انت بتحب بمناخيرك.. أسرار رهيبة لا تعرفها عن حاسة الشم
«الحب من أول نظرة»، جملة شهيرة تُقال في حالة الإعجاب بشخص ما بمجرد النظر إليه، لكن هل يدخل الأنف كذلك في هذا الانجذاب وكأنه «الحب من أول رائحة»؟
ما دور الأنف إذن في الحب والجنس؟ هل يتخطى الأمر العطور ومزيلات العرق إلى اكتشافات أهم؟ نكشف لكم في هذا التقرير من «شبابيك» أسرار الأنف كما حكاها عالم الأحياء أحمد مستجير.
في الفراشات
عن طريق الرائحة فقط، تستطيع ذكور الفراشات أن تصل إلى الإناث خلال مسافات طويلة جدًا، مهما كانت المسافة مليئة بروائح مختلفة تلوث الهواء، هذا ما أثبته عالم الحشرات الفرنسي «جين هنري فابر» في سبعينات القرن الـ19 ولم يستطع تفسيره.
بعدها بقرن تقريبًا في عام 1959 أثبت الكيميائي الألماني «أدولف بوتينانت» أن الفراشة الأنثى ترسل رائحة خاصة ومختلفة من بطنها، يشمها الذكر وحده ويسرع نحوها رغم أي روائح أخرى تملأ الجو.
رائحة لا يشمها الجميع
هذه الرائحة المختلفة تسمى «فيرمونات» وهي كيميائية التركيب، والفرق بينها وبين الروائح العادية التي يشمها الجميع. الفيرمونات هي رائحة خاصة يشمها نوع واحد فقط من الكائنات.
وتستخدم الفيرمونات في النشاطات المهمة كالحب والجنس، وحين يشمها الحيوان أو الحشرة، تنتقل إلى المخ مباشرة، كأنها إشارة لاسكلية يستقبلها الكائن مهما كان التشويش من الروائح العادية الأخرى.
كما أن ذكر الفراشة مثلاً، حين يشم فيرمون الحب، ويصل إلى الأنثى التي أطلقته، يسرع بإطلاق فيرمون آخر يلغي فيرمون فراشته الأنثى، حتى لا يطمع فيها الذكور الآخرين، فقد صارت زوجته.
سر الأنف
إذن للرائحة دور بارز في الحب والجنس عند الفراشات وباقي الحشرات كالنمل والنحل، وعند الحيوانات أيضًا كالهامستر (يشبه الفئران) وغيرها.
السر هنا ليس في الأنف نفسه، ولكن في عضو آخر يُسمى «جهاز جاكوبسون» الذي يستقبل الفيرمونات فيرسل الإشارة إلى المخ مباشرة، وهذا ما يحدث في البشر أيضًا.
اكتشف العلماء جهاز جاكوبسون داخل الأنف على بعد 2 سنتيمتر، وهو عبارة عن كيسين صغيرين عمقهما 2 ملليمتر على جانبي الحاجز الأنفي، وفي عام 1991 أثبتت الفحوص أن الجهاز موجود في كل البشر، والسؤال الآن: من أين تخرج الفيرمونات في جسم الإنسان؟
سر القُبلة
أثبتت التجارب أن الفيرمونات تخرج من الجلد، فهو أكثر أعضاء الجسم البشري تعقيدًا، لأنه يحتوي على غدد دهنية وعرقية وتصل إليه أمتار من الألياف العصبية.
ورغم أن الفيرمونات تخرج من سطح الجلد كله، إلا أنها تتركز في 6 مناطق سواء في الذكر أو الأنثى، وهذه الأماكن هي: الشفتان، والعانة، وجفون العين، وصوان الأذن، وحلمة الثدي، والمكان الأخير هو الإبط الذي يعتبر أهم مناطق الفيرمونات.
ولأن انتشار الفيرمونات في البشر لا يصل لمسافات بعيدة، فلابد من التلامس لاستقبالها، هكذا يفسر العلم سر حب البشر للقبلة التي تمنح الاقتراب من الشفتين، في الوقت الذي تغطي فيه الملابس 90 % من الجلد وتمنع انتشار الفيرمونات، وهكذا بالنسبة لباقي المناطق الستة.
الحب من أول نظرة
في تجربة مهمة، أحضر العلماء توأمين متطابقين، رشّوا أحدهما بفيرمون الحب وتركوا الآخر دون رش، فكانت النتيجة أن النساء وجدوا التوأم المرشوش أكثر جاذبية من أخيه، وكأن هذا هو تفسير الحب والإعجاب من أول نظرة.
وللفيرمونات مهمات أخرى، فيستخدمها الطفل الرضيع ليهتدي إلى حلمة ثدي أمه منذ اليوم الثاني بعد الولادة، وحتى الكلاب تستخدمها لتعقب المجرمين، كما أن الفيرمونات تلعب دورًا في التوافق وتحسن العلاقات بين الأشخاص.
شواهد تاريخية
الإمبراطور الفرنسي الشهير نابليون بونابرت، كان عائدًا من معسكره الحربي إلى زوجته الإمبراطورة «جوزفين»، فبعث إليها برسالة قائلاً «لا تستحمي، سأعود حالاً»، وكأنه أراد أن يحافظ على رائحتها الطبيعية.
وفي عصر الملكة فيكتوريا، كانت بعض النساء تكسب رزقها من مناديل مشبعة بعرقهم الخاص، وكلما زادت الرائحة جاذبية وفتنة، ارتفع سعر المنديل.
في عام 1985، كتب الروائي الألماني «باتريك زوسكيند» واحدة من أشهر رواياته بعنوان «العطر: قصة قاتل» والتي تحكي عن شاب يملك حاسة شم جعلته يستخلص من عرق النساء أفضل روائح الفتنة والجاذبية.
كل هذه الظواهر تسبق اكتشاف الفيرمونات، والتي أظهرت بالعلم الرابط بين الأنف ومشاعر الحب والجنس، ويرى بعض العلماء بالفعل أن الإنسان يفقد اهتمامه بالجنس حين يخسر حاسة الشم كما يحدث في حيوانات الهامستر.