صحف ومجلات مصرية دعمت الصهيونية.. تعرف عليها
أصدر يهود مصر عدداً من الصحف والمجلات خلال الفترة الممتدة من العشرينيات حتى بداية الخمسينيات من القرن الماضي، ورغم تباين أهداف كل إصدار على حدا إلا أن غالبيتها عملت على خدمة المشروع الصهيوني في فلسطين.
وشهدت الفترة التي تلت انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول في مدينة «بال» السويسرية عام 1897 ظهور نوعين من الصحف اليهودية في مصر، أولهما الصحف الصهيونية التي أصدرتها الهيئات والجمعيات الصهيونية التي تكونت في مصر، وكانت تنشر الفكر الصهيوني باللغتين العربية والفرنسية، والنوع الثاني الصحف اليهودية التي أصدرتها الطائفة اليهودية بمصر، وكانت جميعها ذات انتماء صهيوني، ولكن تفاوتت درجات هذا الانتماء ومستوى التعبير عنه.
وفي كتابه «يهود مصر1922- 1956» يستعرض الدكتور رشاد رمضان عبد السلام، أهم الصحف والمجلات اليهودية وكذلك الظروف والملابسات التي أحاطت بإصدارها وكذلك علاقتها بالصهيونية.
إسرائيل
أول صحيفة صهيونية كانت تصدر في القاهرة والإسكندرية باللغات الثلاث العربية والفرنسية والعبرية، وبعد وفاة مؤسسها الدكتور ألبرت موصيري في مارس 1933 قامت زوجته ماتيلدا موصيري بمواصلة إصدارها، وحثت يهود مصر على المشاركة في تمويل الصحيفة بسبب دورها في نشر المبادئ الصهيونية والدفاع عنها.
الفجر
أصدرها لوسيان سيكوتو عام 1908 في اسطنبول، ثم توقفت أثناء الحرب العالمية الأولى، واختفت تماماً عام 1919، ثم استأنف لوسيان إصدارها بعد ذلك في القاهرة عام 1924، وفي يونيو 1931 توقفت عن الصدور، ثم انتقلت في يوليو من نفس العام إلى إشراف جاك مالح.
صادفت «الفجر» صعوبات مالية، وكادت أن تتوقف عن الصدور ولكن اهتم بها أعضاء «محفل بني بريث»، وشكلوا لجنة برئاسة سيمون مانيه لدعمها مادياً وأدبياً، وأدت أحداث الغضب الشعبي في مصر ضد الفاشية، ثم تشكيل عصبة معاداة اللاسامية إلى اتخاذ الصحيفة لسان حال العصبة طوال الأربعينيات.
الاتحاد الإسرائيلي
أصدرتها جمعية الاتحاد الإسرائيليين القرائيين في مصر كلسان حال لطائفة اليهود القرائيين، وأبدت المجلة تعاطفها مع الحركة الصهيونية منذ العدد الأول عندما نشرت صورة اللورد بلفور، وكتبت تحته نص تصريحه الذي أعطاه لليهود بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين، في حين تصدرت صورة هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية العدد الرابع.
اليهود في مصر.. بين الثراء والتأميم ثم الانقراض
الصوت اليهودي
أصدرها ألبير ستراسلسكي باللغة الفرنسية عام 1931، وكان يمولها بعض كبار الرأسماليين اليهود بالإسكندرية، واستمرت في الصدور كمجلة أسبوعية حتى نهاية 1933، وكانت تمثل جناح الحركة الصهيونية المتمثل في فرع حزب التصحيحيين بمصر.
الشمس
أصدرها سعد يعقوب مالكي عام 1934، وكانت تهدف إلى استقطاب الرأي العام المصري لصالح الصهيونية من خلال مخطط ذكي وغير مباشر، فكانت دائماً تردد اعتزازها بانتائها لمصر، ومساندتها للقضية الوطنية المصرية، وتجميل صورة الجمعيات الصهيونية في مصر.
سعت «الشمس» إلى العمل على استرخاء الرأي العام المصري بالنسبة لما يجري داخل فلسطين وتصوير العلاقة بين العرب واليهود بأنها طبيعية متجنبة ذكر حوادث العنف بينهما، وأظهرت الصراع داخل فلسطين بأنه بين الاحتلال الإنجليزي والمقاومة اليهودية، وكانت تنتقد بشدة أي عمل يقوم به الإنجليز ضد المتطرفين الصهيونيين في فلسطين.
بعد قيام دولة إسرائيل في مايو 1948 تقدمت الجامعة العربية إلى إدارة المطبوعات بشكاوى عديدة ضد هذه الصحيفة تتهمها بأنها دأبت على الطعن في رجال العروبة والجامعة العربية، والدعوة إلى تأييد المطامع الصهيونية في فلسطين، وبأن الصحيفة تصدر بأموال الحركة الصهيونية في مصر، فأصدرت الرقابة العامة قرارها بتعطيل «الشمس» اعتباراً من 11 يونيو من نفس العام، ومصادرة جميع النسخ التي قد تكون موجودة منها بالمكاتب أو بأيدي الباعة.
المنبر اليهودي
من أخطر الصحف الصهيونية وأعمقها أثراً على يهود مصر، أصدرها جاك رابان باللغة الفرنسية في نهاية عام 1936، وعرف عنه نشاطه وحماسه الشديدين في خدمة الحركة الصهيونية، وساهم بالكتابة في معظم الصحف الصهيونية التي كانت تصدر في مصر مثل إسرائيل والفجر والشمس، وكذلك الصحف الأجنبية ذات الميول الصهيونية مثل البورص ايجبسيان وجريدة الأحد.
التسعيرة
استغل إبراهيم يعقوب مزراحي صدرو الأحكام العسكرية أثناء الحرب العالمية الثانية التي تنص على ضرورة إبراز التسعيرة الرسمية في واجهات المحال التجارية فأصدر جريدته في 17 يونيو عام 1944 وهو يدرك أنها ستلقى رواجاً لدى جميع الأطراف سواء المستهلكين أو التجار.
اعتمد مزراحي في تمويل «التسعيرة» على الاشتراكات والإعلانات التي تحصل عليها بشتى أنواع الابتزاز والتهديد مستغلاً العلاقة التي كانت تربطه بكبار المسئولين المصريين.
لم تفلت الجريدة من قبضة الصهاينة في مصر إذ سرعان ما تعرضت لضغوط مباشرة من جانب اليهود الموالين للصهيونية، وظهر ذلك في صورة هجوم مكثف على الصحف المصرية التي تهاجم الصهيونية وخصوصاً الصحف الوفدية، وتمادت في دفاعها عن الصهيونية إلى حد اتهام المعارضين للصهيونية بالشيوعية.
الكاتب المصري
في عام 1945 فاجأت الصهيونية الرأي العام المصري بأسلوب دعائي جديد تمثل في إصدار صحيفة مصرية ذات طابع ثقافي ضمت نخبة من المثقفين المصريين بتمويل يهودي صهيوني، وامتلك هذه المجلة عائلة هراري وعائلة شيكوريل وهي عائلتين يهوديتين شهيرتين.
تخصصت المجلة في في نشر الدراسات الأدبية والنقدية، وضمت طائفة من الكتاب الأوربيين والأمريكيين إلى جانب الكتاب المصريين وكان يرأس تحريرها الدكتور طه حسين ومن كتابها المصريين توفيق الحكيم ولويس عوض وسهير القلماوي وفؤاد صروف ويحيى حقي.
تعرضت المجلة لحملة عنيفة من جانب بعض الصحف مثل «مصر الفتاة» وغيرها متهمة إياها بالخضوع للصهيونيين، وأن الهدف من إصدارها هو العمل على استقطاب المثقفين المصريين لصالح الحركة الصهوينة وشراء صمتهم إزاء الصراع العربي الصهيوني في فلسطين.
ابتعدت المجلة عن الخوض في المشكلة الفلسطينية، ولم تتعرض لقضية الصهيونية، واقتصرت على كونها مجلة تختص بالأدب ونشره، وهو ما تم تفسيره بأنه تفكير من جانب هؤلاء اليهود للاقتراب من مثقفي مصر وإيجاد جسور للتفاهم معهم، أو على الأقل جعلهم يقفون على الحداد بشأن القضية الفلسطينية.
استمرت الكاتب المصري في الصدور حتى نهاية يونيو 1948 (بعد قيام دولة إسرائيل بشهر ونصف) ثم توقفت بناء على طلب أصحابها بعد أن صدر منها 32 عدداً، كان آخرها عدد مايو 1948.
الكليم
مجلة طائفية أصدرتها جمعية الشبان الإسرائيليين القرائيين في فبراير عام 1945، وكان يرأس تحريرها يوسف كمال، واستمرت في الظهور حتى عام 1957، وكانت تصدر نصف شهرية.
ورغم الطابع الديني الذي سيطر على موضوعاتها واهتماماتها، إلا أنها لم تغفل خدمة الأهداف الصهيونية ومنها تشجيع يهود مصر على الهجرة إلى فلسطين، كما اهتمت بالنشاط الصهيوني العالمي، وأبرزت أنباء المؤتمرات الصهيونية، وأبرزت أعمال الاضطهاد لليهود الألمان على أيدي النازية.
رواندا.. قصة دولة أفريقية من المجاعة لواحة التنمية
المصباح
في عام 1946 قام ألبرت مزراحي بشراء الصحيفة من أحد الصحفيين المصريين، وخصصها للنقد الفني ونشر الثقافة الفنية، وفي بداية صدورها عادت الصهيونية وحملت على عاتقها مهمة كشف المصالح الصهيونية في مجال السينما المصرية والعلاقات التي تربط بين بعض المنتجين السينمائيين من اليهود المصريين وكبار الصهيونيين في فلسطين، وكشفت عن الدور الذي تقوم به الشركات الصهيوينة لتفادي قرارات المقاطعة التي أصدرتها الجامعة العربية ضدها، ومنها مثلاً إخراج أفلام تحمل أسماء مصرية، أو الاشتراك مع منتجين مصريين بينما يكون التمويل ومضمون الأفلام صهيونياً في الواقع.
الصراحة
أصدرها ألبرت مزراحي باسم زوجته «صول مزراحي» في سبتمبر عام 1950، وجاء بالعدد الأول منها أن الهدف من إصدار الصحيفة خدمة الشعب المصري، وأنها ستلتزم الدقة والنزاهة في إيراد الخبر وعرض الرأي.
في البداية صدرت «الصرحة» كجريدة وفدية، وكانت تتابع تحركات زعماء الوفد ونشاطهم السياسي وتدافع عن الوفد طالما كان في كرسي الحكم، ولا تتوانى عن إيجاد المبررات الغريبة للأخطاء التي كان أحياناً يقع فيها الوفد سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي، ولكن عندما أقيلت حكومة الوفد في يناير 1952 بدأت تساير الحكومة الجديدة برئاسة على ماهر، وكذلك فعلت مع ثورة يوليو 1952 فألغت شعارها القديم (صحيفة وفدية سياسية يومية) إلى سياسية يومية فقط.
تابعت الصحيفة أخبار يهود مصر والدفاع عنهم، في الوقت الذي تبنت فيه موقف مكافحة الصهيونية من زاوية أن الصهيونية تضر بأحوال يهود مصر مثلما تعرض أمن وسلامة الوطن للخطر.
لماذا كل هذه الصحف اليهودية في مصر؟
الدكتور أحمد الملا أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر أرجع وجود صحف ومجلات لليهود فى مصر في النصف الأول من القرن العشرين تروّج للمشروع الصهيوني في فلسطين إلى أن فكرة الصهيونية لم تكن واضحة فى الشارع المصري فى ذلك الوقت، ومن ثم لم تجد اهتماماً كبيراً من المصريين ما ساعد هذه الصحف على تناول أبعاد الفكرة بأريحية كبيرة .
وقال الملا لـ«شبابيك» إن الصحف والمجلات اليهودية استغلت حرية الرأي التي كانت مكفولة في تلك الفترة للترويج للفكرة الصهيونية.
وبحسب الملا فإن العائلات اليهودية الكبيرة مثل شيكوريل وقفت وراء إصدار هذه الصحف وتمويلها وضمان استمرارها وتجاوز العقبات المالية التي كانت تواجهها نظراً للدور الكبير الذي كانت تلعبه هذه الإصدارات فى خدمة المشروع الصهيوني.