هل كانت «الست» تغار من «حليم»؟!.. أسرار حرب الزمن الجميل

هل كانت «الست» تغار من «حليم»؟!.. أسرار حرب الزمن الجميل

«ما عدوك إلا ابن كارك»، جملة يرددها المصريون دوماً وثبتت صحتها في كثير من المواقف، فلا فرق بين مهنة متواضعة وأخرى سامية، الكل يندرج تحت الشعار بما فيهم فناني الزمن الجميل الذين يُفترض سيطرة مشاعر الحب والود على علاقتهم ببعضهم البعض.

وربما لا يعلم كثيرون أن حالة من الحرب الباردة والمكتومة سيطرت على علاقة أم كلثوم وعبدالحليم حافظ، ربما بسبب الشهرة التي وصل إليها كل منهما وربما لأسباب أخرى. الدكتور هشام عيسى الطبيب الخاص للعندليب روى أسرار تلك العلاقة في كتابه «حليم وأنا».

إعجاب من طرف واحد

عاش «حليم» كما عاش جيله في ظل الحضور الطاغي لأم كلثوم، ورغم أنه احتل مكانة في القمة التي شملت أم كلثوم والموسيقار محمد عبدالوهاب، ورغم أنه قليلاً ما اجتمع معها في الحفلات الغنائية، كما أنهما لم يلتقيا كثيراً في مناسبات اجتماعية، إلا أن الصداقة أو الود لم تكن أبداً ضمن عناصر العلاقة بينهما.

وفي حياته كلها لم يقم «حليم» بزيارة واحدة إليها، كما أن أم كلثوم بدورها لم تفعل هذا الشيء طبعاً، وحتى لم تقم بالسؤال عنه خلال أزماته المرضية، وفي العلن لم يحدث أبداً أن تبادلا الثناء على أدائهما الغنائي وهي مجاملات كانت تحدث بين كل أطراف الفن رغم الخلاف.

ورغم ذلك كان «حليم» من أكثر المعجبين بغنائها، ولم يفصح عن إعجابه بها حتى في الأحادديث الخاصة. وكان يقول إن الله أعطاها فكان سخياً في عطائه لها، وإن صوتها معجزة وأداءها منحة عثرت عليها داخلها ولا فضل لها بعد ذلك، وهو تعبير يضمر إعجاب الفنان الدارس وتغفله عن خصومة لها ما يبررها.

أما أم كلثوم ففضلاً عن أنها لم تذكر «حليم» بخير أبداً، فقد كانت تنحو إلى «اللمز» من بعيد. فعلى سبيل المثال صرحت أكثر من مرة أن الوحيد الذي يعجبها صوته وغناؤه هو محمد قنديل، وأنها لا تستمع لغيره من مطربي هذا الجيل.

خصومة علنية

بدأت الخصومة تطفو للعلن عقب إحدى الحفلات الغنائية التي كانت تقام في أعياد ثورة 23 يوليو. في البداية جرت العادة أن تحيي أم كلثوم الحفل بمفردها، ثم اقترح البعض أن يشارك عبد الحليم حافظ، وتمت الموافقة على هذا الاقتراح.

وكالعادة كانت كوكب الشرق تؤدي وصلتين ويقوم باقي الفنانين بملئ الفراغ بينهما، قبل أن تنهي هي أيضاً الحفلة. ولم يعجبها هذا الوضع وكانت تراه مرهقاً لها، فطلبت أن تتعاقب الوصلتان ثم يغني عبدالحليم في نهاية الحفلة.

وعندما بدأ «حليم» وصلته بدأ بالكلام قائلاً «أنا جعلوني أغني بعد أم كلثوم، وأنا لا أعرف هل هذا تكريم لي أم مقلب ضدي؟!». هكذا قلب «العندليب» المائدة وسجل أن غناءه بعد أم كلثوم قد يكون تكريماً له حيث تختتم الحفل بأفضل فقراتها.

استشاطت أم كلثوم غضباً وهي تستمع إليه، وقالت للعازف أحمد الحناوي الذي كان يجلس بجوارها: أرأيت ماذا يقول هذا الولد.. كيف أقدم على هذه الجرأة؟

بعدها أبلغت الرئيس جمال عبد الناصر رغبتها أن تغني وحدها في عيد الثورة، وأنها ترفض أن يشاركها في ذلك أي مطرب آخر. وحسماً للنزاع كان القرار أن تنفرد هي بحفلة 23 يوليو، ويقام حفل غنائي آخر في 26 يوليو، وهي مناسبة رحيل الملك فاروق من البلاد، ويقوم «حليم» بإحياء هذه الحفلة في الإسكندرية. وهكذا كسبت أم كلثوم الجولة ولكن الحرب بينهما ظلت مشتعلة. 

الصديق المشترك

ولسوء الحظ وليس لحسنه كان هناك صديق مشترك لأم كلثوم و«حليم» يبادلانه الحب والصداقة وهو أحمد الحفناوي عازف الكمان الذي كان يصاحب كليهما في الغناء، وكان متلهفاً للقيام بمبادرة تنهي الخلاف بينهما.

كانت كوكب الشرق تثق في «الحفناوي»، وتستدعيه عقب غنائها لتسأله عن رأيه، وكان أحد القلائل الذين يتلقون هدايا من أم كلثوم في كل مرة تسافر فيها.

أما «حليم» فكانت له يد بيضاء على «الحفناوي» لا ينساها. وكان قد احتاج لمبلغ غير قليل من المال لاستكمال بناء منزله فطلب من «العندليب» أن يقرضه المبلغ، فلم يتوان في ذلك، وحين أراد «الحفناوي» رد المبلغ رفض «حليم» تماماً رغم الإلحاح، ولم ينس «الحفناوي» ذلك وأراد أن يرد الجميل.

كانت أم كلثوم تغني في إحدى المناسبات، وبعد انتهاء وصلتها الأولى صحب «الحفناوي» «حليم» إلى غرفتها، وحالما شاهدت «الحفناوي» عند مدخل الغرفة تهلل وجهها وهي تقول: «تعالى يا حفن قل لي أنا عملت إيه النهاردة؟»

لم تكتمل الجملة وهي ترى «حليم» خلفه، وبدأ وجهها يتجهم ولم يتغير تعبيره، و«الحفناوي» يقول: أنا معايا «حليم» وعاوز يقّبل يد الست ويعبر عن حبه.

كان الصمت التام بعد التجهم هو رد فعلها الوحيد، وبعث ذلك الاضطراب في كل من «حليم» و«الحفناوي»، وتكهرب الجو وفجأة واصلت أم كلثوم الهجوم فقالت وهي تنظر لـ«الحفناوي»: طيب خلاص. ساد صمت كررت بعده الجملة عدة مرات وهي تستدير مخاطبة «حليم»: خلاص يا أستاذ خلاص، يعني اتفضل بقى.

خرج «حليم» بسرعة تاركاً «الحفناوي» يتلقى مزيداً من العتاب، وكانت عيناه تمتلئان بدموع القهر والغضب وأسرّها في نفسه.

ضربة العندليب


تلقى «حليم» الضربة ولكن الرواية لم تتم فصولها. وجاء الدور على عبدالحليم حافظ ليرد.

كان «العندليب» و«الست» في استراحة الرئيس أنور السادات في القناطر وكان الرئيس يحتفل بعرس إحدى بناته، وكانت أم كلثوم وحليم على رأس من يحيون الاحتفال.

كان مقرراً في ذلك اليوم أن تغني أم كلثوم ثم «حليم»، ثم بعد ذلك تقدم كوكب الشرق أغنيتها الثانية، على أن يختم العندليب الحفلة، وكان ذلك مناسباً لحالتها الصحية التي لم تعد تتحمل ما تحملته في الماضي.

عقب انتهاء «حليم» من غنائه أبلغ جيهان السادات عن طريق ابنتها الصغرى أنه مريض، ويرجو أن يقوم بالغناء قبل أم كلثوم حتى يمكنه الانصراف بعدها إذا استبد به التعب.

تم ذلك، وحصل «حليم» على الإذن مراعاة لحالته الصحية خاصة أنه كان قد قطع رحلة علاجية إلى لندن لحضور حفل الزفاف على أن يعود لمواصلة العلاج بعد انتهاء الحفل.

وقف يؤدي وصلته الثانية فأطال الغناء، وزاد، وعاد والحاضرون منتشون بغنائه خاصة مجموعة الشباب من ضباط الحرس الجمهوري.

وعندما انتهى من الغناء انضم إليهم وانتظروا أم كلثوم التي صعدت لتغني وهي في قمة الغضب والإحباط، ولم يكف «حليم» والمحيطين به عن التصفيق للست كلما انتهت من إحدى الكوبليهات، وفي كل مرة يصيح: ربنا يخليكي لينا يا ست.. فتسكت أم كلثوم وتلتفت إلى ناحية الفرقة تأمرهم أن يكفوا عن العزف حتى تخفت الأصوات، كل ذلك ووجهها يفيض بالغيظ والألم. وهكذا لم تستطع أم كلثوم الانتهاء من غنائها إلا بعد الثانية صباحاً، ولم تكن في أحسن حالاتها أثناء الغناء أو بعده.

المصدر

  • كتاب «حليم وأنا».الدكتور هشام عيسى.

     

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية