صفاء أحمد تكتب: الفيلا المهجورة

صفاء أحمد تكتب: الفيلا المهجورة

اعتادت كل يوم وهى عائدة من عملها إلى المنزل أن تسلك تلك الشوارع الهادئة بعيداً عن الزحام وضجيج السيارات، فبعد يوم شاق من العمل تحن إلى بعض الهدوء.. كل يوم نفس الطريق تمشي فيه وحيدة، فبالرغم من خوفها المتكرر من هذا الطريق إلا أن حاجتها للهدوء تجعلها تمشي فيه مسرعة وهي تلتقط أنفاسها حتى تصل إلى منزلها.

فهذا الطريق شهد أول مشاعر خوف ولدت بداخلها حيث الفيلا المهجورة.. أساطير كالخيال عن هذا المكان مرة عن جثة تتحرك ليلاً ومرة عن أصوات وأحياناً خيالات لأشخاص غير موجودة وغيرها من الحكايات التي كانت تسمعها من صديقاتها فى المدرسة عن تلك الفيلا المهجورة.

وبالرغم أنها كبرت وعلمت أن هذه القصص من وحي الخيال إلا أن مشاعر الخوف التي كانت تشعر بها تتجسد في كل مرة تمر بها من هذا الطريق.. كانت تمشي مسرعة دون النظر يميناً أو شمالاً بالرغم أن مرورها من هذا الطريق لا يتعدى الدقائق إلا أن ذكريات الطفولة تمر بعقلها عن هذا المكان لحظة مرورها من أمام هذه الفيلا، ولكن في لحظة من الصحوة والشجاعة قررت أن تكسر هذا الخوف غير المبرر وقفت أمام باب الفيلا ولحسن الحظ كان الباب مفتوحًا، وكانت الصدمة!

الفيلا غير موجودة، هذه الأسوار العالية محاطة بالفراغ، كل ما شعرت به وهي صغيرة كان وهمًا لاوجود له على أرض الواقع، في تلك اللحظة وقفت مذهولة أمام الباب وتذكرت كل ماتخشى منه في حياتها، مرت بها كل المواقف كشريط في عقلها، كل شيء يجب أن يكون بحسابات دقيقة  لاتحتمل الخطأ.. الخوف من السفر وحدها، الخوف من ترك عملها والبحث عن شغفها الحقيقي ومستوى أعلى من الإشباع وتحقيق الذات. والخوف من الوقوع في الحب، الخوف من الزواج، الخوف من المغامرة في أي شيء وغيرها من القرارات المؤجلة تحت مسميات مختلفة.

استكملت طريقها وهي تسأل نفسها هل كل ما نخاف منه في حياتنا مثل تلك الفيلا المهجورة؟ سور محاط بفراغ لا وجود له في الأساس؟ وهل من الواجب علينا تجاه قلوبنا أن نسكن هذا الكائن الصغير بداخلنا ولا نسمح له من التمكن منا وأخذ القرارات بدلاً منا وأن هناك الكثير من فرص للسعادة والحرية ضاعت تحت مسمى الخوف.

وأخذت تضحك ساخرة من نفسها عن كل تلك السنين التي شعرت فيها بالخوف وهي تمر من أمام هذه الفيلا ومن أي شيء أرادت تغيره وخافت من التجربة.

منذ هذا اليوم تغير مفهوم الخوف لديها، أصبحت تراه كائنًا صغيرًا إن سمحت له بأكثر مما يستحق سينمو بداخلك ويتكمن منك ويأخذ القرارت بدلاً منك، وأن أكثر مانخشاه هو أكثر شيء لا وجود له على الأرض كأسوار هذه الفيلا المهجورة، وأن هناك الكثير من فرص للسعادة والحرية ضاعت تحت مسمى الخوف فكلاً منا لديه فيلا مهجورة بداخله محاطة بسور من وحي خياله فقط.

ومنذ هذا اليوم أصبحت ممتنة لهذه الفيلا المهجورة، تمر من أمامها كل يوم وهي مبتسمة وتقول في نفسها شكراً لك أنا الآن أمر بسلام.

هذا المقال مشاركة من كاتبه في إطار مسابقة «شبابيك» التي أطلقها في الذكرى الثانية للموقع.
 

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر