حرب الشوارع.. كيف تستطيع الدولة مواجهة العناصر المسلحة؟

حرب الشوارع.. كيف تستطيع الدولة مواجهة العناصر المسلحة؟

قد تجد الدولة نفسها مضطرة لمواجهة بعض الجماعات المسلحة التي تتخفى وسط أراضيها، فيما يعرف بـ«حرب المدن»، «حرب العصابات» أو «حرب الشوارع».

هذه التسميات جميعا تشير إلى حرب تنشب بين مجموعات مسلحة وبين الجيش النظامي للدولة؛ هذه المجموعات قد تكون غير شرعية أو متمردة؛ مثلما يحدث بين قوات الجيش العراقي وقوات داعش؛ أو ما يصدر من العناصر المسلحة في سيناء.

وقد تحمل هذه المجموعات شرعية إذا كانت تواجه دولة احتلال كما يحدث في حرب فلسطين ضد إسرائيل، أو حرب العراق ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

ومن هذين النوعين سنستخلص هنا بعض القواعد التي تستطيع فيها الدولة الشرعية مواجهة أي جماعة مسلحة تهدد كيانها؛ وفقا لدراسات وخبراء عسكريين وسياسيين.

التأييد الشعبي لقوات الجيش النظامي

الجماعات المسلحة تراهن على تأييد مجموعة من الشعب في محيط تواجدها؛ بما يوفر لها الدعم اللازم؛ من تخفي وسط الأهالي، أو إمدادهم بالمؤن اللازمة لاستماراهم.

وبدون هذا التأييد حتى لو كان تأييدا سلبيا بعدم الإبلاغ عنها؛ ستفقد هذه الجماعات قدرتها على التخفي والاستمرار؛ وفقا لدراسة أعدتها جامعة القادسية ببغداد.

وبالتالي يصبح سلب هذا التأييد الشعبي، بمثابة تعرية لهذه الجماعات وقطع الشريان اللازم لاستمرارهم.

  • الإعلام كأداة لكسب التأييد الشعبي

سيكون الإعلام أهم الوسائل التي تستخدمها الدولة لكسب تأييد الرأي العام، وشحنه ضد الجماعات المسلحة.

فالمحلل السياسي العراقي عبد الكريم العلوجي، يفرد كتابا كاملا للحديث عن دور الإعلام في الحروب، بعنوان «الإعلام والحرب: العراق نموذجا».

فإذا كان هناك شيء إيجابي نتعلمه من حرب العراق؛ فهو قدرة الولايات المتحدة على الحشد الشعبي مبكرا للغاية.

يقول «العلوجي»: كانت أمريكا تخطط لحرب العراق منذ أن أعلنت حملتها الإعلامية بالحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر.

والسياسة نفسها استمرت بعدما اضطر الجيش الأمريكي لمواجهة حرب عصابات مع الفصائل العراقية؛ حتى عندما كانت القنوات العربية تنشر الانتهاكات في حق القتلى والجرحى؛ كان الإعلام الأمريكي يقول إن هذه محاولات لتشويه صورة أمريكا التي تخلص الشعب من الديكتاتورية!

  • كسب الرأي العام العالمي

لا يجب أن تكتفي الدولة بالتأييد الشعبي فقط؛ خصوصا إذا كانت تواجه خطرا كبيرا أو جماعات مسلحة دولية.

فهنا على الدولة أن تسعى لكسب التأييد العالمي الذي سيكون عامل ضغط أو حرب نفسية ضد الكيانات الداعمة لهذه الجماعات المسلحة.

الإعداد لميدان الحرب

حرب الشوارع تحتاج لنوع خاص من الإعداد، كما يقول المركز السوري للدراسات.

فعادة؛ يكون القتال داخل المدن، أو في المدن المتصلة بمناطق صحراوية وزراعية تتيح للمجموعات المسلحة التخفي بسهولة.

الاستعداد لحرب المدن لا يرتبط فقط بإعداد قوات الجيش؛ ولكنه يتطلب أولا كسب تعاطف أهالي المدن مع الجيش. وثانيا تحتاج حرب المدن الاعتماد على أهالي هذه المدن الذين يمتلكون الخبرة في الطرق الوعرة والملتوية.

  • أدوات الحرب


يتوقع قائد القوات البرية الأمريكية، الجنرال «مارك ميلي» أن تكون «حرب المدن» النموذج الذي ستخوضه الدول مستقبلا؛ مع ما نراه من التهديدات التي تتعرض لها دول مثل سوريا والعراق، على يد تنظيم داعش.

ومن هنا على الدول أن تفكر في إعادة تطوير الأسلحة العسكرية بالكامل، لتناسب طبيعة هذه الحرب، والتحرك والتخفي وسط المدن؛ مثل حجم المروحيات والدبابات، وفقا لوكالة «سبوتينك الروسية».

  • تأهيل خاص لقوات الجيش

يقدم «ميلي» مجموعة من الصفات يجب أن تتوفر في الجندي الذي سيخوض حرب المدن أو حرب الشوارع.

يجب أن يُختار بعناية ليجيد القتال في الصحراء والجبال أولا؛ قادرا على الاشتباك والقتال وسط المباني والشوارع دون أن يعرض المدنيين للخطر، يتقن التخفي التام والهجوم المباغت على العدو؛ وأخيرا أن يكون مبتكرا وقادرا على التصرف في المواقف غير المعتادة؛ وفقا لـ«ميلي».
  • تكتيك مختلف للحرب

الحرب مع القوات المسلحة التي تستهدف المدن؛ ستحتاج إلى تكتيك مختلف للإيقاع بالعدو، كما يذكر المركز السوري للدراسات؛ وهي:

الكمائن: الكمائن في حالة حرب الشوارع ستكون كمائن متخفية وسط المدنيين، لا تظهر فيها قوات الجيش بالهيئة الرسمية، وسيساعدهم على ذلك أهالي المدن.

الإغارة: ستحتاج قوات الجيش إلى التخفي حتى تتمكن من تفنفيذ غاراتها بنجاح، مع التشديد على ضرورة العمل السري.

مخازن الجيش: المخازن التي يحصل منها أفراد الجيش على الذخيرة أو التموين، يفضل أن تكون مجهولة تماما؛ إلا لعدد قليل من الأشخاص.

النصر السياسي وليس العسكري


لا تستهدف الجماعات المسلحة انتصارا عسكريا أو السيطرة على رقعة من الأرض، بأكثر ما تستهدف الضغط السياسي، وإظهار الدولة بأنها غير قادرة على السيطرة.

ولذلك لا مانع لدى هذه الجماعات من إطالة مدة المعركة، والاستمرار في توجيه ضربات على المدى الطويل؛ لضمان استمرارها ولتحقيق النصر السياسي؛ وفقا لدراسة جامعة القادسية.

يصف «ديفيد جاليولا» في كتابه «حرب العصابات- النظرية والتطبيق» ما أسماه بـ«التمرد المسلح» بأنها حرب سياسية في المقام الأول وليست عسكرية.

وهنا لا يكون الاستيلاء على أكبر رقعة من الأرض هو الفاصل في النصر كما يحدث في الحرب العادية؛ بل قد يكون انسحاب القوات النظامية، استراتيجية لاستدراج العناصر المسلحة إلى هذه المنطقة وإظهاره لكي تعلن عن نفسها بشكل كامل، ويسهل اقتناصها.

التأهب التام

لماذا تنجح إسرائيل وهي دولة محتلة في حربها ضد فصائل المقاومة التي تمتلك شرعية وأحقية في البلاد؟

فبخلاف التفوق العسكري والدول الكبرى التي تدعم إسرائيل؛ يتطرق «العلوجي» في كتابه إلى سبب آخر وهو الاستعداد الدائم الحرب، ووضع الجيش دائما في حالة التأهب القصوى.

وهذه الحالة تسري سواء في أوقات الحرب أو الهدنة، أو حتى في الأوقات التي تتعرض فيها دولة قريبة للخطر!

الالتزام بحقوق الإنسان

دخول أي دولة في حرب المدن أو العصابات يعتبر شيئا خطيرا، لأنه يعني أن الحرب ستكون إلى جانب  المدنيين والأهالي والمنشئات.

لذلك فإن أخطر شيء يحذر منه «جاليولا» هو أن تنجر الدولة لأي مخالفة تتعلق بحقوق الإنسان، لأنها بذلك قد تخسر التأييد الشعبي، والعالمي معا.

 

 

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال