هكذا تندمج مع الناس وتحافظ على خصوصيتك.. تعلم من القنفذ
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يحب الاختلاط بالناس في عمله وبيته وأمور حياته الأخرى، لكن متى يكون هذا الاندماج مؤذيًا؟ وإلى أي درجة ينبغي عليك الاندماج في المجتمع دون أن تفقد خصوصية حياتك؟
العزلة المفيدة.. متى يكون البعد عن الناس غنيمة؟
الإنسان مثل القنفذ
عالم النفس الشهير «سيجموند فرويد» وغيره، يشبهون الإنسان بحيوان القنفذ بالأشواك التي تغطي جسده كوسيلة دفاع، فحين يشعر بأي خطر، يتكور حول نفسه ليظهر الأشواك كلها، ويحمي نفسه ضد أي هجوم.
الإنسان كذلك يملك وسيلة دفاعية مثل الأشواك، وهي حياته الخاصة ودائرته الشخصية، فلا يسمح لأحد بالاقتراب منها، وإذا تمادى أي شخص مهاجم وحاول التدخل في شئونه الخاصة، فإنه يواجهه بشراسة ويرفض هذا الاعتداء، وهذه هي مشكلة الاختلاط الأهم.
يقسم الطبيب والأخصائي النفسي الدكتور محمد سعيد زغلول، الناس إلى نوعين، النوع الاعتمادي، والنوع المستقل بذاته، والنوع الأول يميل للاندماج ويسعى إليه بعكس النوع الثاني المستقل، لكن كلاهما يحتاج إلى التواجد مع الناس بدرجة معينة، فما الدافع لهذه الرغبة عند النوعين؟
الحاجة للدفء
يحتاج القنفذ للدفء كلما اشتد البرد، فلا يجد سوى الاقتراب من حيوانات القنفذ الأخرى، ويحاول الجميع تدفئة أنفسهم، لكن الأشواك تقف حائلاً هنا، كل قنفذ له أشواكه التي تؤذي زميله، فيضطرون جميعًا للابتعاد، ويصيبهم البرد من جديد، فيقتربون، ويجرحون أنفسهم وهكذا، وهذا ما يسمى بمعضلة القنفذ.
الإنسان أيضًا بمفرده يعاني من برد الوحدة، ومثل القنفذ يحتاج للاقتراب والتماس الدفء في الصحبة، فيقترب ويندمج مع الناس ولكن يتفاجأ بالأذى الذي يسببه الآخرون له، حين يتدخلون في شئونه، فيقرر الابتعاد والانعزال من جديد.
كل إنسان يجب أن يكون له «ظهر»، بحسب تعبير الدكتور محمد سعيد، وظهره في الحياة هم معارفه وأصحابه، لكن كيف يتجنب الإنسان أشواك الآخرين؟، ويحتفظ بخصوصيته دون أن يتلاشى وسط الجموع؟
تبحث عن عمل ولا تحب الاختلاط.. هذه المهن تناسبك
مسافة آمنة
القنفذ بطبيعته، وجد الحل المناسب لهذه المشكلة، فقد أدرك أنه لا يستطيع التخلص من أشواكه التي تحميه، وأصحابه كذلك لن يتخلوا عن أشواكهم، كما أن الأذى لا يتم بإرادة أي قنفذ منهم، هذه طبيعتهم دون أي تدخل، إذن الحل في الجمع بين الاقتراب والابتعاد.
تقترب القنافذ من بعضها، لكن بمجرد أن تتلامس أشواكهم، يعرفون أن الوقت قد حان للتوقف، والاكتفاء بهذه المسافة الآمنة وما تمنحه من دفء. صحيح أن بعض القنافذ لها أشواك أكثر أو أكبر من غيرها، لكن الجميع يحاولون البقاء معًا، بلا أذى أو فرقة.
عن الاندماج
هكذا يتعلم الإنسان من القنفذ، يقترب من الناس لكن عليه أن يحذر من أشواكهم، حدودهم الشخصية وخصوصيتهم، ويحافظ على المسافة الآمنة المناسبة معهم، ويحتفظ بشخصيته كذلك بلا ذوبان في الآخرين، فمهما اندمج في مجتمعه ومحيطه، لابد أن يعتز بالنمط الخاص به، وبصمته التي لا يشبهه فيها أحد.
يؤكد الطبيب والإخصائي النفسي الدكتور محمد سعيد زغلول أن هذه المسافة نسبية، وتختلف من إنسان لآخر، ويكتشفها بنفسه مع الوقت والتجارب، كما أنها تختلف حسب المكان وجماعة الناس التي يتفاعل معها، كي يبقى بشخصيته وسطهم بلا مشاكل.
ينصح «زغلول» بهذه الملحوظات حسب كل حالة:
مع الأصدقاء
تحكي أفنان عبد الشافي عن صداقات عديدة تجمعها بالناس، لكن في وقت مرضها انفض الجميع من حولها، وتعلّمت من وقتها ألا تندمج لهذا الحد مع الأصدقاء وتعول عليهم.
يؤمن «زغلول» أن الأفضل في الصداقة أن تعمل بمقولة: «صاحب القليل وتعرف على الكثير» فالمرء بحاجة لصديق مقرب، يلجأ إليه من أجل الحديث والفضفضة، لكن في وقت صار فيه الصديق عملة نادرة لا تضحي بصداقتك لكل شخص، فهي كنزك الذي تحتفظ به لمن يستحقه.
ينطبق هذا على كل الأصدقاء، سواء في الواقع أو على وسائل التواصل الاجتماعي، فزيادة معارفك واجبة، والحفاظ على مسافات بعيدة بينهم هي الأفضل، إلا القليل منهم.
مع الزوج والزوجة
الاندماج مع الناس شيء والاندماج في الحياة الزوجية شيء آخر، فإن كان المرء بحاجة للدفء مع الأصدقاء فالعلاقة بين الزوجين أهم وأولى، والمقصود هنا الاندماج في أقصى صورة ليعوض الزوجين ضغوط الحياة ومشاكل العمل والروتين الذي قد يباعد بينهما.
كأن الزوجة مجرد رفيق سكن تهتم بالمنزل، والزوج مجرد وزير مالية، المفترض هنا ان تختفي الأشواك أصلاً، ويصير الزوجين شيئًا واحدًا، وإذا لم يحدث هذا قد ينظر كلا الزوجين لشخص آخر يعوضهم عن هذا النقص.
كيف أعاتب زوجي؟.. هنقولك ازاي تعلّمي عليه من غير زعل
مع الأسرة
أماني محمود، تحكي عن معاناتها من العائلة، فزواجها الأول كان بسببهم وانتهى بالطلاق، وحتى الآن يفرضون عليها الرأي فرضًا، فلم تعد تحب حتى أن تتحدث معهم.
مشكلة الاندماج في الأسرة، أنها تضيق على الإنسان، فهناك الأب والأم والجد والجدة والأخ الأكبر وغيرهم، الجميع ينصح المرء كي يكون أفضل، والمشكلة أن كل منهم له رأي مخلتف، هكذا يحتار الإنسان في هذه الضوضاء، وقد يضطر لتنفيذ أحد الآراء بعيدًا عن رأيه الأصلي.
لن يستطيع الإنسان أن يغير عائلته أو يحددها كالأصدقاء، لذا فالحل هنا أن ينفصل الإنسان برأيه حسب استطاعته، ويلتزم بالزيارات وصلة الرحم، لكن لا يدع أشواك العائلة تجرحه كل مرة إلى أن يفقد شخصيته تمامًا.
هذا لا يعني نسيانك أن الأصل في رأي العائلة ابتغاء مصلحتك والبحث عن الخير لك.
مع زملاء العمل
العمل هو أفضل مكان تحافظ فيه على المسافة المناسبة مع الآخرين، لهذا يلجأ إليه كثيرون كي يتخلصوا من سيطرة المقربين، فهو قائم بالأصل على الرسميات، وله مدير واحد فقط، كقبطان سفينة برأي واحد، وليس مثل الأسرة، لذا ستكون حدودك في العمل معروفة، طالما كان رسميًا قائمًا على الانضباط.