جنى ومها وملك.. تلاميذ يطلبن العلم ولو في الصين
كتب: معتز أبو ضيف
في الرابعة فجرا تستيقظ الطفلة جنى حمدي «مفتحة عين ومغمضة التانية» صارخة في وجه والدتها «هو أنا لحقت أنام» فتطيب الأم خاطرها «معلش عشان تلحقي المدرسة والمشوار بعيد» ترتدي الصغيرة «المريلة» وتتناول طعامها وتحمل حقيبتها، وتبدأ رحلتها في تمام الخامسة إلى مدرسة بهبيت الابتدائية المشتركة.
في طريقها تمر على صديقتها مها عبدالعزيز، التي تقابلها بـ «يلا يا جنى بسرعة اتأخرنا»، ولكن جنى لم تعير لها إهتمامًا لأنها تعرف أنهما سيضطران انتظار صديقتهما الثالثة «ملك جمعة» التي عادة ما تتأخر في نومها.
في الخامسة والنصف تنطلق الفتيات الثلاث، من عزبة الشربيني التابعة لقرية بهبيت بمدينة العياط بجنوب الجيزة، إلى المدرسة التي تبعد عنهم بأكثر من أربعة كيلو مترات.
«المشوار يستغرق ساعتين» بهذه العبارة برر حمدي ضيف الله والد جنى إستيقاظ ابنته مبكرًا، وقال لـ«شبابيك» إن أطفال العزب يضطرون للذهاب لمدارسهم مسافات طويلة سيرًا على الأقدام، لأن الأوضاع المالية لأسرهم لا تسمح بتوفير وسيلة مواصلات لكل طفل على حدة.
وأضاف الوالد: «جربنا الأتوبيسات والسيارات والتكاتك» ولكن دون جدوى، فتقسيم الدراسة على فترتين صباحية ومسائية، بالاضافة إلى جشع السائقين واستغلالهم للظروف يحول دون استمرار الأمر، الذي ينتهي بذهاب الأطفال سيرًا على الأقدام.
في طريق أغلب أوقاته خالي إلا من الكلاب الضالة، تسيرالفتيات حاملين على أكتافهم حقائب مليئة بالكتب والكراسات بجانب زاد من الطعام والشراب يكفي لمدة يوم، وبعد انقضاء منتصف الطريق وتحت إحدى ظل شجرة تأخذ الطفلات قسطًا من الراحة لاستكمال الرحلة الشاقة.
ويقول أشرف عبدالعزيز أحد أهالي العزبة لـ«شبابيك» إن أكثر من 300 طفل من 11 عزبة يسيرون يوميًا أكثر من 4 كيلو متر على أقدامهم للوصول إلى مدارسهم.
وأكد أن المسافة البعيدة بين العزب والمدرسة من أهم أسباب ترك الطلاب وخاصة الفتيات التعليم في مراحله المختلفة، موضحًا «بنخاف على أطفالنا وبناتنا لايتخطفوا من الطريق».
صاحت ملك في زميلتيها «انتو استحيلتو القعدة يلا عشان اتأخرنا»، تنهض الطالبات وتستعد لاستكمال طريقهن الذي سيستغرق سير لمدة ساعة أخرى.
يشير عبدالعزيز أن الأهالي قدموا شكاوى كثيرة لوزارة التربية والتعليم والمحافظة، ووفروا قطعة أرض لبناء المدرسة ولكن دون فائدة، مضيفًا «قبل الثورة جاءت لجنة من المحافظة لمعاينة المكان وماشفنهمش بعد كده».
بعد وصولهن للمدرسة في السابعة والنصف، بدا التعب والارهاق على وجوه الفتيات وكأنهن في نهاية اليوم الدراسي وليس بدايته، وفي طابور الصباح يعلل الأستاذ عبدالمعبود لطلابه فائدة ممارسة الرياضة لتنشيط الدورة الدموية، ولكنه نسى أن طلاب العزب البعيدة لا يحتاجون لمثل هذه التمارين.
ويتعجب عبدالله راغب أحد شباب العزبة والحاصل على بكالوريس التجارة جامعة القاهرة «كنا نصل للمدرسة قبل زملائنا المجاورين لها ويستشهد بنا المدرسون عندما يتأخر طلاب القرية».
في أثناء اليوم الدراسي الممتد إلى الساعة الثانية ظهرًا، تقضي الفتيات أوقاتهن بين الدراسة واللهو مع صديقاتهن في الفسحة أو حصة الألعاب، وعندما يحين وقت خروج الطلاب بعد إنقضاء يومهم الدراسي، تبدأ جنى ومها وملك رحلتهم من جديد.
رحلة العودة لا تختلف كثيرًا عن رحلة الذهاب، إلا أن فترة الراحة تحت الشجرة تستغل لانجاز الواجبات المدرسية، وعند الرابعة تصل جنى إلى البيت للتجهيز لرحلة الدروس الخصوصية التي تستمر حتى السادسة، وبعد اختتام اليوم والتجهيز لليوم التالي، تخلد الطفلة للفراش بعد سماع الجملة المعتادة من والدتها «نامي بدري عشان تصحي بدري».
بادرة أمل
شرعت جمعية من أحياها الخيرية في بناء مدرسة للتخفيف على أطفال عزب بهبيت على قطعة أرض تبرع بها أحد الأهالي، وبالرغم من أن المدرسة ستبنى بالجدارن الطفلية والخشبية وتسقف بالفولاذ على شكل المآذن، وستخصص فقط للعامين الدراسين الأول والثاني، إلا أن الأهالي يعتبرونها بادرة أمل لانضمام المدرسة في المستقبل إلى وزراة التربية والتعليم.
وأوضحت شيماء طنطاوي المدير التنفيذي للجمعية، أن المدرسة ستفتح أبوابها أمام الطلاب في منتصف نوفمبر 2017، بعد أخذ موافقة إدارة المشاركة الاجتماعية بوزارة التعليم، التي تعاين المدرسة وتقوم بإستلامها، للسماح بعد ذلك للطلاب للتحويل إلى المدارس الحكومية.
وقالت طنطاوي لـ «شبابيك» إن الجمعية تطمح لتجهيز ثلاث فصول لاستيعاب طلاب الصفين الأول والثاني قبل انتهاء الفصل الدراسي الأول، مضيفة أن الجمعية اختبرت شباب حديثي التخرج للعمل كأستاذة بالمدرسة.
وأكدت المديرة أن الجمعية تطمح لبناء مكتبة ومشغل ملابس ووحدة صحية بجوار المدرسة، خاصة بعد أن خصص الأهالي قطعة أرض لذلك.