الانطوائيون المؤثرون.. صفحة اتعملت عشانك لو بتحب الوحدة
الشخص الانطوائي الذي يحب الاختلاء بنفسه ويزهد في العلاقات الاجتماعية، هل هو مريض أم طبيعي؟ هل يمكنه التأثير في المجتمع مثل أي شخص اجتماعي؟
مؤسس صفحة «الانطوائيون المؤثرون» المهندس محمود لطفي يحكي لـ«شبابيك» عن تجربته الشخصية التي دفعته لإطلاق الصفحة بهدف تصحيح نظرة المجتمع لكل انطوائي.
هجوم وتنمر
يفضل «لطفي» منذ الطفولة أن يبتعد عن الناس والتجمعات بقدر المستطاع، ويشعر بالراحة أكثر حين يختلي بنفسه، وهكذا أدرك مبكرًا أنه غير اجتماعي أو «انطوائي».
لم تقتصر حالة «لطفي» على هذا وحسب، فقد أجرى عدة جراحات في أنفه بسبب خطأ طبي غير مقصود، ما ترك أثرًا في الوجه جلب له إيذاء زملاء الدراسة وسخريتهم.
يسمى إيذاء الغير في هذه الحالة بالتنمر، وهو التعرض بالأذى الجسدي أو اللفظي لشخص ما بسبب شكله أو طبعه، حين يسخر الزملاء مثلاً من زميلهم السمين ويطلقون عليه ألقابًا مضحكة.
دخل «لطفي» بعد تعرضه للتنمر والإيذاء مرحلة أخرى تفوق الانطواء وهي رفض المجتمع المؤذي، يقول: «بقيت مش حابب الناس ولا حابب أعرف حد ولا حتى أبقى متشاف!».
هكذا أصيب «لطفي» بالرهاب الاجتماعي وقتها، وهو اضطراب نفسي يجعل الإنسان زاهدًا في أي علاقة اجتماعية، خاصة إن شعر بظلم المجتمع.
الهواية هي الحل
تسبب جرح الأنف في توقف «لطفي» عن تمارين الكاراتيه التي اعتاد حضورها، لأن النزيف منعه من اللعب بشكل طبيعي، وهنا لجأ للشيء الوحيد الباقي، وهو شغف القراءة والرسم.
شجعته والدته على هذه الأنشطة التي تضمن راحته في البعد عن الناس وممارسة هوايات تدفعه للإبداع والابتكار، وبالفعل تابع «لطفي» اهتمامه بالصحافة المدرسية في مرحلة الإعدادي والثانوي.
التحق بكلية الهندسة قسم ميكانيكا، وظل محافظًا على طبيعته الانطوائية، خاصة أن الأصدقاء لا يحبون العلاقات المعقدة، لكن الحياة الجامعية حملت له تجربة مختلفة، جعلته يفهم نفسه بشكل أفضل.
انطوائي ولكن
درس «لطفي» البرمجة في الكلية وأتقنها، ليفاجأ في مرة بزميل من الدفعة يطلب منه المساعدة في فهم أحد الأمور البرمجية، ببساطة شرح «لطفي» للزميل ما يحتاجه وكان التفاهم سهلاً ومريحًا.
مع الوقت، بدأ أغلب الطلبة في الاستعانة بشرح «لطفي» الذي لم يبخل عليهم بشيء، فقد أدرك للمرة الأولى أن الإنسان قد يكون انطوائيًا لكنه في نفس الوقت عامل مؤثر في مجتمعه وفيمن حوله.
تابع «لطفي» حياته الاجتماعية في الهندسة، وأنشأ صفحة على موقع «يوتيوب» تحتوي مقاطع شرح وتحليل في «معالجة المياه» التي تخصص فيها، وقرر أن يغير نظرة المجتمع للشخص الانطوائي عمومًا بصفحة «الانطوائيون المؤثرون» على فيس بوك هنا.
الانطوائيون المؤثرون
يشير محمود لطفي إلى أن نسبة الانطوائيين في المجتمعات حددتها احصائيات بحوالي 25%، وهذه النسبة غير القليلة تلقى معاملة سيئة في الأغلب، كأنها كائنات فضائية قبيحة لمجرد أن طبيعتها مختلفة.
المشكلة الكبيرة أيضًا هي كمية الخرافات المنتشرة عن الانطوائيين، ويصدقها الناس عنهم وتنفيها الدراسات النفسية الرصينة، نشر «لطفي» هذه الخرافات الخمس عن الانطوائيين مستعينًا بالمصادر (هنا):
الخرافة الأولى: الانطوائي لا يحب الكلام
الانطوائي قد يجد صعوبة في بدء الحديث خاصة في المرة الأولى، لكنه في نفس الوقت متكلم بارع - بدرجات متفاوتة – بمجرد أن يتقرب لمن يحدثه، وفي نفس الوقت يحب الحفاظ على أفكاره وآرئه حين لا يشعر بالراحة لبدأ مشاركتها.
الخرافة الثانية: الانطوائي لا يمكنه أن يصير قائدًا ناجحًا
لم يولد القائد وفي يده ميكروفون يصدر به الأوامر بحزم، الواقع أن الانطوائي أيضًا يستطيع أن يكون قائدًا في التخصص الذي يحبه، ونجاحه يتوقف على الاستماع الجيد للموظفين أكثر من الكلام.
الخرافة الثالثة: الانطوائي لا يحب الناس
الانطوائي شخص غير اجتماعي، إذن هو لا يحب الآخرين. هذه خرافة أخرى لأن معظم الانطوائيين يرغبون في التواصل مع الناس، لكنهم يعانون فقط الصعوبة في التعبير عن أنفسهم لأول مرة.
الخرافة الرابعة: الانطوائي حتمًا مكتئب
ينعزل الانطوائي لأنه يجد راحته في الخصوصية والاختلاء بنفسه، وهذا لا يعني بالضرورة أنه مكتئب يحبس نفسه في القمقم.
الخرافة الخامسة: الانطوائي يمكنه أن يصبح اجتماعيًا
يمكن لأي شخص أن يعدّل ويغير في سلوكه، ولكن تحول الشخص الانطوائي إلى اجتماعي أمر من الصعب تحقيقه، لذا من الأفضل أن يكون التعامل معه عن طريق اكتشاف إيجابياته ومزاياه.
الانطوائيون يتفاعلون
وجدت الصفحة جمهورها من الانطوائيين سريعًا، وتفاعلوا مع منشوراتها بسهولة، يحكي كل منهم مشاكله واضطهاده في حالات مختلفة، بعضهم يذكر اسمه والبعض الآخر يطلب المعونة دون ذكر الاسم.
يتشارك الجميع في الصفحة التجارب والنصائح، ويرد محمود لطفي أحيانًا بحسب خبرته وقراءته، وينوي تعيين مدراء آخرين بجانبه من الأخصائيين الأكاديميين في علم النفس أو الطب النفسي.
أحمد موافي (اسم مستعار) يحكي عن تجربته مع الصفحة قائلاً إنها تجعله يتقبل طبيعته الانطوائية ولا يخجل منها أو يتضايق، لأن منشوراتها تتكلم بالعلم والدليل الحي، كما أنها تجمعه بالانطوائيين الآخرين الناجحين.
سبب انطواء «أحمد» كان المشاكل العائلية الكثيرة التي جعلته يتنقل من مكان لآخر، فلا يجد الوقت الكافي لعمل صداقات مع الآخرين، مع الوقت اعتاد هذا الأمر وصار يكتفي بالعلاقات السريعة.
حين وجد «أحمد» نصفه الآخر واتفقا على الزواج، ظن أن مشاكله قد انتهت، فهو لن يحتاج لأصدقاء آخرين وسيكتفي بحبيبته، لكن العلاقة لم تكتمل وقرر «أحمد» بعدها أن يعتزل الناس تمامًا حتى حين.
الانطواء بين المرض والسلوك
أخصائي الطب النفسي أحمد النحاس أشار إلى ضرورة التفريق بين الانطواء كسلوك بشري عادي، والانطواء الذي يصل لمرحلة المرض النفسي المسبب للمشاكل والضرر.
الشخص الانطوائي في سلوكه يحب العزلة والخصوصية، وفي نفس الوقت يعمل ويتزوج ويتفاعل مع الناس، هذا شخص طبيعي يستطيع بلوغ أرقى الدرجات، وانطوائه لن يعيقه عن الحياة بشكل سعيد وفعال.
والشخص الانطوائي المريض يزهد في كل هذا، فهو لا يحب العمل أو مقابلة الناس أو أي سلوك اجتماعي لازم للحياة، وهكذا قد يخسر كل شيء ويصبح «مترهبنًا» لا يجد طعامه أو شرابه، وهنا يجب إغاثته بالعلاج النفسي أو تغيير تفكيره بالعلاج السلوكي.
الأديب الياباني الأشهر في العالم والمرشح الدائم لجائزة نوبل «هاروكي موركامي»، وصف حال الشخص الانطوائي بوضوح في أحد اقتباساته، إذ يقول:
«أنا واحدٌ من هؤلاء البشر، الذين يفضلون البقاء بلا رفقة ، ولكي أكون أكثر دقة، أنا شخص لا أجد فى الوحدة أي أَلم أو عناء، ولا أجد فى قضاء ساعة أو ساعتين يوميا في الركض وحيداً بدون التحدُّث مع أحد، وقضاء أربع أو خمس ساعات أُخرى فى مكتبي وحيداً، شيء صعب أو مُمل. حيثُ إننى لدي هذه النزعة مُنذ طفولتي، فمثلاً عندما يكون لدي خيار، كُنت دائما ما أُفضل قراءة الكُتب في عُزلة تامة أو الاستغراق في الإستماع الى الموسيقى، عن تواجدي مع أي شخص آخر، فأنا دائما لدى أشياء لفعلها وحيداً».