الرأي الآخر في زعيم الثورة العرابية.. ماذا قال محمد عبده والرافعي بحق أحمد عرابي؟
عرفنا من بعض كتب التاريخ أن أحمد عرابي هو قائد الثورة ضد الخديوي توفيق الذي ساعد على تفاقم النفوذ الأجنبي في مصر.. لكن بعض من عاصروا الثورة كان لهم رأي آخر في «عرابي».. لا يخفي أحدهم إيمانة الشديد بالثورة العرابية أو إعجابه بشخصية قائدها.. لكنهم يحملوه في الوقت نفسه مسئولية فشل الثورة وسقوط مصر في يد الاحتلال الإنجليزي.. فماذا قال هؤلاء؟
الإمام محمد عبده
- عرابي يبحث عن النفوذ والسلطة
كان الإمام محمد عبده أحد أصوات الثورة العرابية، رآها وسيلة لتحقيق أفكاره الإصلاحية في المجتمع، وعندما فشلت الثورة بصورة لم يتوقعها أحد، دفع محمد عبده ثمن تأييده لها، فتم سجنه ونفيه خارج البلاد؛ وفقا لما جاء بكتاب «الأعمال الكامل لمحمد عبده» للدكتور محمد عمارة.
نحن الآن أمام رجل كان من أبرز مؤيدي الثورة العرابية، لكنه كان له رأي آخر في زعيمها، فقد كتب في سجنه قصيدة طويلة يحكي فيها عن أحداث الثورة وتأييد جميع أطياف الشعب لها، ثم الهزيمة المروعة بسبب ما حدث من تخاذل وخيانة قادتها.
وقائد الجند وافانا بلحيته ... يسيل رعبا وثوب العار كاسيه
وسلم السيف واستجدى بغفلته .. عفوا من الحَنِق المغزو خديويه
تخوف الذل واستدعى مطيته .. ركضا إليه فوافاه موافيه
«محمد عبده» يرى في «عرابي» رجلا يخاف على حياته ومركزه، فلم تكن الثورة هي همه الحقيقي بقدر المكانة والمنصب.. «أما عرابي فلم يكن يخطر في باله ولا يهتف به في منامه أن يطلب إصلاح حكومة أو تغيير رئيسيها، وإنما الذي أحاط بفكره هو الخوف على مركزه.. ولم يكن له هم سوى التغلب على ما كان بيد الجراكسة من الوظائف العسكرية للتمتع بما يتمتعون به من رواتب ونفوذ، لأنه هو وإخوانه أبناء البلاد أحق من غيرهم بمزاياها الخاصة».. كانت هذه كلمات محمد عبده وفقا لما جاء بكتاب «تاريخ الأستاذ الإمام» لمحمد رشيد رضا.
السياسي أحمد شفيق باشا
- لم يكن زعيما وطنيا
لم تكن مطالب أحمد عرابي في البداية إذًا مطالب شعبية، بل نشأت بسبب سخط ضباط الجيش المصريين بسبب التفرقة بينهم وبين الضباط الأتراك والشراكسة في الترقيات.. بهذه الكلمات يتفق السياسي المصري أحمد شفيق باشا مع رأي محمد عبده في «عرابي» وذلك في كتابه «مذكراتي في نصف قرن».
«عرابي» استطاع أن يجمع حوله أفراد الجيش المصري، ونجح في المظاهرة العرابية الأولى التي انتهت بوعد الخديوي توفيق بالترقيات وزيادة مرتبات الضباط وتشكيل مجلس النواب.
ولأن العرابيين خافوا من بطش الخديوي وعلموا بنيته في التراجع عن هذه القرارات، فقد عملوا على أن يستميلوا الرأي العام، ويحولوا حركتهم إلى حركة وطنية، وتحولت مطالب «عرابي» إلى السياسة ورفض النفوذ الأجنبي.
- عرابي أصابه الغرور ففشلت الثورة
السياسي المصري الذي عاصر الثورة يقول أن «عرابي» من هذه اللحظة أصابه «الغرور» الذي خيل إليه أنه يستطيع بمفرده مواجهة دولتين مثل فرنسا وإنجلترا.
«فاضت نفس عرابي غرورا وكِبرا وثقة، واعتقد أنه زعيم مصر الأكبر.. وخُيل إليه لما له من القوة يستمدها من التفاف الجيش حوله أنه قد غدا صاحب الكلمة النافذة وأن إليه مرجع الأمر كله دون الخديوي وحكومته».. كانت هذه كلمات أحمد شفيق في كتابه «مذكراتي في نصف قرن».
هذه الثقة الزائدة يلمح «شفيق» أنها كانت سببا في فشل الحركة العرابية.. يتابع في كتابه «ولم يقف غرور عرابي عند حد حكومته بل رسخ في ذهنه أنه لا خوف عليه من وقوف فرنسا وإنجلترا في طريقه لما بينهما من منافسة في السياسة المصرية».
المؤرخ عبد الرحمن الرافعي
لا يخفي المؤرخ عبد الرحمن الرافعي إعجابه بالثورة العرابية كفكرة أو كحركة وطنية مقاومة للإنجليز، حتى إنه يفرد كتابا كاملا بعنوان «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي» الذي يؤرخ فيه للثورة ويحلل أسباب فشلها.
- عرابي وعدم الكفاءة السياسية
ولا يخفي كذلك إعجابه بشخصية «عرابي» فهو في نظره قد توافرت فيه جميع صفات الزعيم.. شخصية جذابة، مؤثرة، تستطيع أن تجتذب حولها الجماهير العريضة.. «كان له تأثير السحر في نفوس سامعيه» كما يصفه.
ورغم كل هذا لا يستطيع «الرافعي» إنكار أن «عرابي» نفسه حمل بعض السمات الشخصية التي ساعدت على فشل الثورة وسقوط مصر في الاحتلال، بسبب عدم كفاءته السياسية.. فهو «لم يعلم نفسه بنفسه تعليما ناضجا، فقد تلقى في الأزهر بعض القشور الدينية وبعض المطالعات الأدبية مع كتابات الصحف في ذلك الحين.. وهذا المحصول لا يكفي لتكوين الرأس المدبر للثورات».
وإن كان «الرافعي» يلتمس له بعض العذر في عدم كفاءته السياسية، لكنه يلومه أشد اللوم على «غروره» الذي جعله يقصي أصحاب الكفاءة السياسية، ظنًا منه أنه قادر على قيادة الأمر وحده.
يتابع «الرافعي» في كتابه.. «ولو أنه عرف قدر نفسه واستعان برجل من معاصريه مثل شريف باشا قدير في شئون السياسة، لكان ممكنا أن تسير الثورة في سبيل النجاح إلى النهاية.. لكنه على العكس عمل على إقصاءه، فخسرت الثورة الرأس المفكر الذي كان يستطيع تفهم الملابسات السياسية وقيادة السفينة وسط الخضم الذي كانت تموج فيه».
- عدم الكفاءة الحربية
الثقة الزائدة قد تكون شيئا طبيعيا عند أي زعيم يلتف حوله الناس كالبطل الشعبي.. لكن «الرافعي» يعود ويقول أن هذه الثقة كانت تخفي وراءها الكثير من الضعف، فهو لم يكن على جانب من الكفاءة الحربية كذلك.
«أنا أقوى من دولة فرنسا».. «الإنجليزي كالسمك إذا خرج من البحر هلك».. كلمات ينقلها «الرافعي» عن «عرابي».. والذي يقول أنها لا تشير إلا لغرور وجهل كبير، فهو «لم يتلقَ تعليما عسكريا نظاميا ولم يتمرن على ضروب القتال قبل الثورة، ولم يتولى القيادة في المعارك الحاسمة التي نشبت بين المصريين والإنجليزي، مثل معركة التل الكبير التي لم يشارك فيها لا قائدا ولا محاربا».. كما جاء في كتاب «الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي».