قصة آية.. عباد الرحمن والفوز بالجنان
حديثنا اليوم أيها القراء الأحباب عن صفات عباد الرحمن المذكورة في خواتيم سورة الفرقان، وهي آيات يذكر الله تعالى فيها صفاتهم وأخلاقهم، وكيفية تعاملهم مع ربهم، وتعاملهم مع أموالهم، ومع الناس..
وقد وصفهم الله باثني عشر صفة، وهي:
1- التواضع.
2- الحلم.
3- التهجد.
4- الخوف.
5- ترك الإسراف والإقتار.
6- البعد عن الشرك.
7- اجتناب القتل.
8- النزاهة عن الزنى.
9- التوبة.
10- تجنب الكذب.
11- قبول المواعظ.
12- الابتهال إلى الله تعالى.
وسنقف وقفة سريعة مع كل صفةٍ منهم
{الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} أي بسكينة ووقار من غير تجبر ولا استكبار، {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} أي: إذا تعدى عليهم الجُّهالُ بالقول السيء السفيه لم يردوا عليهم بمثله، والمقصود بالسلام هنا هو سلام متاركة وإعراض وليس سلام تحية وترحيب. ذلك نهارهم وتعاملهم مع أنفسهم وغيرهم، أما ليلهم وتعاملهم مع ربهم، فقد وصفهم الله بقوله: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} والفعل المضارع يدل على استمرارهم في ذلك، فهم لا يقيمون الليل في رمضان ومواسم الطاعة وأوقات الشدة وفقط، بل هم مستمرون على قيام الليل.
ومع عبادتهم لله وقيامهم الليل لرضاه فإنهم يخافون عذابه فيرجونه أن ينجيهم من عذاب النار، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا}.
يقول الدكتور فريد الأنصاري -رحمه الله: من اكتحل في ظلام الليل بدموع القرآن أبصر معالم الطريق وحقائقها بالنهار إبصارًا يؤهله للثبات على صراطها المستقيم، ورأى أشباح الشهوات على حقيقتها وبشاعتها، فلا تسحر عينيه كما تسحر أهل الغفلة... فالذي صلَّى حقًّا وقام وتهجد إنما هو الذي نال شرف المعرفة بالله توحيدًا له وإخلاصًا، فوجد أن المالك إنما هو الله، وإنما الإنسان في ماله -الذي ابتلي به- عبدٌ لله كما هو عبد له في ركوعه وسجوده بال تناقض ولا اختلاف...
ومن هنا فاض هذا السلوك الرباني العجيب على أهل الله هؤلاء من عباد الرحمن، فكانوا كما وصفهم القرآن الكريم: }وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} أي: ليسوا بمبذرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم وعلى أهل الحقوق عليهم فيقصرون في حقهم فلا يكفونهم، بل هم وسط في كلِّ ذلك، وخير الأمور أوسطها.
وبذلك كانوا منزهين عن إتيان أمهات الكبائر في الإسلام، آمنين من الانجذاب إلى ليهبها وفتنتها، وعلى رأسها الشرك بالله، وقتل النفس بغير حق، والزنى والفواحش، فقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا}.
وفي ذكر عدم فعل عباد الرحمن الموبقات السابقة أو التوبة بعد فعلها بيان أن المسلم مهما كان مقامه الإيماني عاليًا فهو معرض للفتنة، فلا يجوز له أن يغتر بنفسه.
قصة آية.. منهجية إدارة الفتن
ثم يصفهم الله تعالى قائلًا: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} أي لا يحضرون الزور، أي القول والفعل المحرم، فيجتنبون جميع المجالس، المشتملة على الأقوال المحرمة، أو الأفعال المحرمة، كالخوض في آيات الله، والجدال الباطل، والغيبة والنميمة، والسب والقذف، والاستهزاء، والغناء المحرم، وشرب الخمر، وفرش الحرير، والصور، ونحو ذلك، وإذا كانوا لا يشهدون الزور، فمن باب أولى وأحرى، أن لا يقولوه ويفعلوه. كما قال الشيخ السعدي -رحمه الله.
ومع كلِّ هذه الصفات لا يتكبرون عن قبول الوعظ، فقد قال تعالى: {وَالَذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا}. ثم يذكر الله تعالى صفة أخرى لعباد الرحمن، فيقول سبحانه: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} فهم يدعون الله تعالى أن يهب لهم ما يقر عيونهم، ويسألونه أيضًا إمامة المتقين، ونستفيد من هذا أن همتهم العالية دفعتهم إلى أن يدعوا الله تعالى بأن يكونوا أئمة للمتقين.
أما عن جزائهم فقد قال تعالى: {أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا} والغرف هي منزلة عالية في الجنة، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عنها: «إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء».
ثم ختم الله تعالى السورة بقوله: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا} وهذا إخبارٌ من الله تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغيرهم، وأنه لولا دعاؤهم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة، ما عبأ بهم ولا أحبهم.
نريد أيها القراء الأحباب أن نتحلى بصفات عباد الرحمن؛ عسى أن يرزقنا الله الجنة.
بقلم: إبراهيم الديساوي