النار تحت الرماد.. ماذا يحدث في الأردن؟

النار تحت الرماد.. ماذا يحدث في الأردن؟

4 أيام من الاحتجاج كانت كفيلة بتغيير رئيس الوزراء في الأردن، وانتزاع وعود بعدم فرض ضرائب جديدة، وتعطيل خطط صندوق النقد الدولي برفع الدعم الحكومي كاملا عن والوقود، ولو مؤقتا.

فبعد 4 أيام من إعلان النقابات العمالية الأردنية الإضراب ضد مشروع قانون ضريبة الدخل وتظاهر الآلاف ضد رفع أسعار المحروقات، قبل العاهل الأردني عبدالله الثاني استقالة رئيس الوزراء هاني المقلي، وكلف وزير التعليم في حكومته عمر الرزاز بتشكيل الحكومة الجديدة، وأوعز بتأجيل قرار رفع أسعار المحروقات.

أزمة تابعها العرب والمصريون تحديدا باهتمام شديد، لتشابه ظروف البلدين في تنفيذ شروط صندوق النقد الدولي، واقتراب اعتماد قرار زيادة أسعار الوقود في مصر. هنا نتعرف على الأسباب التي قادت الأردنيين إلى مشهد «الدوار الرابع» الذي احتضن المظاهرات.

فتش عن صندوق النقد

رغم أن المشهد الأخير يغلفه حراك النقابات العمالية والمهنية بسبب تعنت حكومة «المقلي» في مشروع قانون ضريبة الدخل، لكن صندوق النقد كان حاضرا بشدة في التفاصيل منذ اللحظة الأولى، ما أدى إلى تفاقم المشهد في نهاية الأمر.

مع بداية مايو الماضي، بدأت الحكومة مناقشة قانون ضريبة دخل جديد لوضع خطة جديدة، تقضي بأن يدفع كل من لديه دخل سنوي قدره 8000 دينارا أو أعلى، ضريبة الدخل، وكلما ارتفع الدخل ترتفع الضريبة المدفوعة، أي أن الشركات ستواجه ضريبة أكبر.

ويلزم مشروع القانون الشخص الذي بلغ سن الـ18 من عمره بالحصول على رقم ضريبي، ويعفي الشخص من ضريبة الدخل في حال لم يتجاوز مقدار دخله السنوي 8 آلاف دينار، حوالى 11 ألف دولار، بالنسبة إلى الفرد، بينما تعفى العائلة من الضريبة إذا كان مجموع الدخل السنوي للزوج والزوجة أو المعيل 16 ألف دينار «حوالى 22 ألف دولار».

وبحسب القانون، تبدأ عملية فرض الضريبة بنسبة 5% عن كل دينار من الخمسة آلاف «7 آلاف دولار» الأولى، ثم 10% عن كل دينار من الخمسة آلاف دينار الثانية، و15% عن كل دينار من الخمسة آلاف دينار الثالثة، و22% عن كل دينار من الخمسة آلاف دينار الرابعة، و25 % عن كل دينار مما تلاها.

بداية الغضب

هذا القانون لم يلق قبولا شعبيا، واعتبرته المعارضة أنه يزيد البد فقرا وتقشفا، حتى فتحت الحكومة حوارا مع النقابات للوصول إلى صيغة توافقية لحماية الفقراء من فاتورة الأعباء الاقتصادية، لكن الحوار لم يكن مثمرا وأعلنت في النهاية الموافقة على مسودة القانون، محل الاعتراض.

من هنا، دعا مجلس النقابات المهنية الأردنية المواطنين إلى المشاركة في الإضراب عن العمل، الأربعاء 30 مايو، للتعبير عن رفض مشروع قانون ضريبة الدخل، كما وجهت دعوات إلى أصحاب المحال التجارية والمراكز التجارية إلى إغلاق أبوابهم بالتزامن مع الاضراب الذي دعت إليه النقابات، بدعزى رفضهم لما يمليه صندوق النقد الدولي على المملكة الهاشمية.

وتسير الحكومة الأردنية على روشتة صندوق النقد الدولي منذ  قرابة الـ30 عاما، من أجل إجراء اصلاحات اقتصادية تمكن المملكة من الحصول على قروض جديدة في ظل أزمة اقتصادية متفاقمة، إلى أن تجاوز الدين العام 35 مليار دولار.

وفي 24 أغسطس 2016، وافق المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي على طلب الأردن عقد اتفاق ممدد يغطي ثلاث سنوات ويتيح تمويلا قدره 723 مليون دولار أمريكي (150% من حصة العضوية.

ويرتكز هذا البرنامج على إطار السياسات الاقتصادية والاجتماعية الذي وضعه الأردن «رؤية 2025» ويهدف إلى دفع عملية الضبط المالي والإصلاحات الهيكلية واسعة النطاق بما يهيئ ظروفا أفضل لتحقيق النمو الاحتوائي لشرائح أوسع من السكان مع توفير الحماية للفقراء.

وتأمل الأردن من هذا الاتفاق تخفيض الدين العام من نحو 94% من إجمالي الناتج المحلي إلى مستوى أكثر أمانا يبلغ 77% من إجمالي الناتج المحلي بحلول عام 2021، كما سينخفض دين الأردن تجاه الصندوق.

عيش، وقود، كهرباء

ورغم تعهد الصندوق، حسب بيان على موقفعه، بعدم المساس بالفقراء وعدم تحملهم عبء بعض الإجراءات الاقتصادية، لكن قرارات الحكومة الأردنية كشفت عكس ذلك، حيث قررت في يناير الماضي إنهاء الدعم المالي على الخبز، ثم فرضت ضرائب جديدة على السجائر والمجوهرات والمشروبات الغازية والوقود من أجل زيادة إيراداتها الضريبية بمبلغ قدره 540 مليون دينار، إلى أن وصلت محطتها الأخيرة بالضريبة والوقود.

ومؤخرا أقرت الحكومة زيادة بنسبة 5،5 % في أسعار الوقود و19 % في أسعار الكهرباء، قبل أن يجمده العاهل الأردني خلال شهر رمضان.

وتعد هذه المرة الخامسة التي تزيد فيها أسعار الوقود منذ بداية العام، أما أسعار الكهرباء فزادت بنسبة 55 % منذ فبراير الماضي.

وتشير الإحصائيات الرسمية إلى أن 18.5% في المئة من السكان الذين يبلغ عددهم 9.5 ملايين نسمة، عاطلون عن العمل، و20 % منهم على حافة الفقر.

صحيح أن العاهل أخمد الأزمة بقبول استقالة المقلي، وبدا حكيما في قرار تجميد زيادة أسعار المحروقات، لكن عمّان ستبقى على صفيح ساخن في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها الدولة، وهو ما ترجم استمرار التظاهرات في العاصمة عمّان حتى بعد استقالة المقلي، لسحب مشروع قانون الضريبة الجديد، والحصول على مكاسب أكبر من الاحتجاج وضمان تغيير الخطط الاقتصادية.

وربطت تقارير صحفية الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي تتعرض لها الأردن بسبب حصارها عالميا من قبل أمريكا وإسرائيل والسعودية، على خلفية موقفها من «صفقة القرن» المتعلقة بالقضية الفلسطينية، كما ألمح العاهل في تصريحاته الأخيرة عن الأزمة.

أحمد البرديني

أحمد البرديني

صحفي مهتم بشؤون المجتمع والرياضة