سارة محمود جوهر تكتب: توأم الروح

سارة محمود جوهر تكتب: توأم الروح

وما الحل ياصديقى نحنُ كائنات عاطفية تهوى وتعشق وتحب ثم تخسر من أحبته بالفراق والموت أو بالرفض والخذلان، مالحل إذًا كيف نهرب من الإيذاء النفسي الناتج عن الحب؟ هل نغلق الأبواب على أنفسنا ونعتزل العلاقات العاطفية والإنسانية أم نخلد إلى أنفسنا ونتخلى عن علاقتنا بعائلاتنا وأصدقائنا أم ماذا، كيف نواجه الأذى الناتج عن كل فراق أو خذلان عاطفي أى ماكان تصنيفه.

لا يعقل أن ننعزل عن العالم فنحن كائنات اجتماعية بالفطرة، والإستثناءات التى نجحت فى العزلة والإنطوائية هى في الواقع شخصيات تعاني أمراض نفسية لاتستسطيع التواصل مع غيرها أوالدخول في علاقات إنسانية وإجتماعية، عدنا من جديد إلى الدائرة المغلقة أين المفر من الأذى النفسي الناتج عن الفراق أو الخذلان.

لاحظت أن البعض يلجأ إلى أسلوب كتمان المشاعر وتخزينها، بمعنى أنه يحب عائلته وأصدقائه ويخشى عليهم الضرر ويحطهم بالعناية والرعاية لكن فى حذر ودون أن يلاحظوا أسلوب مراقبته الصامت، ويتعمد إخفاء أى بادرة عاطفية قد تفلت منه سواء بالحديث أو الأفعال فيبدو للمحيطين به أنه بارد المشاعر و لايكترث، على عكس ما يحمله من شعور رقيق وعاطفة جياشة لاتظهر إلا عندما يخلو بنفسه.

قد تجده يبكى إذا تعرض أحد أفراد عائلته أو المقربين منه لوعكة صحية، أو لو غابو عنه لفترة أو أضطر للسفر بعيد عنهم، يظل يتابع أخبارهم يقدم يد العون لكن يجعل الأمر يبدو على أنه محض عائلي فقط وهكذا يعيش فى كبت وكتمان حتى لاتتحكم فيه عواطفه وخوفًا من الفقد والفراق، لكن هذا الحل يفشل دائمًا، فهؤلاء الاشخاص يعانون من ألم الفراق والخذلان أضعاف مايعانيه غيرهم وذلك بسبب كتمان مشاعرهم وأختزالها داخلهم.

أما البعض الآخر يميل إلى إظهار مشاعره بصخب يفوق المعتاد فتجده ينتقى الكلمات التي يوجهها إلى المحيطين به، ويتملق من حوله ويعاملهم بأسلوب مبالغ فيه، يتعلق بكل عابر ويلتصق به هربًا من الوحدة لكن مع هذا ينفض الجميع من حوله ويتركونه وحيدًا، قد يعودون إليه فى لحظات إحتياجهم لكنه يبقى بالنهاية كم مهمل .

الفراق والموت ياصديقى هو سنةٌ من سنن الله تعالى خلقه الله وابتلانا به كى نتعلم الركون إلى الله وحده وحتى لا نتعلق بأى شئ يشغلنا عنه، فتعلم التعايش مع الفراق وارضى به ولاتتهرب منه، وأعلم أن من رضى فله الرضا وسيجبره الله ويرضيه، ومن سخط فله السخط، كل منا لديه عزيز فقده بالموت وما يصبرنا هو معرفتنا أننا سنجتمع فى الحياة الأخرى ولانملك الآن.

أنا أعلم ياصديقى أن كل إنسان منا يحتاجُ إلى وليف يؤنس وحشته، وتستكين إليه روحه، وأننا بدون الحُب نغدو مجرد آلات لاحياة لها ولامشاعر، وأنناجُبلنا على الحاجة إلى شريك، كما أن أرواحنا تحتاج السكينة وتلتاع من الوحدة والوحشة.

ولكن هذا لايعنى أن تصطدم بكل عابر يمر جوارك وتدعه يستولى على جزء من نفسك ومن قلبك، هذا لايعني أن تعلق نفسك بمن لايعبأ بك ولايستحقك، أحفظ عليك قلبك فمرارة الوحدة أهون من مرارة الخذلان.

تعلم  الصبر على وحدتك وأمنح نفسك السكينة قدر إستطاعتك تعلم محبة نفسك حتى تستطيع محبة غيرك، و لاتبحث عن من يحبك حتى ترضى عن نفسك وتحبها فلن تجد من يفعل هذا مادمت أنت صاحب الشىء لا تقدره لا تنتظر أن يقدره غيرك.

تقبل نقاط ضعفك وحاول أن تغيرها للأفضل، أعطى نفسك حقها من الثناء لكن دون مبالغة وأنانية، أمدحها وكن رفيقًا بها لاتقبل على نفسك الإهمال أو الإهانة أينما كانت درجة صلتك بالشخص أو مكانة العلاقة فى قلبك، لاأحد يستحق أن تقلل من نفسك لأجله، من يحبك سيقدرك ويحتويك كما أنت وسيتقبلك ويقبل بك.

أهرب من العلاقات والأشخاص الذين يجعلونك تلهث خلف نيل رضاهم ولا يروون سوى عيوبك، جميعنا نمتلىء بالعيوب وأيضًا بالمميزات لأننا بشر علينا نتكاتف ونتعاون حتى نصل للأفضل لا أن ينتقد أحدنا الأخر ويقلل من شأنه، أو يهمله ويتجنب إحتياجاته الحسية والوجدانية، ماقيمة العلاقات التى لا تمنحنا السلام النفسى وتمحو عن شعور الوحدة وعدم الأمان لاتقبل بهكذا علاقات حتى تنجو من الخذلان.

ولاتقلق من الوحدة أو من الإنسحاب من العلاقات المؤذية أى ما كانت صداقة عمل عائلة إرتباط، فالله تعالى جعل لكل منا نصف يكتمل به، وخلق لكل منا ضلع يلتحم معه ولايستقيم بدونه، فحشاك أن ترضى الإلتحام بضلع لا يلائمك مخافة أن تبقى وحيداً فتنكسر كلك.

ما عند الله لاينفذ فثق بأنك ستجد نصفك الآخر كما تشتهى إن لم يكن على ظهر الأرض فحتمًا ستلتقيه بالجنة، فحافظ على قلبك نقيًا، وحافظ على رونق روحك حتى يأتي موعد اللقاء، اعمل دومًا على الوصول إلى جنتك وتذكر أن الحياة وإن طالت ستفنى فلا تغرك.

هذا المقال مشاركة من كاتبه في إطار مسابقة «شبابيك» التي أطلقها في الذكرى الثانية للموقع

 

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر