خلع الحجاب بين الإجبار والرغبة في الانطلاق.. قصص 5 فتيات
«خلع الحجاب» كفيل بإشعال خصومات لا حد لها بين المؤيد والمعارض، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يتفق عليه الطرفان هو أن خلع الحجاب أصبح «ظاهرة» ملحوظة في السنوات الأخيرة.
وسط هذا الجدل المستمر يحاول «شبابيك» أن يستكشف الأسباب الحقيقية وراء خلع الحجاب من خلال حكايات الفتيات أنفسهن، وتحليل خبراء علم الاجتماع لهذه الظاهرة.
دوافع خلع الحجاب
- الإجبار على الحجاب
لم تكن تغريد ثابت قد تجاوزت الـ15 عاما عندما استجابت لرغبة أهلها في ارتداء الحجاب. أهلها اعتبروا أن مسألة الحجاب شيئا لا نقاش فيها. تقول لـ«شبابيك»: «أهلي كانوا بيسمعوا لشيوخ زي أبو إسحاق الحويني، وتحجيبي تم كنوع من الإجبار».
في هذا السن الصغيرة، لم تكن «تغريد» مقتنعة بالحجاب، ولم تزدها هذه الطريقة التي أجبرت بها عليه إلا إصرارا على خلعه. تضيف: «أهلي مكنوش عايزني ألبس الحجاب عشان ربنا، لكن عشان مظهرهم قدام الناس».
خمسة عشر عاما أخرى تمر و«تغريد» تعمل حتى تستقل عن أسرتها، وخلعت الحجاب في سن الثلاثين عاما، وتؤكد: «بقيت بشعر بارتياح لأني مش مضطرة أعمل حاجة لمجرد إرضاء الناس».
وكان هناك ثمنا لا بد أن تدفعه بسبب قرارها وهو علاقتها بأهلها. توضح: «أهلي مبقوش يكلموني أو يسألوا عليا بعد ما خلعت الحجاب».
- انهيار الرموز الدينية
ندى الرفاعي وُلدت وتربت في المنصورة ولها تجربة مختلفة تماما، اختارت أن ترتدي الحجاب بكامل إرادتها، ولم يجبرها أحد عليه.
تحكي لـ«شبابيك»: «والدتي كان تعلميها فرنساوي، ورفضت إجبارنا على الحجاب، رغم ضغط أهل البلد». جاءت المرحلة الجامعية، وبسبب حادث غرق أحد أقاربها أمامها؛ أصبحت «ندى» تخاف الموت كثيرا؛ فتحجبت، والتزمت دينيا، وانضمت لمجموعات سلفية في دروس المسجد، وارتدت الإسدال.
ووسط هذه المجموعات، وجدت الكثير من التناقضات التي نفرتها من الحجاب. تقول: «بعض دروس المسجد كانت بتقتصر على المنتقبات باعتبارهم أرقى وأكثر تدينا؛ حتى شيوخ السلفية الكبار كانوا متناقضين، ينصحوا الناس بالزهد ويركبوا عربيات أحدث موديل».
بدأت «ندى» تشعر أن هذا ليس الطريق الذي تريده. توضح: «كنت شايفة حتى أني أرد على التليفون في البيت حرام. وأصبحت بعامل أهلي وحش لأني شايفاهم أقل مني دينيًا».
وبعد صراع نفسي طويل خلعت الحجاب، فغضب والدها، وقاطعها بعض زملائها. تؤكد «ندى» أن: «ليس للأمر علاقة بالجمال.. لو ماشية في الشارع قرعة برده مش هلبس الحجاب. الفكرة أن خلع الحجاب خلاني أرجع لنفسي الحقيقية».
- غير مناسب لشخصيتها
لم ترتدِ مريم صادق الحجاب بسبب ديني، بقدر ما كانت تحاول إثبات أنها «مسلمة». «مريم» - التي فضلت الإشارة لها باسم مستعار- التحقت منذ طفولتها بمدارس الراهبات الفرنسية، وحصلت على شهادتها من فرنسا؛ وبسبب تعقيدات معادلة الشهادة، لم تستطع الالتحاق بالكلية التي تحلم بها، ودرست اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة القاهرة.
وفي كلية الآداب بدأ يتضح اختلافها. تقول: «كنت غريبة عن المجتمع ده، اسمي ميدلش أني مسلمة، ومكنتش محجبة، وكمان كنت بلبس سلسلة فيها مفتاح الحياة الفرعوني، وزمايلي كانوا معتقدين أنه صليب».
الأمر تعقد كثيرا عندما تقدم لـ«مريم» شاب مسيحي؛ أحبها وأراد الزواج منها، وهنا قررت ارتداء الحجاب لمنع الظنون حول كونها مسلمة.
لم يكن هذا هو السبب الوحيد. توضح أن: «الكلية كانت مليانة بتيارات دينية متشددة، كانت بتستخدم التخويف لإقناع البنات بالحجاب، وبيقولوا لنا أن اللي مش هتلبسه هيكون مصيرها النار».
ومنذ أن ارتدت «مريم» الحجاب؛ وهي تفكر في خلعه لمدة 11 عاما.. «مكنتش مرتاحة، كنت حاسة أن ده مش أنا ولا ده أسلوب حياتي».
تفاجأ أهلها بالقرار، وقاطعتها والدتها شهرا كاملا؛ لكن المشكلة الأكبر التي واجهتها هي تجاوزات الشباب ضد من تخلع الحجاب.. «بحكم عملي في الإعلام، فبتلاقي المذيع المحترم اللي بيتكلم عن حقوق المرأة، هو نفسه اللي بيبقى عايز يرافق البنت اللي خلعت الحجاب، ولو رفضت بيطلع عليها إشاعات أنها مش محترمة».
- عدم الاقتناع بفريضة الحجاب
خلعت أمينة عبد الله الحجاب في الوقت الذي كانت مصر كلها ترتديه. كان ذلك في التسعينيات، والجميع يدعو لارتداء الحجاب. التيار السلفي الذي تصاعد في هذه الفترة، مع بروز نجم الداعية عمرو خالد.
«أمينة» في الحقيقة هي ابنه لعائلة أزهرية، وكانت هي نفسها - قبل خلعها للحجاب - تتبع التيار السلفي الذي برز في الإسكندرية، مسقط رأسها. ارتدت الخمار في سن صغيرة جدا.
تقول «أمينة» لـ«شبابيك»: «كنت بسمع الشيخ وجدى غنيم، وياسر برهامي، وارتديت الحجاب الكبير، مكنش لفظ الخمار منتشر وقتها».
ثم كانت نقطة التحول عندما بدأت «أمينة» تكتب الشعر وتدرس اللغة والأدب، وتقرأ كثيرا عن أوضاع المرأة في الشرائع السماوية.
توضح: «قراءاتي في اللغة جعلتني أطلع على وجهات نظر، بتفسر معنى الحجاب بشكل مختلف، وبتقول إنه مش فرض، أو عادة قديمة عند العرب». ومن هنا لم تخلع الحجاب فقط، لكنها لم تعد مقتنعة بفريضته.
كان على «أمينة» بعد ذلك أن تخوض معركة كبيرة مع أهلها. تقول: «اتحبست في البيت بسبب خلعي للحجاب، لدرجة أن ضاع عليا التقديم في الجامعة، ودرست مؤهل متوسط».
الرغبة في الانطلاق
في بيت «نورهان» وعندما وصلت للمرحلة الإعدادية، كان إقناعها بالحجاب يتم بالحوار والمناقشة؛ لكنه حوار ليس فيه أي مجال للرفض. توضح «نورهان»: «والدي كان بيقنعني أني جوهرة ولازم تتغطى؛ كلامه كان مقنع في الوقت ده، لكن مكنتش عايزة ألبس الحجاب».
كبرت «نورهان» ووصلت للمرحلة الجامعية وكبر معها رفضها للحجاب، الذي لم ترَ أبدًا أنه مناسب لشخصيتها. تقول «كنت بحب وأخرج وأروح وأجري وأعمل كل حاجة نفسي فيها.. وكنت مقتنعة أن الحجاب مش مناسب لده، لأنه محتاج وقار».
لا تتخذ «نورهان» موقفا عدائيا من الحجاب، وهو في نظرها مهم لمن تريده وتقنتع به، وترى أن: «الحجاب في الإسلام مثل الرهبنة في المسيحية؛ مهم بالنسبة للي عايزاه ومقتنعة به، لكن مينفعش يجي بالإجبار».
وبعد خلعها للحجاب كان عليها أن تواجه المجتمع، الذي يتعرض بالمضايقات لمن يخلعن الحجاب. تقول: «كنت خايفة جدا، خصوصا وأنا رايحة أجدد البطاقة، وأتصور مرة تانية من غير حجاب».
يختلف «خلع الحجاب» والسبب واحد
عندما تخلع أي فتاة الحجاب، فالسبب الحقيقي هو عدم الاقتناع، مهما اختلفت الحكايات والدوافع الشخصية لكل فتاة؛ كما يقول أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، الدكتور طه أبو حسين.
«لكي يستمر الإنسان على أي سلوك، يجب أن يكون تصرفه ناتج عن قناعة؛ فمن ارتدت الحجاب لأي سبب آخر غير الاقتناع، مثل الحماس أو التأثر ببعض الدعاة والتيارات الدينية أو لسبب نفسي أو اجتماعي؛ ستخلعه عندما يزول هذا السبب أو التأثر» كما يقول «أبو حسين».
فكرة خلع الحجاب تتلخص في وجود قناعة راسخة أو عدمها؛ وهو الأمر الذي يؤكده، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، الدكتور جمال شفيق.
هل يتحمل الخطاب الديني مسئولية خلع الحجاب؟
من بين خمس فتيات تحدث معهن «شبابيك» هناك أربع حالات تأثرن ببعض الدعاة؛ سواء كان التأثر مباشرا أو من خلال الأهل أو أصدقاء الجامعة. فهل يتحمل الخطاب الديني مسئولية الأسباب التي دفعتهن لخلع الحجاب، مثل ضغط الأهل أو التخويف أو تناقض سلوكيات بعض الدعاة؟
هنا يختلف خبراء علم الاجتماع كثيرا؛ باختلاف التوجهات الفكرية المحافظة أو المتحررة؛ فالدعاة يتحملون المسئولية الأكبر في هذه الظاهرة كما يرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة جنوب الوادي، الدكتور مصطفى رجب.
المشكلة بدأت على يد بعض التيارات الدينية التي دعت للحجاب بالضغط والتهديد والوعيد، وفق رؤية رجب.
وحتى عندما ظهر الدعاة «المودرن» وهدموا الصورة المخيفة للداعية؛ لكن الجوهر ظل واحدًا، وهو الاهتمام بالأمور السطحية والمظاهر على حساب ترسيخ القيم الدينية.
للبنات.. أكتر من 15 فكرة مشروع مربحة تنفذ بالمنزل
- الدعاة لا يتحملون كل المسئولية
الرأي المحافظ يتبناه أستاذ علم الاجتماع طه أبو حسين، وأستاذ علم النفس أحمد شفيق، ويؤكدان أن النص الديني كان واضحا في «فرض الحجاب»، أما أسباب خلع الحجاب فأساسها عدم الاقتناع أولا؛ ثم أي شيء آخر يصبح مجرد «مبررات».
فحتى لو كان أسلوب الداعية يحمل نبرة الهجوم والتشدد؛ الفتاة المقتنعة بالحجاب، ستنتقد سلوك الداعية؛ دون أن تكره الفكرة نفسها؛ كما يقول «أبو الحسين».
ورغم ذلك لا يُعفى الخطاب الديني تماما. فلا يجب أن يتناول الخطاب الديني بطريقة تلقين الشعائر الدينية أو المظاهر فقط. فلابد أن يتناول الدين بما فيه من سلوكيات، وتصحيح للأفكار المغلوطة، وترسيخ للسلوكيات الجيدة عند الشباب، بطريقة تناسب عقولهم وتستطيع إقناعهم؛ ولا تدفعهم لتقليد كل «موجة» دون اقتناع حقيقي؛ سواء أكانت موجة ارتداء الحجاب أو خلعه؛ كما يقول «شفيق».
لماذا يتعرضن للهجوم دائما؟
حكايات الفتيات تختلف في تفاصيلها، لكنها تتفق على شيء واحد وهو التخوف من التعرض لمضايقات، سواء من الأهل أو المجتمع أو التعرض لتجاوزات أخلاقية.
فالفتاة التي تخلع الحجاب تتعرض للهجوم لأنها تجاوزت «خط استراتيجي» بالنسبة للمجتمع، كما يقول «أبو الحسين». ويضيف: «هذا هو تفكير المجتمع الذي نعيش فيه؛ فالمحجبة يكون الانطباع الأول عنها جيدا وتكون محل احترام مؤقت؛ مقارنة بغير المحجبة التي ينظر إليها أولا على أنها «محل شك».
ويتابع: «حتى عندما تخطئ المحجبة تصبح محل نقد سريع لأنها في نظر المجتمع خرجت عن الإطار الجيد الموضوع لها؛ بعكس غير المحجبة الذي ينظر لها المجتمع نظرة سلبية أولًا».