سارة السباعي تكتب: فتاة الريف
بالأمس القريب كنت فتاة أجلس في حوش المعهد الأزهري بالقرية المجاورة لي أتكلم مع زميلاتي وأحكي لهم عن حلمي بالانطلاق من هذه القرية والذهاب إلى المدينة لأحيا حياتهم فأنا أكره أسوار القرية المغلقة على أهلها وأكره ضيق عقول بعض الناس فيها أريد الخروج منها والاستمتاع بتجربة الأمور المختلفة.
اتخذت من المذاكرة سبيلاً للوصول إلى غايتي وبذلت قصارى مجهودي في المرحلة الثانوية ووفقت بها بمجموع 95.4% ولكنه في التنسيق الأزهري لا يكفي لفتاة أن تحقق أحلامها. أصبت بالإحباط الشديد كيف لي ألا ألتحق بكلية الهندسة التي نسجت خيوط أحلامي على أمل الالتحاق بها والخروج من القرية والذهاب إلى جامعة الأزهر، كيف لمجهودي أن يضيع سدى هكذا في لحظة، كيف لأحلامي أن تتداعى أما ناظري هكذا وشعرت بالضيق ما الذي ينتظرني! ياله من ظلم تعرضت له!!!
قضيت أيامًا أندب حظي وتمردت على حالي، لن أكمل دراستي، دعمني والدي كثيرًا وقال لي إنني سأذهب إلى جامعة الأزهر كما أريد وسألتحق بـ«تجارة إنجلش»، ولكن حين ذهبت للتقديم ومررت بكلية الهندسة أصابني الضيق وشعرت بوخزة في قلبي وصوت يتكلم داخل عقلي ليس هذا مكانك؟! فسألت نفسي إلى أين أذهب؟ أليس هذا حلمي؟ رد علي الصوت ستكلفين أهلك ما لا طاقة لهم به! ونظرت إلى السماء وأنا أدعو الله أن أكتب لي الخير حيث يكون.
رجعت إلى قريتي وأنا مصممة على التحويل إلى كلية الدراسات الإنسانية قسم اللغات والترجمة بتفهنا الأشراف- جامعة بناها أهل القرية الشرفاء ليصونوا بناتهم من جهد الواصلات ومن المضايقات التي قد يتعرضوا لها.
التحقت بالجامعة وأمضيت السنة الأولى كئيبة حزينة ولا أريد أن أكمل دراستي بها. ناشدتني أمي قائلة «ستضيعين مستقبلك» وأجيبها «مستقبلي معروف مدرسة تعطي الدروس الخصوصية لأنه ليس هناك مكانًا شاغرًا لي بالتأكي»" وخالفني حظي بالتوفيق! نعم! فقد كنت أتمنى السقوط حتى لا أكمل في هذه الكلية الصعبة التي تحتاج إلى جهد كبير وأنا ما عدت أرغب في بذل المزيد من الجهد! وعند حصولي على تقدير «جيد» في أول سنة دون مذاكرة رأيت الأمل يشع نوره من جديد! إذًا سأخرج من هذه القرية بعد تخرجي لأبحث عن شركات ومكاتب الترجمة سيرحبون بي ولكن في كل حين يأتيني الإحباط في زيارة متأخرة من الليل ويقول لي يا لكي من ساذجة ستذهبين إلى أين؟ هل سيتركك أباك تغادرين بسهولة هل سيجعلك تذهبن إي مكان بعيد عنه لتحققي ما تزعمي أنه حلمك؟! وجاءتني أسخف فكرة عرفتها! إذًا الزواج هو الحل! نعم سأتزوج من شخص بعيد عن القرية يجعلني أحقق ما أحلم به! وتقدم لخطبتي شاب في الثلاثين من عمره من الإسكندرية ويعمل في أحد دول الخليج ورأيت أنه هو الحل فوافقت على الفور برغم فرق السن الكبير بيننا (11 سنة) وأنا لا أعرفه ولم أره إلا مرة واحدة ثم سافر إلى عمله وكان التواصل بيننا كتابةً عن طريق الفيس بوك طوال سنة كاملة. ولكن بعد مرور السنة ولم يكتب لنا الله نصيبًا مع بعضنا فقدت الأمل من جديد لم أحزن عليه بل حزنت على حلمي الضائع الذي لن يتحقق إلى الأبد.
وحصلت في الأخير على تقدير «جيد جدًا» وزاد حلمي شغفًا! سأنطلق بالتأكيد إلى المدينة! فأبوابها ستستقبلني مرحبة بي بالتأكيد! ولكن حينها كنت قد اتخطبت لزوجي الحالي وهو من قريتي شاب طيب الأصل وحسن المعشر يشجعني ويقف دائمًا إلى جواري ويحبني كثيرًا وبعد تخرجي كنت أبحث عن العمل كمترجمة والتحقت بشركة ترجمة في المنصورة لمدة شهر وكنت حديثة عهد بالعمل وانصدمت في طريقة تعامل مديري معي فقد كان كثير التهجم والتكشير بوجهي لأنني على حسب تعبيره لست على مستوى الشركة المطلوب؟ وراودني السؤال إذا كيف وافقتم بي؟ وأجابه زميل لي في الشركة «مستواكي كمبتئة جيد جدًا ولكن هذه الشركة لا تريد المبتدئين بل تريد المتمرسين لكي يزيوا من أرباحها هي وجميع الشركات، الطريق أمامك طويل فاصبري وتشجعي وطوري من نفسك» و رأيت طريق العمل الحر «الفريلانس» يفتح أبوابه لي لأحقق ذاتي وحلمي وأنا في مكاني في قريتي التي أحبها وأريد الخروج منها. تعرفت على الكثير من الأشخاص وأنا في مكاني وتعاملت مع كثير من الشركات وأنا في مكاني فخرجت من أسوار القرية المغلقة وأنا في مكاني!!
وجاء الوقت لأنبذ فكرة الخروج من القرية التي أعلق عليها آمال تحقيق أحلامي، فالأحلام والطموح لا يحدهما أسوار ولا يقف أمامها المستحيل، لن أحقق حلمي إلا إذا خرجت من القرية؟! ياله من كلام ساذج من فتاة كانت ساذجة، واليوم هي أم لأجمل طفل «القاسم» طفلي الذي قسم بين الحقيقة والخيال، الذي قسم بين حلمي وبين مخاوفي فرأيت في عينيه التي تُشبه عيني بريقًا يلمع ويقول لي «أنا من سينطلق يا أمي، أنا من سنتتظره الأحلام»