عقبالكوا يا حبايب لما تحجّوا زينا.. هكذا يغني المصريون للحج

عقبالكوا يا حبايب لما تحجّوا زينا.. هكذا يغني المصريون للحج

برع المصريون عبر التاريخ القديم والحديث في تحويل معتقداتهم الدينية إلى طقوس تصحبها الأغاني، وهو ما قد يراه البعض بدعة لكنها في النهاية تبقى طقوساً يتسم بها المصريون دونا عن غيرهم.

رغم تقدم وسائل المواصلات تظل الاحتفالات ومكانة الحج إلى وقتنا هذا لها قيمة كبيرة في نفوس الجماعة الشعبية في صعيد مصر وريفها.

العادات لم تتغير كثيراً في القرى والدلتا أيضا. يتجمع الناس لتوديع الحجاج ويذهبون معهم بالسيارات حتى صعود الناقلة أو الطائرة، ويضعون الرايات البيضاء فوق السيارات، تيمناً بالخير الذي يعود عليهم والبركة نتيجة الزيارة المباركة.

بعد سفر الحجاج يعتاد المصريون على تنظيف البيوت وطلائها بألوان زاهية وبيضاء، ويرسمون على واجهات المنازل رسومات تعبر عن وسيلة السفر التي يستقلها الحاج سواء كانت طائرة أو باخرة.

وقد يرسمون الكعبة المشرفة والمدينة المنورة أيضاً، ويكتبون فوق الجدار اسم الحاج واسم زوجته إذا كانت برفقته، وهم بذلك يستعدون لاستقباله بعد رحلة العودة.

أغاني التحنين

لنساء الصعيد والوجه البحري دور كبير في تلك الرحلة. ويقمن بإعداد ما يلزم الحاج من طعام وشراب، كما تقام احتفالية نسائية خاصة للغناء للحجاج يطلق عليها «أغاني التحنين».

و«التحنين» هي تلك الأغاني المنغمة ذات الإيقاع الهادئ والتي يغنيها النساء في وقت توديع الحجاج، أو وقت عودتهم أو أثناء غيابهم في رحلة الحج.

ويعبر ذلك الغناء عن الشوق والحنين لزيارة الأراضي المقدسة ووصف مناسك الحج ووسيلة المواصلات التي يستقلها الحاج والصعوبات التي تواجهه أثناء الرحلة، ووصف لحال أهله وشوقهم له أثناء غيابه.

وسمي ذلك النوع من الغناء بـ«التحنين» لأن الناس يقولون للمسافر لرحلة الحج «حج مبرور وذنب مغفور، والله يحنن عليك»، لأن الرحلة في الماضي كانت شاقة جداً ويمر خلالها الحاج بصعوبات كثيرة من تقلبات جوية أو قلة الزاد أو الازدحام الذي يزداد أثناء أداء المناسك، ولأن الجميع منشغلون بنفس الموقف فلا سبيل للمساعدة إلا من الله.

وسميت أيضاً بذلك لما بها من «حنين» لزيارة الأراضي المقدسة، وحنين للمسافر من أهله انتظاراً لعودته، وحنين منه لأهله أيضاً أثناء الرحلة التي كانت تستغرق شهوراً.

أغاني الصعيد

ومن أمثلة هذه الأغاني تلك التي تتحدث عن نساء وفتيات مقبلات على الزواج أو تزوجن حديثاً ورغم ذلك تركن ذلك وذهبن لزيارة قبر الرسول:

صبية بحنة (بيدها حنة) نزلت عاااا

ع الباخرة وصبية بحنة

صبية بحنة مشوّقة (مشتاقة للحج وزيارة النبي) عاااا

ع النبي ورايحة محنة

صبية بعنادي (صغيرة متزوجة حديثاً ذهبت للحج والزيارة) فوق جبل عاااا

عرفات صبية بعنادي

صبية بعنادي مشوقة عاااا

ع النبي ورايحة بلادي

ادونا الوصيفة يا اللي زرتوا

النبي ادونا الوصيفة (أي صف لنا أرض الحجاز التي بها الكعبة وقبر الرسول)

وتروى أغنية أخرى ما يقوله العاملون على السفن أثناء استقبالهم للحجاج والإبحار بهم للأراضي المقدسة:

وريس الباخرة قال هات يدك

خدتكم طيبين عقبال ما أردك

وريس الغليون (المسئول عن المركب التي تنقل الحجاج) قال هات إيدك

خدتكم طيبين عقبال ما أجيبك

وثالثة ترددها النساء أثناء إعداد زاد الحاج:

وقال غربلولي (إعداد الزاد والطعام للحجاج) ما غربلولي البنات

وقال اطحنولي وطحنولي البنات

وقال اعجنولي وعجنولي البنات

وقال اخبزولي وخبزولي البنات

وقال ودعوني وودعوه البنات

ورابعة أثناء إعداد احتياجاته من ملابس الإحرام:

وخد القروانة (وعاء لتناول الطعام بشكل جماعي) دا ولاد

العرب ع العد يامه

وخد أبيض ولفه

ف الحرم يا محاى لبسه

وخد أبيض (ملابس الإحرام) ولفه عند حرم

النبي يا محلاه في لبسه

خد أبيض وشيله عند حرم

النبي يا محلى غسيله

وخامسة تهنئ الحجاج بأداء مناسكهم:

ينادي المنادي فوق جبل عرفات

فوق جبل عرفات ينادي المنادي

روحوا يا حجاج بلغتوا المراد

فوق جبل عرفات ينادي عطية

روحوا يا حجاج زيارة هنية

أغاني بحري

وفي الوجه البحري يردد الناس بعض الأغنيات مثل تلك التي تعبّر عن فرحة أهالي الحاج وذويه بأداء مناسك هذه الشعيرة:

وركبوا القطار

خدهم يومها وطار

على النبي المختار

لأرض الحبيب

وركبوا البابور (الوسيلة التى تقل الحاج للأراضي المقدسة وغالباً ما تكون الباخرة)

لبهي النور

وقلبهم مسرور

رايحين للحبيب

وثانية تحمل نفس المعنى:

يا رب توعدنا

ونحج بيت الله

ونحج بيت الله ونزور

سيدنا النبي اللي عليه النور

آن الأوان صفر يا بابور

ونحج وننول فرحتنا

وثالثة يطالب مرددها بسفره مع الحجاج:

يا رايحين للنبي خدوني خدام ليكو

أشاهد نور النبي وابقى من مراعيكو

ورابعة تحمل المعنى ذاته:

نبينا يا نبينا

يا داخل الجنة بينا

نبينا من جماله

جريد النخل طاطى له

يا هنا من راح وزاره

وخامسة تقول:

رايحة فين يا حاجة يا أم الشال قطيفة

رايحة أزور النبي محمد والكعبة الشريفة

وأخرى تقول على لسان الحاج:

يا فاطمة يا بنت التهامي

افتحي لي الباب يا فاطمة أبوكي دعاني

أغنية أخرى تؤكد أن أداء طقوس الحج وزيارة قبر الرسول دواء لكل العلل والأمراض:

بالليل ما بنامشي

والنوم جفاني وحتى الأكل ما باكلشي

بقالي مدة نايم على فرشي

جابو الطبيب يكشف عليّ

قلت له إيه يا طبيب اللي فيّ؟

واللي توصفه يمشي

قال لي دواك تزور النبي

قلت أروح على القدم أمشي

وسبت بلادي وولادي

وطلعت ع الهاشمي القرشي

لقيت الروضة الشريفة

جمالها ما يوصفشي

ياللي معاك المال قوم يلا ما تخفشي

كان الحجاج في زياراتهم لبيت الله الحرام، يأخذون بعضاً من الزروع (القمح والذرة)، لإطعام الحمام الموجود في ساحة المسجد الحرام وخارجه، وهي عادة قديمة اعتادها الحجيج في غالبية قرى مصر. وسرعان ما تلاشت تدريجياً، وهذا ما تعبر عنه إحدى الأغنيات بهذه الكلمات.

كل يا حمام الحما

عقبال ولادنا ييجوا هنا

وتتطرق أغنية إلى الأضحية التي تمثل أحد مناسك الحج، وتدعو الآخرين ممن لم يؤدوا هذه الفريضة إلى أدائها، عندما تسمح الظروف المالية.

حاجج يا حاجج

ريحتك روايح

من دم الدبايح

عقبالكوا يا حبايب لما تحجوا زينا

والجو يبقى رايق والجيوب متحينة

كما يدعو المغنون لأهل الحجيج وذويهم بالعودة المأمونة بعد قضاء المناسك وزيارة قبر الرسول.

يا نبي ياللي ناديته

رجعه سليم لبيته

وتشير أغنية إلى أن الحجاج يتركون الضغائن والفتن بمجرد دخوله الأراضي المقدسة:

مدينتي ومداين

خشينا ع الحبيب طفينا الفتاين

وتتغزل أغنية أخرى بماء زمزم وبركتها:

حلاوتك يا زمزم ميتك شربات

انشالله يشربوا منك كل الحيات

المصدر

  • * كتاب «أغاني النساء في صعيد مصر. الأعراس. البكائيات. التحنين». محمد شحاتة علي     * «أشكال من الغناء الشعبي في الشرقية». حامد أنور

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية