عندما علم أن زميلته بنفس القسم الذي يدرس فيه تتجسس على أطفالها، لكنها بإمكانها الإطلاع على بطاقاتهم الائتمانية ومعرفة ماذا أنفقوا. على كل لا يوجد معايير واضحة لما هو مقبول وما هو غير مقبول».
«نانسي دارلينج» خبيرة علم النفس التنموي بكلية اوبرلين، تقول إنها تميل لتخفيض الحد بين الخصوصية والاستقلال لدى أطفالها، فبقدر ما تعطيهم مساحة لتطوير الاعتماد على أنفسهم فإنها تقلق أيضا عليهم.
وتضيف أنها طلبت من ابنها تفعيل ميزة العثور على الهاتف لديه كي تعثر عليه في حال أرادت ذلك، وعندما تأخر ابنها الأكبر عن القدوم من الجامعة في أحد المرات، بحثت في هاتفه المحمول واتصلت بإحدى صديقاته وتبين أنه كان في حفل يتعاطى الكحوليات. وتقول «لم أفعل ذلك سوى لأنه تأخر حتى الثالثة صباحا».
وتضيف «دارلينج» الأطفال أكثر شعورا بأن خصوصياتهم تم انتهاكها عندما يتطفل والديهم على محادثاتهم، لكن معظمهم يدركون أن لوالديهم سلطة عليهم فيما يتعلق بأمور السلامة مثل وضع قواعد حول تعاطي المخدرات أو التدخين ومعرفة الأماكن التي يرتادونها بعد الدوام الدراسي. وتضيف «اعتقد من حق الآباء أن يعرفوا أين يتواجد أطفالهم الآن».
لكن حتى الأمور المتعلقة بالسلامة ليست واضحة المعالم في معظم المجتمعات، وفقا لأرقام مكتب التحقيقات الفيدرالية FBI فإن تأكيد الوالدين على الأمور المتعلقة بسلامة أطفالهم والتدخل لدرء المخاطر أدى لانخفاض الجرائم الخاصة بالأطفال بنسبة 48% خلال عامي 1993 و2011، مثل وفيات الأطفال وحوادث اختطافهم.
لكن بعض الخبراء يرجعون ذلك إلى الضغوط التي تمارس على الآباء لمراقبة أطفالهم وإبقائهم بالقرب منهم حيث ألقي القبض قبل ذلك على آباء تركوا أطفالهم يذهبون وحدهم للمدارس. ويعزوها آخرون إلى العناوين الصحفية المرعبة التي زادت عن حوادث الاختطاف والجرائم الأخرى، هذا الخوف طور من القيود المفروضة على الأطفال والمراهقين.
الأطعمة دي هتحمي طفلك من الأمراض.. زودي مناعته
تباين في المجتمعات
بالإضافة إلى ذلك يعيش أطفال في أحياء خطرة ويبدوا أنه من الأفضل لوالديهم أن يقوموا بمراقبتهم. لكن دراسة أجريت بجامعة فرجينيا، أظهرت أن الأطفال الذين يسكنون في أحياء متوسطة أو غير خطرة لديهم النزعة الاستقلالية أكبر من أقرانهم في المناطق الخطرة.
لكن على الجانب الآخر أظهرت اختلافا في قدرات الأطفال المستقلين، فهم يأدون بشكل أفضل من أقرانهم، واختلافا أيضا في العلاقة بين الآباء والأطفال حيث وجد أن الأطفال المعرضون لمخاطر أكبر أكثر ألفة في علاقاتهم بوالديهم عن غيرهم.
لكن في العديد من المجتمعات لا ترتبط رغبة الأهل في مراقبة أطفالهم بالحفاظ على سلامتهم ولكن لتخفيض حدة القلق والتوتر لديهم. فالأمر الذي يحدد هنا هو هل ما تقوم به لرغبتك في سلامة الأطفال أم لتقليل القلق لديك من كونهم بعيديين عنك؟ عليك أن تتأكد أنك بذلك تقلل مساحة الأطفال لتطوير اعتمادهم على أنفسهم. غير ذلك فإن تلك المراقبة تظهر عدم ثقة الأبوين في قدرتهم التربوية وتتطور لديهم مخاوف غير حقيقية.
ما هو الأفضل؟
بالنسبة للخبراء فإن أفضل طريقة لبناء علاقة صحية بين الآباء وأطفالهم هو أن يبادر الأطفال بالحديث لآبائهم ليس أن يتجسسوا عليهم «من الأفضل أن يخبرك هو لا أن تعرف بنفسك».
لكن بعض الآباء يقولون إن مراقبة أطفالهم دفعهم لفتح مناقشات جادة حول أمور متعلقة بالجنس والمخدرات والانتحار والأصدقاء وما شابه وطور هذا علاقة مفتوحة ومحترمة بيننا وبين أبناءنا.
لكن يرى الخبراء أن معظم الآباء والأمهات لا يفعلون ذلك من أجل فتح مناقشات مع أبنائهم بقدر ما يريدون السيطرة عليهم. وعليهم أن يسألوا أنفسهم قبل الإقدام على خطوة مثل هذه «لماذا أفعل ذلك» والإجابة هي التي تحدد مدى صحة ما يقومون به أو خطأه.