أحمد فتحي يكتب: «قرار الانتحار».. هل نستطيع ونملك الاختيار؟

أحمد فتحي يكتب: «قرار الانتحار».. هل نستطيع ونملك الاختيار؟

من منا لم ينعت الحياة يومًا بالقسوة والظلم ومرارة العيش، وبعدها نواصل مسيرها باستماتة ونعشق تفاصيلها.

منذ أيام كتب طالب بجامعة الأزهر، عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، أنه يفكر في الانتحار، والذي يمنعه كان واقع الصدمة على المقربين منه.. نعت الحياة ولكنه لم يستطع عودة المسير مرة أخرى ورحل باختياره!

قبله كان شاب آخر أعلن أنه سئم انتظار كل شيء، مراحل عمره ودراسته وتدرج مسيرة حياته.. حتى إشارات المرور وزحام الطرق سئم منهم، ليبث بعدها فيديوهات يتحدث فيها عن الانتحار وظروفه وطرقه المتعددة، وأجرى تصويتًا حول أفضل طريقة للانتحار، فاعتقده أصدقاؤه أنه يمزح وبعدها بساعات قليلة كان انتحاره.

في الفترة الأخيرة تناولت مواقع الأخبار المصرية نحو ثلاث حوادث لأشخاص قرروا وضع نهاية لحياتهم تاركين قصصًا مأساوية تحمل تفاصيل الحزن واليأس والاكتئاب.. من قبلهم كان الآخرون والأخريات ومن بعدهم يأتي ما لا تحصرهم الأعداد.

هؤلاء مفقودون في واقع مظلم شباكه منسوجة من اليأس، وفرط الإحساس بالعجز، والقهر والشك، وعدم القيمة وعدم القدرة على الاستمرار والتحمل، لا يملكون أدنى طاقة للوقوف أمام مناورات الحياة وإحراز أي انتصار عليها، أو تحقيق ما يأملون بقوة الإرادة، أو الانتظار حتى تنتهي حياتهم من تلقاء نفسها.. يقررون وضع النقطة الأخيرة في قصتهم القصيرة التي لم تتم بعد، تحتوي على العقد فقط دون لحظة تنوير واحدة ولم تشتمل سوى على سؤال واحد فقط: «لماذا نعيش؟»

في مجتمعنا هذا تكمن أقصى طموحات شباب دولة من «العالم الثالث» في العيش بمكان أقرب للاستقرار وأبعد بكثير عن أي نزاعات اجتماعية أو سياسية أو دينية، الفقر لا يعرف طريقه، والعنصرية لن تطرق يومًا بابه.. والفساد والجرائم كلمات لم تدخل قاموسه.

أغلبهم هنا يأمل في منزل وزواج وراتب يغنيه عن الديون والاقتراض، ولا بديل لذلك إلا السفر، حتى يفرون هاربين ليدركوا بقعة يحلمون فيها بشبه أحلام بقية البشر في تحقيق إنجاز حقيقي أو بناء مجتمع غير افتراضي، أو التأثير في العالم بأي شيء إيجابي.. وهي الحقوق أصلًا وليست الأحلام!

كثيرون هنا باتوا يتعاطفون مع المدمنين والمنتحرين لواقع الحياة القميء، بل شرعوا وساروا في الطريق نفسه.

لم تسر الأمور كما خُطط لها.. كل شيء بات جحيمًا، ولا روح تستمتع بأي تفاصيل للحياة وما من إنجاز يتحقق.. الدنيا وما عليها تتحول لكابوس متكرر يُطارِد دون رحمة ولا توقف.. ولا مجال لالتقاط أي أنفاس ربما تعيد الأمل والمسير الصحيح نحو الأمان.. أمان النفس والقلب والمعتقد.

المنتحرون ضحايا جلدات خيبة الأمل، والعزلة، وعدم الانسجام، وفقد الذات، واليقين بأن الوضع السيء لن يتبدل أبدًا.. جلدات تصيب إيمان القلب ومن لم يتخطاها بسلام يغرق بدوامة فيها اختلاط المبادئ والمعتقدات بالعجز، فتنهار كل قوى التحمل حتى الوازع الديني أساس كل شيء!

كثيرًا ما يدور أمامي الحديث عن الثوابت الدينية.. الإيمان بالله والأسس التي نسير عليها، والرغبة في الاستغناء عن الحياة.. عادة توجه لي بعض الأسئلة أعرف إجابتها جيدًا، وأخرى لا أملك ردود قاطعة عليها، فيكن الاستفهام عن سبب إيماني حتى الآن.. ألم أجد في الحياة كل عناء، ألم يتسرب إلى قلبي الشك؟

الحقيقة أن أي عابر دنيوي لا بد وأن يمر بمرحلة الشك حتى يتيقن، بل يؤمن.. طبيعتنا التأمل والتفكر ووضع المقارنات والسعي على البراهين بكل ما أوتينا من معطيات، وكلما طال الشك لا بد أن تزداد الرغبة في الإيمان.

«لم أقتنع يومًا أن الدنيا ستكون مريحة لو كانت منبسطة دون عقبات وإلا قتلتنا الرتابة والتكرار».

إذا استسلمت وأصبحت بلا إيمان -حينما أكره قبح الحياة في أوقات القهر واليأس- لن أمكث في الحياة للحظة واحدة، وربما أقنعت من حولي ليأتوا معي إلى أرض الشك وييأسوا كما يئست هذه الأرواح ومن سبقتها ومن ستأتي من بعدها.

الدنيا معادلة قوية لن يتحقق توازنها إلا بثنائيات وجودها منطقي وعادل: النجاح والفشل، الحب والفقد، السعادة والحزن، الغنى والفقر، هذه قواعد الحياة!

أمامنا الشك و«قرار الانتحار» أو الإيمان والسعي.. فماذا سنختار؟

هذا المقال مشاركة من كاتبه في إطار مسابقة «شبابيك» التي أطلقها في الذكرى الثانية للموقع.

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر