حياة الشاعر أحمد شوقي
التطوير هيكسبك كتير.. دروس من حياة أمير الشعراء أحمد شوقي
قد لا يعرف الكثير منا أحمد شوقي أمير الشعراء، إلا من خلال قصيدته «نهج البردة» التي مدح فيها الرسول، أو ببعض قصائد الغزل التي تغنى بها محمد عبد الوهاب، وأم كلثوم، وأشهرها أغنية «مضناك جفاه مرقده». والبعض الآخر قد لا يعترف بلقبه «أمير الشعراء» ولا يرى نجاحه الكبير إلا لكونه شاعرًا محظوظا تربى في قصر الخديوي فكان على قدر كبير من الثراء والنفوذ لا يتاح لغيره من الشعراء في مهنة «مبتأكلش عيش».
لكن حياة الأمير المترف أحمد شوقي، صاحبها الكثير من التحولات في تفكيره وطموحه، خصوصا بعد عزل الخديوي ونفي «شوقي» إلى إسبانيا، ليجد نفسه وحيدا ليس أمامه إلا أن يعتمد على نفسه لا القصر، وليتعلم كيف ينجح وينافس خصومه في ذلك العصر، وقد كان خصومه أدباء بحجم عباس العقاد وطه حسين.
فماذا يمكن أن يتعلم الشباب من هذه التحديات التي قابلت «شوقي» بعد الحياة المرفهة التي كان يعيشها قبل المنفى؟
كيف تستفيد من الظروف الصعبة؟
لأنه كان شاعر القصر الذي كتب في السياسة ومدح الخديو عباس حلمي الثاني، فقد نفاه الإنجليز إلى إسبانيا عام 1915 بعد إعلان الحماية البريطانية على مصر وعزل الخديوي ثم اندلاع الحرب العالمية الأولى.
في المنفى، لا مكان للهيبة والأضواء والمعجبين الذين أحاطوا بشاعر القصر، وأصبح «شوقي بيه» شخصا عاديا وحيدا شريدا في منفاه.
أصيب باكتئاب شديد، لم تستطع أمواله أو طبيعة إسبانيا الساحرة، شفاءه. وأحدثت الغربة تحولا جذريا في تفكير «شوقي». وأصبح البيه الأرستقراطي، أكثر إحساسا بوطنه وارتباطا بهموم الشعب.
وسَلا مصرَ: هل سلا القلب عنها ... أو أسا جرحَه الزمان المؤسّي
وطني لو شغلت بالخلد عنه ... نازعتني إليه في الخلد نفسي
وبدلا من أن ينطفئ نجم «شوقي» وموهبته بسبب ابتعاده عن الوسط الأدبي، عمل على تطوير نفسه بأسلوب مختلف. وبدأ يزور الآثار الإسلامية في الأندلس، ويقرأ كثيرا عن تاريخ العرب والمسلمين؛ عن الحضارة المصرية، ويكتب هموم الوطن الذي يُحرم على أبناءه ويباح للمحتل والأجانب من كل جنس.
أَحرامٌ عَلى بَلابِلِهِ الدَوحُ .. حَلالٌ لِلطَيرِ مِن كُلِّ جِنسِ
وكتب كذلك مجموعة قصائد بعنوان «دول العرب وعظماء الإسلام» التي يحكي فيها تاريخ العرب والمسلمين بداية من البعثة النبوية وحتى الخلافة الفاطمية.
مضى أبو بكر وولاها عمر.. الشمس لا تخلف إلا بالقمر
ما مال حائط الهدى حتى اعتدل .. والركن إن سد من الركن بدل
شاعر الشعب
وبعد أربع سنوات في المنفى عاد «شوقي» إلى مصر ليصبح «شاعر الشعب» الذي يكتب قصائده ليهاجم الاحتلال الإنجليزي، وتفرّق الناس بين الأحزاب والمصالح وعدم إعلائهم لمصلحة الوطن، ويشجع المصريين على استعادة بلادهم ومجدهم من المحتل، حتى انتخب للشعراء في العام 1927.
وجانب من الثرى يدعى الوطن .. ملء العيون والقلوب والفِطَنْ
التعلم في الكبر
كان «شوقي» في عامه الـ47 عندما نفاه الإنجليز إلى إسبانيا. ورغم سنه الذي اقترب من الخمسين عاما؛ فقد بدأ في تعلم اللغة الإسبانية، ليستفيد منها في مشروعه الأدبي، خصوصا في شعره عن الحضارة الإسلامية والأندلس. فرغم المكانة التي وصل إليها، لم يرَ أنه «كبير على العلم» أو أنه قد وصل إلى مرتبة في الأدب لا يحتاج معها إلى تطوير.
يقول ابنه حسين أحمد شوقي: «شرع أبي يتعلم الأسبانية، وقد تعلمها فعلا ولكن نطقه فيها لم يكن سليما؛ لذلك كان يثير ضحكنا كلما أخطأ في النطق أمامنا مما كان يغضبه ويجعله يصيح.. حقا انتم أولاد غير متربيين!»، وفقا لموقع متحف أحمد شوقي.
كن مواكبا للعصر
كان «شوقي» معاصرا لشعراء كبار مثل حافظ إبراهيم، وإبراهيم ناجي، مما يعني أن عليه الابتكار باستمرار وإلا سيحكم على شعره بالجمود. فكتب القصائد الغنائية في وقت أصبحت فيه «الموضة» هي التغني بالقصائد الشعرية، في أيام أم كلثوم، ومحمد عبد الوهاب.
ولم يجد أمير الشعراء أي انتقاص من مكانته في أن يكتب شعرا غنائيا بالعامية، مثل أغنية «في الليل لما خلي» التي غناها «عبد الوهاب» و«سلوا كئوس الطلا» لأم كلثوم.
«اللي يحب الجمال» عام 1928
أم كلثوم تغني وتتحدث عن أغنية «سلو كئوس الطلا»:
واستطاع «شوقي» أن يطوع شعره الفصيح ليكتب شعرا خاصا بالأطفال، الذي عرف بـ«الشعر التعليمي» وهو عبارة عن قصص شعرية للأطفال على ألسنة الحيوانات.
ما الجديد الذي ستقدمه؟
كانت هناك منافسة شرسة بين «شوقي» وغيره من الشعراء الذين قدموا القصيدة الغنائية. لكن «شوقي» - الذي يحمل طموحا كبيرا للغاية ،كما يصفه الناقد الأدبي عز الدين إسماعيل - قدم شيئا جديدا للأدب العربي، وهو المسرحيات الشعرية.
استغل أمير الشعراء اطلاعه الواسع على الثقافات الأوروبية، لينقل مشروع المسرحية الشعرية للأدب العربي، ولكن بأسلوب مستوحى من الثقافة والتاريخ العربي والمصري، وليس تقليدا صرفا للغرب؛ فكتب مسرحيات مثل «مصرع كيلوباترا» و«عنترة» و«مجنون ليلى».
مسرحية «مجنون ليلى» من تلحين رياض السنباطي
«فلم يكن يكفيه أن يكون الشاعر الأبرز في زمانه، فيقتصر نشاطه الإبداعي على فن القصيدة، لكن طموحه الأدبي كان يتجاوز هذه الغاية، فإحساسه العميق بمطالب النهضة الأدبية دفعه منذ شبابه إلى التطلع لآفاق أخرى من الإبداع الأدبي» هكذا يقول الناقد الأدبي الدكتور عز الدين إسماعيل في مقدمة كتاب «المسرحيات الشعرية لشوقي – الأعمال الكاملة».
انتهز الفرص
منذ دراسته في فرنسا كان يحلم بكتابة المسرحية الشعرية، وقد كتب بالفعل مسرحية «علي بك الكبير»، والتي لم تعجب الخديو الذي أراد له أن يكون شاعر القصر وحسب؛ وربما لم تعجب «شوقي» نفسه لأنه أعاد كتابتها بعد ذلك.
كان «شوقي» يحلم بمشروع الشعر المسرحي العربي، لكنه كان ينتهز الفرصة فقط للوقت الصحيح. فبعد عودته من المنفى، وجد أن المناخ العام مستعد للمزيد من التطوير في المسرح الذي بدأ يلقى قبولا معتمدا على المسرحيات المترجمة والسير الشعبية.
وعندما وجد «شوقي» أن المناخ العام مستعدا للتطوير، غامر بمشروعه الأدبي، والخروج من الإطار التقليدي للقصيدة، فكأنه أخيرا «وجد متنفسا لذلك الهم الثقافي الذي حمله في قلبه زمانا طويلا»، كما يقول الناقد الأدبي عز الدين إسماعيل.