حمدي شعبان يكتب: أنا شاذ إذاً أنا مشهور

حمدي شعبان يكتب: أنا شاذ إذاً أنا مشهور

يتصور البعض أنه بمجرد مخالفته لما هو مألوف سيصبح أكثر شهرةً ورواجاً خاصةً في ظل وجود وسائل التواصل الإجتماعي

الحقيقة أنه بالفعل سيصبح من المشاهير.

على مدى عقود طويلة نرى أُناساً يطمحون في الشهرة والظهور وأن يكونوا من مرتادي برامج التوك شو على الفضائيات العربية والعالمية إذا أمكن ذلك فلا يجد إلى ذلك سبيلاً غير أن يُخالف كل ما هو مألوف لدينا عملاً بمبدأ «خالِف تُعرَف».

إذا قُمنا بعمل عصف ذهني لعقولنا سنتذكر فترات أثرت فينا جميعاً ووقفنا عندها طويلاً بسبب ظهور بعض الشخصيات الراغبة في الشهرة والظهور بدأت بإدعاءِ أحدُهُم أنه نبي آخر الزمانِ مرورا بالمسيخ الدجال أو المسيح عيسى بن مريم غير أن أحدهم لم يجد جدوى من ذلك ففجر لنا مفاجأة مدوية رغبةً منه في القضاءِ على أفكارِ من كانوا قبله من المدٌعين ومحاولةً منه في أن يبلغ بتلك الفكرة الآفاق.

حيث ادعى أحدهم أنه الله الواحد الأحد، وما لبث ليلةً واحدة حتى تهافتت عليه العروض في العديد من الفضائيات لإستضافته ظناً منهم أنهم سيحظون بلقاءٍ حصري مع أهم شخصية أهداها إلينا التاريخ وفُتحت له أبواب القنوات وخصصت له مساحات لا بأس بها من الهواء ليستعرض أفكاره، وأعدت له العديد من المناظرات بحضور كبار شيوخ الأوقاف ليحاوروه.

وتبدأ المناقشات واستعراض الآيات والدلائل وتتهافت الاتصالات ما بين مؤيد ومعارض وتتوالى الشتائِم والسُباب لتزداد الحلقة إثارة وتشويق ومتعة، ويبتسم المحاور ابتسامة المنتصر ظناً منه أنه قدم وجبة دسمة لمشاهديه، وتَزيد المساحات الإعلانية ويصبح من أشهر إعلاميِيِ عصره.

وهنا يأتي السؤال هل هذه الظاهرة لشهرة صاحب الإدعاء سواء بالنبوة أو بالألوهية أم لشهرة المحاور والقناة الفضائية المحتضنة لمثل هذه الأفكار؟

أتصور أنها منفعة مشتركة. حيث يأتي أحدهم بفكرة جديدة تجذب انتباه رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وعنها يبدأ الاعلامي بالتنسيق مع صاحب الفكرة وأتصور أيضا أن الاتفاق ما بينه وبين المحاور والضيف يقوم على أن يقدموا حلقة نارية لا تخلوا من الشتائِم والسُباب في مقابل تسليط الضوء على الموضوع برمته لصالح كل الأطراف ويبقى المشاهد العادي أسير تلك اللعبة الـ....

لا تقف الأفكار الغريبة عند حد الدين فقط بل تمتد إلى التابوهات الأخرى «فما لا يدرك بالدين يدرك بالجنس».

فما أن ننتهي من فتوى إرضاع الكبير حتى يهل علينا المتحولون جنسياً يملأون القنوات وتبدأ نفس التمثيلية بأبطالها المعتادين «المحاور، الضيوف ، المعلنين» ويظل المشاهدون ملتزمون بمقاعدهم فلا يزال العرض مستمر.

فأنت عزيزي المشاهد على موعد مع أهم حدث لهذا العام حيث تنبئ برامج التوك شو هذا المساء بظهور من يسمون أنفسهم بالمثليين «الشواذ جنسيا» فالشذوذ أصبح في كل شئ دين أو سياسة أو جنس، ومادام العرض مستمر والإتفاق لا يزال سارياً فلا شك سيتواجد المشاهير بصحبة المحاور والضيوف وستبدأ المناظرة خلال دقائق ويتكرر نفس الفيلم «الهابط» الذي اعتدناه، وسيظهر في الأُفق هذه المرة المدافعون عن الحريات ويطالبون الدولة بالاعتراف بهذا النوع الجديد وإعطائهم مساحات ليعبروا عن أنفسهم وينشروا فكرهم من باب حرية التعبير والإعتقاد.

لسنا ضد حربة التعبير والاعتقاد ولكن بما لا يخل بثوابت مجتمعنا الشرقي المتحفظ، ومادام الأمر يتعلق بهدم ثوابت اجتماعية وقانونية وصحية وأخيرا دينية فلا مجال لطرح فكرة الحريات.

إن دعاة الشهرة والمدعين وراغبي الأضواء لم ولن ينتهوا بعد، لكننا كمشاهدين سئمنا تلك العروض «المقززة». فيا أصحاب القرار أميتوا تلك الأفكار بتجاهلها وأحجبوا عنها أضوائكم كي تُطفِئوا نورهم ونارهم فلا شك أن هذا الأمر لا يتعدى كونه "شذوذا فكريا".

هذا المقال مشاركة من كاتبه في إطار مسابقة «شبابيك» التي أطلقها في الذكرى الثانية للموقع.
 

 

 

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر