بعد تيران وصنافير.. ما مصير الحدود المصرية المتنازع عليها؟
بعد أزمة «تيران وصنافير» وقرار البرلمان المصري بالموافقة على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والتي بموجبها تنازلت مصر عن هذه الجزر للسعودية، يطرح «شبابيك» تساؤلا ما هو مصير الحدود المصرية الأخرى المتنازع عليها؟
فعلى مر التاريخ لم تعرف الحدود المصرية استقرارا تاما، فهناك حدود متنازع عليها حتى الآن وتصر مصر على التمسك بها بشدة، ومناطق أخرى غير تيران وصنافير، متنازع عليها أيضا، ولكن لا تعترف الدولة أنها تقع ضمن حدودها.
نزاع على الحدود المصرية
-
سيناء ومشروع توطين الفلسطينيين
مصرية سيناء لا جدال فيها، فقد أقيم فيها واحدة من أقدم المناطق الأثرية في مصر، والتي تسمى «سرابيط الخادم» لعبادة الإلهة حتحور.
كما أن تسمية سيناء بـ«أرض الفيروز» تعود إلى زمن الفراعنة الذين أقاموا فيها مناجم لاستخراج الأحجار الكريمة وأطلقة على الإلهة «حتحور» ربة الفيروز.
وعلى مدار الأزمنة التي مرت على مصر وجدت في سيناء آثار مختلفة مثل دير سانت كاترين ودير السبع بنات، إلى جانب العديد من القلاع والحصون التي بنيت في مصر الإسلامية.
ومع ذلك ظهر أكثر من مشروع لإعادة توطين الفلسطينيين في سيناء؛ بدأت بمفاوضات بين الولايات المتحدة والحكومة المصرية عام 1953 لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، هذه الاتفاقية التي تم رفضها من الجانب الفلسطيني وبالأخص الحزب الشيوعي الذي قاد مظاهرات أصر على حق عودة الفلسطينين إلى موطنهم.
واستمرت المخاوف بشأن ظهور هذه المفاوضات مرة أخرى بعد ثورة يناير.
-
مثلث حلايب
سنعود إلى الوراء كثيرا حتى نفهم لماذا تتنازع مصر والسودان حول مثلث حلايب حتى الآن.
ففي العام 1899 وقعت مصر وبريطانيا اتفاقية حكم ثنائي للسودان، تضمنت ترسيم الحدود بين البلدين، وتم تحديد خط عرض «22» كفاصل بين الحدود المصرية السودانية، ووقع مثلث حلايب ضمن الحدود المصرية.
لم تمر إلا أربع سنوات عندما منحت مصر حق إدارة منطقة حلايب وشلاتين للسودان في العام 1902 ، لتسهيل تنقلات القبائل السودانية الساكنة على الحدود.
تمر أعوام كثيرة وينال السودان استقلاله عن بريطانيا وفي العام 1958 يظهر أول خلاف على مثلث حلايب، بعدما أدخلته السودان ضمن دوائرها الانتخابية.
وبينما طالبت مصر بالالتزام باتفاقية الحدود لعام 1899، تقول السودان إن الحق الإداري يعني حق السيادة على هذه المنطقة.
وهكذا يستمر الخلاف حول منطقة حلايب وشلاتين إلى الآن، يهدأ فترة ليعاود الظهور من جديد.
ففي العام 1992 أعطت السودان الحق لشركة كندية بالتنقيب على البترول في مثلث حلايب.. ترفض مصر، فتنسحب الشركة لحين حل المشاكل الحدودية.
وفي عام 2000 سحبت السودان قواتها من حلايب وفرضت مصر سيطرتها على المنطقة منذ ذلك الحين.
وعادت الأزمة للتجدد عام 2013، حين تداولت وسائل الإعلام تسجيلا صوتيا منسوبا لوزير البيئة السوداني، آنذاك، حسين عبدالقادر هلال يفيد باستعداد الرئيس السابق «محمد مرسي» لإعادة منطقة حلايب وشلاتين للسودان؛ إلا أن الأمر تم نفيه فيما بعد.
-
النوبة
في الوقت الذي كانت بريطانيا تقسم الحدود بين مصر والسودان بخط عرض «22» انقسمت النوبة ما بين مصر والسودان.. حتى الآن لا يوجد أي مشاكل أو نزاع حدودي يخص النوبة، أو تطالب السودان بأحقيتها في هذه الأرض، مثلما حدث في منطقة حلايب وشلاتين.
تمر على النوبة الكثير من الأزمات، التهجير القسري بعد تعلية خزان أسوان؛ لتغرق قرى بأكملها، ومساحات زراعية شاسعة، ثم تهجير قسري في الستينيات لإنشاء السد العالي، ونقل النوبيين إلى صحراء كوم إمبو.
سنوات كثيرة تمر على الحال نفسه وتظهر حركات من أهالي النوبة تطالب بالانفصال عن مصر.
ظهرت هذه الحركة في العام 2012، وقالت قياداتها إن الحركة تطالب بالانفصال احتجاجا على تصريحات قيادات الإخوان المسيئة لهم.
ظهر نشطاء نوبيون آخرون لا يدعمون الانفصال ويروجون لأنه أجندات خارجية، في الوقت الذي تهدد فيه «كتالة» باللجوء للسلاح.
لكن ما إن ظهرت حملة «تمرد» حتى وقعت «كتالة» على سحب الثقة من الرئيس السابق محمد مرسي.
مناطق خرجت عن الحدود المصرية
-
الحدود البحرية بين مصر واليونان
في السنوات القليلة الماضية وتحديدا التي تلت ثورة 25 يناير، اكتُشفت العديد من حقول الغاز الطبيعي في البحر المتوسط؛ هذا يعني الكثير من الخلاف حول الحدود الإقليمية حتى تحصل كل بلد على نصيبها في هذه الثورة البترولية.
الخلاف بدأ يظهر للعلن بعد قمة «الكالاماتا» في عام 2014 التي جمعت الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس وزراء اليونان، ورئيس قبرص؛ لإعادة ترسيم الحدود البحرية.
الاتفاقية أثارت الكثير من المخاوف حول تنازل مصر عن جزء من مياهها الإقليمية وبالتالي جزء ضخم من ثروتها الاقتصادية.
وأقيمت دعوى في العام 2016 أمام محكمة القضاء الإداري، بإلغاء اتفاقية تقسيم الحدود البحرية، والقول بإن مصر تنازلت لليونان عن جزيرة «تشيوس» التي كانت تقع داخل الحدود المصرية.
وزارة الخارجية المصرية نفت أن تكون الجزيرة تابعة لمصر أو تقع ضمن الحدود المصرية، فهي في الأساس جزيرة يونانية.
لكن مصر تمتلك بعض الممتكلات بجزيرة «ثاسوس» التي تقع ضمن الحدود اليونانية، وهي عبارة عن مباني تابعة لوزارة الأوقاف، أنشأها محمد علي للأعمال الخيرية، بعد أن منحه السلطان العثماني حق الانتفاق بالجزيرة لأغراض خيرية فقط.
-
واحة الجغبوب
«واجة الجغبوب».. تقع شمال غرب واحة سيوة، ولكن ضمن الحدود الليبية.
القصة تعود للعام 1925، عندما كانت مصر واقعة تحت الاحتلال البريطاني، بينما كانت إيطاليا تحتل ليبيا وتريد الاستيلاء على الواحة لتقاتل جماعة «إدريس السنوسي» الذين كانوا يحكمون الواحة إداريا؛ وكانت الواحة في ذلك الوقت تابعة لمصر، كما تقول خبيرة ترسيم الحدود المستشارة «هايدي فاروق».
حجة الإيطاليون للاستيلاء على الواحة هي أن مصر لم تمارس أعمال السيادة عليها أو ما يثبت أنها تابعة لمصر.
وكانت خبيرة ترسيم الحدود المستشارة «هايدي فاروق» قد أثارت قضية «الجغبوب» في حوار لها مع جريدة «الوطن» عام 2015، وقالت إن الرئيس الأسبق حسني مبارك قد كلفها بالبحث في هذه القضية عام 2004.
وطالبت «فاروق» باستعادة مصر للجغبوب ومدينة البردية الليبية، والتي تقول إنها واقعة ضمن هضبة السلوم المصرية.
-
أم الرشراش
كانت تُسمى قديما بمدينة أم الرشراش، وتقع على خليج العقبة بالحدود مع مدينة طابا؛ أما الآن فهي مدينة إيلات الإسرائيلية، بعد أن احتلتها إسرائيل عام 1949.
الخلاف هنا يدور حول هل كانت مدينة أم الرشراش أو إيلات، مصرية في الأساس أم فلسطينية؟
كانت مدينة أم الرشراش بالفعل تابعة لمصر رسميا، في أيام «محمد علي» وبدءا من العام 1818، بعد أن كانت تابعة للدولة العثمانية.
وعندما جاء العام 1839 أعادت الدولة العثمانية في إعادة تقسيم ولاياتها إداريا، لتصبح أم الرشراش تابعة لولاية الشام، وأصبحت آخر حدود مصر كولاية عثمانية هي مدينة طابا.
أما بالنسبة للموقف الحكومي فهو يعتبر أن أم الرشراش هي مدينة فلسطينية محتلة من إسرائيل؛ ويعتمدون في ذلك على اتفاقية 1906 بين الدولة العثمانية وبريطانيا بتعيين خط «رفح - العقبة» كفاصل حدودي بين مصر وفلسطين، والذي يستبعد إيلات من الحدود المصرية. كما تم تحديد الحدود بينها وبين طابا عام 1988.
الجانب المؤيد لمصرية أم الرشراش، يقول إنها كانت تابعة لمصر أيام السلطان الغوري الذي أقام عليها قلعة لحمايتها، وحماية الحجاج بها، فقد كانت هذه المدينة التي تقع على الحدود بين مصر والحجاز، تسمى بمدينة الحجاج.
نزاع مستمر حتى الآن
-
تيران وصنافير
أقرت محكمة القضاء الإداري في أكتوبر 2016 بمصرية «تيران وصنافير».
قضية «تيران وصنافير» كانت أشبه بالمعركة بين النظام والمعارضين.. بدأت عندما وقع الرئيس عبد الفتاح السيسي والملك سلمان بن عبد العزيز، اتفاقية نقل ملكية الجزيرتين إلى السعودية؛ باعتبارهما سعوديتان في الأصل وقد استعارتها مصر وقت حربها مع إسرائيل.
القصة لم تنتهِ بعد الحكم بمصرية الجزيرتين، فقد أسقطت محكمة الأمور المستعجلة غير المختصة قرار مصرية الجزيرتين؛ فيما أيدت المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة في يناير الماضي حكم مصرية الجزيرتين.. ثم أحال رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي القضية للبرلمان لمناقشتها؛ لتبدأ معركة جديدة بين المدافعين عن مصرية الجزيرتين والنظام.
وفي جلسة 15 يونيو 2017 أقرت اللجنة التشريعية بالبرلمان بسعودية تيران وصنافير.
لم تنته معركة تقسيم الحدود هنا، فالمحكمة الدستورية العليا قررت إعادة النظر في هذه القضية في 30 يوليو؛
وهي الجهة القضائية المصرية المعنية بمراجعة النصوص القانونية الصادرة على سلطات الدولة ومدى مخالفتها للدستور من عدمه.