آلاء شوقي تكتب: أقاتل هنا أم يقتلني الحنين هناك؟!
كبرنا وصرنا نفكر في المستقبل، في البداية، في أثر بعد النهاية.. كبرنا وصار لنا في كل شارع أمنية، وعلى كل طاولة مقهى حلما، كبرنا وكبر معنا حلمنا وأملنا ووجعنا الأكبر وهو الوطن.
حين كنا صغارا ويسألنا الكبار: "عايز تطلع ايه أما تكبر؟" جملة أوحت إلينا بأن أحلامنا ممكنة، بل هي رسالة بأن لنا حق الحلم، وحين كبرنا علمنا بأن ما نريده لن يأتي دون قتال، دون سهر، دون تعب ولم نعترض .. آمنا بالسهر والتعب وبعزيمة القتال تمسكا بحلم الوصول
ليأتي الوطن ويوجه صفعاته إلينا ويأتي القدر ويخطو بقدمه على أحلام الصغار، ونسقط جميعا في سؤال حائر يدور فوق رؤوسنا ويصيبنا بالدوار : "هل أهاجر لأبدأ في مكان جديد أم أقاتل هنا لآخر رمق ؟!"، وصوت محمود درويش يدوي في عقولنا "لا شيء يعجبني ولكني تعبت من السفر"
لو كانت بلدنا أقل جمالا لذهبنا، لو كان البعد هينا لفعلنا، لو كان الشوق لن يقتلنا لما نحب ومن نحب لهربنا، ولكنها جميلة والبعد عنها موجع والشوق قاتل.
لم يعد أمامنا سوى القتال هنا في أرضنا علنا نجد وسط الطريق شيئا يهون وعورته، ضحكة طفل أو ابتسامة عجوز أو نظرة خجلة من عينين سوداوين.
نقاتل هنا بدلا من أن نموت من فرط الحنين هناك، الاختيار ليس سهلا، فأنت هنا تضطر للقتال من أجل بديهيات، تقاتل من أجل حريتك، من أجل وظيفتك، من أجل عملك، تقاتل صباحا ومساء، تقاتل حزينا كنت أم سعيدا، تقاتل لتعيش وتقاتل لتحب، وتقاتل لأجل من تحب، تقاتل لتخرج من الدائرة المرسومة، تقاتل لحقك في الاختلاف، فمجتمعنا يعاني صعوبة في تقبل كل ما هو مختلف، ويؤرقهم التفكير في كيف لا تتفق أولوياتك مع أولوياتهم، كيف لا تحمل نفس مبادئهم وترفع ذات الشعارات التي يرفعونها، مجتمع يعاني من ازدواجية مرهقة في الحكم على موقفك، مجتمع تسوقه العواطف بأكثر مما تفعل المبادئ .
لا أنكر آفات المجتمع ولا أدفن رأسي في الرمال وأقول أننا نعيش في المدينة الفاضلة، بل أكاد أعترف بأن الهرب قد يكون حلا لمن يقدر عليه، ولكنه ليس سهلا بل هو أقسى الحلول، الهرب أو الهجرة هو أن تساومك الحياة على الفرصة مقابل الحنين.
إن هربنا جميعا لن يبقى في وطننا أملا، ستصبح قطعة من جحيم يعبث بها أوغاد لا يحملون لها حبا كالذي نحمله لها، مكاننا هنا، على هذه الأرض الطيبة السمراء.
معا نكحلها ونجملها ونضحك لها علها تمنحنا ابتسامة تضيء وجهها وتزيل تجاعيد الزمن من فوق جبينها، فيكون لنا ولأبنائنا مكانا تحت شمسها الأصيل، لنقف لحظة الغروب مرفوعي الرأس ونهمس لمحبوبتنا بأننا لم نتركها ومشينا في صحاريها رغم وعورة الطريق.