رئيس التحرير أحمد متولي
 أسامة بن زيد.. أصغر قائد للجيش رفضه الصحابة وكان أحب للرسول من عمر

أسامة بن زيد.. أصغر قائد للجيش رفضه الصحابة وكان أحب للرسول من عمر

تربى أسامة بن زيد في بيت النبي محمد (ص)، وكان أصغر قائد عسكري في تاريخ الإسلام؛ يقود جيشا من كبار الصحابة يغزو به الدولة البيزنطية، وعمره لا يتجاوز العشرين عاما.

غضب شديد تصاعد بين كبار الصحابة عندما تولى أسامة بن زيد قيادة الجيش؛ ربما سألوا أنفسهم كيف يمكن لشاب صغير السن أن يواجه الدولة البيزنطية وهي القوة العظمى في ذلك الوقت؟ ولماذا لا يقود الجيش أحد كبار الصحابة؟ وما السر الذي يجعل رسول الإسلام محمد (ص) يخرج للناس في مرضه الشديد ليخطب ويقول إن أسامة بن زيد سيظل قائد الجيش وهو جدير بقيادته؟

في هذا التقرير من «شبابيك» ستتعرف على الإجابة وكيف كان أصغر قائد في صدر الإسلام.

نشأة أسامة بن زيد 

  • والده زيد بن حارثة

أسامة بن زيد هو ولد زيد بن حارثة الكعبي الذي كان المسلمون يلقبونه بـ«حِب الرسول» ثم أطلقوا على «أسامة» من بعده لقب «الحِب بن الحِب» أي الحبيب بن الحبيب.

فقبل الإسلام بسنوات كان زيد بن حارثة مولى (عبدًا) لدى السيدة خديجة، بعد أن اختطف من أسرته منذ أن كان غلاما صغيرا، ليباع في سوق الرقيق؛ ثم أهدته للرسول بعد زواجها منه.

نشأ «زيد» في بيت الرسول (ص) وقد عُرف عنه حبه الشديد للرسول حتى إنه تبناه وأطلق عليه «زيد بن محمد» قبل أن يبطل الإسلام التبني.

تمضي السنوات ويصبح «زيد» من أوائل المسلمين وأحد القادة الشباب في الإسلام؛ فعندما جاءت السنة الثامنة من الهجرة، جعله الرسول قائدا لغزوة «مؤتة» التي واجه فيها المسلمون لأول مرة الدولة البيزنطية، واستشهد «زيد» في هذه الغزوة.

وقد تزوج «زيد» من زينب بنت جحش ابنة عمة الرسول، وقد طلّقها بعد أن استحالت الحياة بينهما، لأنها كانت تتفاخر عليه بنسبها؛ ثم تزوجها الرسول بعد ذلك.

ورغم أن هذا الزواج جاء ليؤكد إبطال الإسلام للتبني، وما يترتب عليه من أحكام؛ لكن هذه القصة أثارت الكثير من الشبهات سواء في عصر صدر الإسلام أو الآن. ويرد الداعية الإسلامي الدكتور عدنان إبراهيم على هذه الشبهات في هذا الفيديو:

  • والدته «أم أيمن» 

والدة أسامة بن زيد هي «أم أيمن» وقد كانت قريبة أيضا من بيت الرسول مثل زوجها.

وكانت تدعى بركة بنت ثعلبة الحبشية وتقول بعض الروايات إنها كانت جارية آمنة بنت وهب، والدة النبي ثم أعقتها الرسول، وظلت تعمل على خدمته بعد زواجه من السيدة «خديجة».

 روايات أخرى تقول إنها كانت جارية لدى «خديجة» ثم أعتقها الرسول.

لكن عمل «أم أيمن» لم يكن يقتصر على خدمة ورعاية الرسول والسيدة «خديجة» فقط، فقد كانت تحرص على الخروج في الغزوات والحروب لعلاج الجرحى.

وكما استشهد زوجها في غزوة مؤتة فقد قدمت ابنها «أيمن» شهيدا في غزوة حنين. 

شخصية «أسامة بن زيد» القيادية

هذه البيئة المحيطة بـأسامة بن زيد منذ ولادته، عامل أساسي لتشكيل شخصيته؛ كما يقول أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة المنيا، الدكتور عادل عبد الحافظ في حديثه لـ«شبابيك».

فـ«أسامة» ولد في البدايات الأولى للإسلام، ومن أوائل الأطفال الذين تربوا في بيئة إسلامية خالصة، وهي بيئة كلها غزوات، وبيت يسعى كل فرد فيه لنشر هذا الدين الجديد، وكلها عوامل لتشكيل شخصية قيادية منذ الصغر؛ كما يقول «عبد الحافظ».

ويصفه شمس الدين الذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء» بأنه «كان خفيف الروح، شاطرا، شجاعا، رباه النبي - صلى الله عليه وسلم- وأحبه كثيرا».

ملامح القائد الشاب

يعطينا أستاذ التاريخ فكرة عن ملامح شخصية «أسامة القيادية». ويقول إن والده كان من المسلمين الأوائل وأحد القادة الشباب في الإسلام؛ وقد كان الرسول يريد من «أسامة» أن يستكمل مسيرة والده عندما جعله قائدا لجيش المسلمين.

ولذلك لا نتعجب عندما نجد أن أول غزوة يشارك فيها هي غزوة الخندق، وعمره 15 عاما فقط. ثم توالى الغزوات التي شارك فيها وظهرت فيها ملامح شخصيته القيادية والعسكرية.

  • غزوة حنين

عندما جاءت غزوة «حنين» في العام الثامن للهجرة، وكانت من أعنف الغزوات التي خاضها المسلمون في حياة الرسول، حتى إن كثيرا منهم قد فروا من ساحة المعركة؛ وكان «أسامة» من ضمن المجموعة الصغيرة التي ثبتت في الحرب واستطاعت أن تجمع بقية الجيش حولها مرة أخرى.

كان أسامة بن زيد يمتلك قدرة كبيرة على الثبات في المعركة رغم سنه الصغير ورغم استشهاد أخوه لأمه «أيمن» في تلك الغزوة.

  • غزوة مؤتة

الأمر نفسه فعله أسامة بن زيد في غزوة «مؤتة» التي قتل فيها والده زيد بن حارثة ولم يكن قد أتم العشرين من عمره في هذه المعركة التي تساقط فيها قادة الجيش الثلاثة ولقوا حتفهم؛ فقتل «زيد»، ثم قتل القائد الثاني جعفر بن أبي طالب، ثم قتل القائد الثالث عبد الله بن رواحة.

أصغر قائد في الإسلام يغزو الروم


ولم تمض 3 سنوات حتى كان الرسول يجهز لغزو الروم بجيش كبير يشارك فيه كبار الصحابة مثل أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب؛ وكان أسامة بن زيد قائدا للجيش بأكمله.

كان الأمر أشبه بالصدمة للمسلمين، فقد استنكر البعض منهم أن يكون هذا الشاب الصغير قائدا على كبار الصحابة والمهاجرين الأوائل في الإسلام، وقد وصلت هذه الشكوى إلى الرسول، وكان قد اشتد عليه المرض الذي سيؤدي إلى وفاته في النهاية.

خرج الرسول في مرضه الشديد إلى المنبر لتهدئة هذه الجموع الغاضبة ويذكرهم بأنهم اعترضوا على والده القائد الشاب من قبل، فيقول: «إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل. وأيم الله إن كان لخليقا للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لأحب الناس إلي بعده»، وذلك في الحديث الذي يرويه البخاري.

يتوفى الرسول قبل أن يخرج الجيش للغزو، ويعود الخلاف بين المسلمين مرة أخرى بشأن القائد الصغير؛ يصر أبو بكر الصديق على خروج الجيش بقيادة «أسامة بن زيد» بينما يبعث بعض الناس بعمر بن الخطاب ليتوسط له لتعيين قائد أكبر سنا وأكثر خبرة.. فيغضب أبو بكر ويسأله في استنكار: «استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه»؟!

انطلق أسامة في الجيش في المعركة التي عرفت بـ«سرية أسامة بن زيد» وهي المعركة التي عاد منها القائد الشاب منتصرا، ومهدت للمسلمين فتح بلاد الشام.

  • الخلاف حول «أسامة» يتصاعد بعد وفاة الرسول

توفى الرسول قبل أن ينطلق الجيش، ولكن أبو بكر الصديق يصر على إرسال «أسامة» على قيادة الجيش، رغم أن عمر بن الخطاب يكلمه في عدم إرسال الجيش خاصة أن الأمور قد توترت بعد وفاة الرسول وبدأ البعض يرتدون عن الإسلام.

ورغم أن «أسامة» نفسه قد طلب من «أبو بكر» عدم إرسال الجيش؛ ليرد عليه «أبو بكر» بأنه لن يستفتح خلافته بعصيان أمر لرسول الله: «ما كنت لأستفتح بشيء أول من رد أمر رسول الله، ولأنْ تخطفني الطير أحب إلي من ذلك».  

الرسول يشجع القادة الشباب


يعلق أستاذ التاريخ الدكتور عادل عبد الحافظ على أن الرسول بهذا الإصرار على قيادة «زيد» ثم ابنه «أسامة» للجيش كان يشجع الشباب ودورهم القيادي في المجتمع.

 أراد الرسول برعايته لأسامة ووالده أن ينشئ جيلا يتربى على الإسلام الخالص والدور القيادي في المجتمع؛ وهو الشيء الذي لم يفهمه بعض الصحابة، كما يقول أستاذ التاريخ الإسلامي.

وقد كان النبي يريد لهذا الشاب أن يستكمل مسيرة والده منذ غزوة مؤتة، فالذهبي يروي في كتابه أن الرسول لما عرف أن قيادة الجيش ذهبت إلى خالد بن الوليد بعد مقتل القادة الثلاثة، قال: «فهلا إلي رجل قُتل أبوه؟ يعني أسامة».

أسامة بن زيد ليس استثناء

يعود القائد الصغير منتصرا من المعركة حتى إنها تصبح المعركة التي مهدت للمسلمين فتح بلاد الشام.

ويصبح موضع تقدير من كبار الصحابة للمكانة التي وضعه فيها الرسول؛ فكان عمر بن الخطاب يزيد له في العطاء عن باقي الصحابة وحتى عن ابنه عبد الله نفسه، وعندما سأله ابنه عن ذلك قال عمر إن: «أباه كان أحب إلى رسول الله من أبيك، وكان هو أحب إلى رسول الله منك».

لم يكن أسامة بن زيد استثناء في  حياة الرسول وتأكيده على قيادة الشباب؛ فهناك علي بن أبي طالب فقد كان شابا صغيرا عندما شهد أهم مراحل الإسلام وغزواته؛ كما يقول «عبد الحافظ» لـ«شبابيك».

 

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال