الشيخة مريم.. قصة ولية مسلمة يقدسها المسيحيون

الشيخة مريم.. قصة ولية مسلمة يقدسها المسيحيون

يرتبط المصريون بالأولياء وينسجون الحكايات حول معجزاتهم وبركاتهم، وقد يصل هذا الحب إلى محاولة أتباع كل دين نسب هذا الولي إليهم.

الشيخة مريم أبرز مثال. أقام لها المسلمون مقاماً يزورونه، ويرى الأقباط أنها قديسة مسيحية. الحكاية يرويها الدكتور إبراهيم عبدالعليم حنفي في كتابه «تحت القبة شيخ.. حكايات الأولياء».   

النماء والخصوبة

أقامت الشيخة مريم على ترعة بحر يوسف بالفيوم وهو المكان الذي أصبح فيما بعد مقاماً لها، وعرف بمنطقة السواقي.

ارتبطت حكاية مريم بالخصوبة والنماء، فكانت فتاة جميلة مدللة، عُرفت بصفاء النفس والمشاعر ومحبة الناس، كما كانت تحب مجالسة الطرق الصوفية، فأطلق عليها البنت «المدللة» لإرتباطها الشديد بكل شيخ طريقة.

تعلقت النساء بها، فكن يجلسن حولها في حلقات الذكر الصوفي ويطلبن منها أن تمسح بيديها على رؤوسهن كي ينجبن ذكوراً، أو منهن من يردن الشفاء من مرض العقم، فتدعو لهن فتستجاب دعوتها.

الاعتقاد الشعبي

لعب اسم «مريم» دوراً في اعتقاد المجتمع تجاهها. نسبها المسيحيون إليهم نسبة إلى السيدة مريم العذراء، واعتقد بعض المسلمين أنها شيخة مسلمة صوفية، وبمرور الزمن اعتبرها العامة قديسة مطلقة.

من هنا حدث طقس معكوس الأداء. المسلمون يؤدون طقوساً على هيئة نذور تهدى في كنيسة العذراء، وهي عبارة عن خبز يطلق عليه «عيش مريم».

ويزور المسيحيون مع المسلمين مقام الشيخة مريم في يوم مولدها الذي يوافق يوم شم النسيم، موعد خصوبة الأرض الزراعية، ويؤدون الطقوس من دوران حول مقامها وصنع الخبز وتوزيعه بالمقام.

الخبز عبارة عن عجينة تترك لمدة ساعتين، ويوضع عليها الدقيق وبه كمية كبيرة من مادة الخميرة (التي يعتقد فيها أنها تحمي صانع الخبز من الأرواح الشريرة)، ويقل به الملح، ثم تُشكل على هيئة كعك وتطهى على النار ثم يخرج ويحملها المؤدون للطقس في أوانِِ وسلال، وأغلب من يؤديه النساء.

عند أداء هذا الطقس تُغنى أغنيات تصف الشيخة بالبيضاء الجميلة ذات الأصل الطيب التي كانت ترتدي الشملة الحرير الخضراء التي تدل على طهرها.

زرعنا القمح وقلعنا الزرع       وأنت البيضاوية

إحنا وأنت ع الزراعية       يا مريم بنت الأكابر

والله لاخبز لك عيش فاخر        وأنت البيضاوية

يا أم الشال أخضر وحرير         ه ه ه هاي

لأعملك حمام وفطير         طيري يا شايلة الفلاحة

زرعنا القمح وقلعنا الزرع      وأنت البيضاوية

الطواف بالمقام

يهتم مريدو الشيخة بالطواف حول مقامها، ويجلسون بجواره معتقدين أن روحها تحل بالمكان. ويعتقدون أيضاً أن سماع الإنشاد الديني في مولدها جزءٌ من هذا الطقس كي ينالوا رضاء الشيخة، لذا ينسج المنشدون أناشيد في حلقات الذكر الصوفي خاصة في صفات الشيخة مريم.

منهم من ينشد قصة يظن السامع لها أن ما ينشده عن فتاة جميلة وكأنه يريد التغزل فيها، ويريد الاقتراب منها ويقع في غرامها وحبها الصافي، حتى لو كان مدركاً لأمور المحبين.

تقول إحدى الأغنيات على لسان صاحبها إنه عندما أخذ منها موعداً وكان في وقت الفجر، إذا بها تظهر جميلة فيسألها عن مكانها فتجيبه أن مكانها في مقام رفيع من الأولياء الذي يسمى بـ«الساحة العليا» (مصطلح يقصد به المتصوفون مقام عالِِ رفيع لا يصل إليه إلا من عرف وأحس بالمقامات الصوفية).

يا بنت يا مدلعة      يا بنت يا مشخلعة

بحبك يا حلوة       عجبي ما دام قلب قلبي محب

ما دام قلبي            في الهوى صياد

رحت اصطاد صادتني    أنا الذي حلّفتني وحلفت

وحالف ما اخون          وأنتي خونتيني

البنت مريم قالت          يا ولد في الفجرية

وأنت يا حلوة            تبقي ساكنة فين

قالت أنا ساكنة          في الساحة العليا

يذكر أن مدينة الفيوم بها عدد من مقامات الأولياء الذين يتردد الأهالي على زيارتها أهمها الروبي وخلف أبو قرعة وحابس الوحش.

المصدر

  • كتاب «تحت القبة شيخ. حكايات الأولياء». الدكتور إبراهيم عبد العليم حنفي.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية