محمد البحراوي يكتب: المهم اشتريت «العجلة»
كان يومًا من أجمل أيام حياتي عندما اشتريت دراجتي، فقد عملت من أجلها شهرًا ونصف طيلة أجازة الصف السادس الابتدائي، كنت احتفظ بالجنيه فوق الجنية حتى اكتمل معي المبلغ المناسب لشرائها 150 جنيهًا، كان وقتها مبلغًا كبيرًا بالنسبة لطفل في الابتدائية.
كان محل الدراجات في ميدان العتبة، أمر عليه كل أسبوع لأتأكد أن العجلة التي أتمنها لا تزال موجودة، ولم تبع بعد، والمضحك في الأمر أن الرجل صاحب المحل قد عرف شكلي وطلبي، وكان من حين لآخر ينظر لي مبتسمًا، ويحدثني: «يا بني اخلص وهات الفلوس عشان تاخدها واستريح من زنك بقى» وكان كلامه يشجعني أن أعمل أكتر وأكثر حتى أحصل على ما أريد.
مر شهر ونصف وذهبت إليه يوم الأحد مصطحبًا عمتي، والتي طيلة الطريق أسالها: الفلوس معاكِ صح ؟ أوعي الفلوس تكون وقعت منك يا عمتى؟ وسبحان من صبرها على أسئلتي، المهم وصلنا للرجل صاحب المحل، وبمجرد ما إن رآني حتى أنزل لي العجلة وأزاح عنها الغبار ونظفها جيدًا، قائلا: «أخيرًا لتأخدها مش عايز أشوف هنا تاني مبروكة عليك إن شاء الله» وهو ما أثار حفيظة عمتي التي نظرت إلي ولسان حالها «يقول ده إن مرتب كل حاجة اهوة».
وكان لي ما حلمت به، أخذت العجلة، وسافرت بها إلي بلدي في الصعيد، ولا أستطيع وصف تلك الفرحة، ولقد أحسنت تدبريًا عندما اشتريت العجلة بحجم يكبرني، حتى تستمر معي حين أكبر، وقد نفعتني تلك الدراجة كثيرًا، فقد كنت أذهب بها إلى المعهد والدروس في القرى المجاورة، وكانت أنيستي وقت الضيق فمجرد أن اركبها فكأني أركب حصاني الأسود لأجد نفسي أسير بها بين الخضرة والجو البديع.
ولكن مع دخولي الجامعة قد قد كبرت وأعطيتها هدية لأخي الأصغر، الذي استباح حرمتها، وحولها من «دراجة بنت ناس آكابر» إلى «مومياء دراجة قديمة وحسبي الله ونعم الوكيل» وحتى الآن لها في قلبي الكثير من الذكريات الجميلة.
وقد يسألني القارئ العزيز وما فائدة تلك القصة وما الاستفادة منها، أقول لك يا عزيزي، ما إن علمت بخبر زيادة أسعار المترو وأن تذكرته ستكون ما بين 3: 7 جنيهات بدءًا من الغد الجمعة؛ تحقيقًا للعدالة الاجتماعية، واستكمالًا لخطط التطوير المنشودة لمستخدمي مترو الأنفاق، بحسب بيان الشركة المصرية لإدارة وتشغيل مترو الأنفاق؛ حتى فكرت مليًا في أن آراضي أخي الصغير بأي مبلغ من المال، وأجعله يسامحني في أن استرد دراجتي الغالية لتعينني على ويلات الحياة التي نعيشها في القاهرة، بديلًا عن المواصلات التي تضر بالمحفظة وقد تسبب الوفاة، وأظن أن أخي لن يبخل عليّ في طلبي حتى تستقر الأمور، وتنظر لنا الدولة بعين العطف وتقارن بين مرتباتنا الهزيلة ومتطلبات حياتنا التي تأكل الأخضر واليابس أمامها، وفي النهاية أقول لأخي العزيز: «هات العجلة بتاعتي بالتي هي أحسن».