هانم طه.. مدرسة متنقلة لتعليم لغة الإشارة تحت شعار «في الصمت مبدعون»

هانم طه.. مدرسة متنقلة لتعليم لغة الإشارة تحت شعار «في الصمت مبدعون»

اللغة هي الوسيط بين البشر، ومن يفتقد ذلك السبيل فكيف عليه الوصال؟ سؤال أرق هانم طه، التي كرست حياتها لنشر لغة الإشارة، للتواصل مع الصم الذين يعيشون في منأي عما يحيطهم تأخذهم حركة الشفايف ويفسرون لغة الأعين في محاولة لفهم العالم الذي ابتعد عنهم وعن صمتهم.

لم تكتفي هانم بتعلم لغة الإشارة فحسب بل قررت نشر تلك اللغة، وأطلقت مبادرتها في الصمت مبدعون.

عالم الصمت

كالعادة في ماراثون الثانوية الغير عادل انتهت بها الرحلة إلى كلية التربية بجامعة طنطا،  فقررت دخول قسم ذوي الاحتياجات الخاصة، تعرفت هانم على عالم ذوي الاحتياجات بكافة تفاصيله عايشت معاناتهم وإقصائهم من الحياة الاجتماعية بقصد وبدون قصد، أخذها هؤلاء الصامتين، فإذا صمت أحدنا عن التعبير عما في جوفه يشعر برغبته في الإنفجار، فكيف لهم الصمت مدى الحياة؟.

التحقت بقسم الإعاقة السمعية وقررت أن تكون مجال دراستها، ولكنها اصطدمت بالدراسة الأكاديمية الرصينة والتي لا تمنح أي فرصة للدخول في العالم الفعلي للصم وتقديم يد العون لهم وتعلم لغتهم في محاولة لدمجهم بالمجتمع، فقررت أن تتعلم بنفسها لغة الإشارة لتتفاهم مع الصامتين وتشعرهم بالقبول، وتشاركهم أحاديثهم التي تصل إلى القلب مباشرة.


 

 حركات تعبيرية باستخدام حواس الوجه واليدين والتواصل بالأعين، سبيل أصدق للتعبير عن تلك الكلمات التي لا حصر لها «لغة صعبة بس اللي حابب وعايز يتعلم مش هيحس انها صعبة» قالتها هانم مستطردة: كل الكلام الذي نقوله في الدقيقة الواحدة فقط له حركة خاصة به تعبر عنه.

أحلامك أوامر

بحثت عن مكان لتعلم لغة الإشارة في مدينتها ولكنها لم تجد فقررت النزول إلى القاهرة والالتحاق بدورة لتعلم اللغة، في نقابة مترجمين لغة الإشارة في القاهرة، بصحبة والدها تذهب إلى مكان الدورة وتعود إلى طنطا في نفس اليوم، دون أن تشعر بتعب ولا يكل والدها الذي يدعمها دائمًا مؤمنًا بحلمها قائلًا «أحلامك أوامر».

عائلة تقدم الدعم والحب وفتاة طموحة يحمل قلبها الكثير من الرحمة، هكذا تسلحت هانم وبدأت رحلتها بالتعلم ثم نشر ما تعلمته، فبدأت برفاق قسمها الحديث نسبيًا، ودشنت لهم ورش عمل لتعلمهم لغة الإشارة، ذاع صيتها بأرجاء الجامعة وشرعت تنظم محاضرات في جميع الكليات بجامعة طنطا تعلم الطلاب لغة الإشارة وتوعيهم بأهمية تلك اللغة وتعميمها.


 

طاقة حب

تفوقها الدراسي ونشاطها داخل أرجاء الجامعة جعلها تحصل على لقب الطالبة المثالية الأولى داخل كليتها، والثانية على مستوى الجامعة، مما زاد حماسها وجعلها تطوف الجامعات تنظم وتحاضر وتقدم ورش تدريبة لتعلم لغة الإشارة، فذهبت إلى جامعة المنوفية، والأسكندرية، الجامعة الروسية، ومودرن أكاديمي.

بصوت جلى وثقة في النفس تقف وسط جموع الطلبة تشرح لهم ما تعلمته وما سهرت ليلتها تحضر فيه من مواد تقدمها في المحاضرة تزيد من رغبة الطلاب في التعلم وتحس عدد كبير على الانضمام، فكانت تترجم الأغاني بلغة الإشارة وتقدمها بصحبة الموسيقى بتعابير وجهها البشوش وبتلك الحركات التي أتقنتها، فكان عدد الملتحقين بدوراتها المجانية يفوق توقعها في كل مرة، وينضم الكثير عن المرة السابقة.

بدون كلام

ذهبت هانم إلى دور ذوي الاحتياجات الخاصة لمحاولة الفهم والتواصل ومعرفة ما تحتاجه تلك الشريحة التي يتغافلها الكثير، ومن بين المدارس الداخليه المخصصة لأصحاب الإعاقات والمراكز التي تعمل على تطوير مهارتهم وتعليمهم حرف يدوية لتدر عليهم الدخل نظرًا إلى عدم توافر فرص عمل تقبل تلك الإعاقة وتوظف قدراتهم الخاصة للصالح العام.


 

تحلم صاحبة الـ 21 ربيعًا بأن تعمم لغة الإشارة في المدارس كلغة أساسية، فالبداية من المدارس تكون نشء جديد لديه وعي بتقبل الصم والتواصل معهم دون الشعور بالنقص أو الرفض، فحتى بعد القرار بالدمج لا يوجد مدارس تدمج أصحاب الإعاقة السمعية إلا عدد قليل جدًا فلازال القرار قيد التنفيذ.

خلف شاشة اللاب توب وجد محمد ابن خالتها صاحب الخمسة أعوام حركات بلهاء من وجهة نظره تقوم بها هانم، فسألها عما تفعله، شرعت تحكي له عن هؤلاء المحرومين من الكلام، وعلمته سبيل التواصل معهم فأصبح أصغر تلميذ في مدرستها المتنقلة لتعليم لغة الإشارة، وينشر ما يتعلمه لرفاقه.

 نجاحات صغيرة في مشوارها تؤهلها نفسيًا لتحمل المزيد من الأعباء حتى تحقق هدفها الذي بدأته وتنوي استكمال الدرب بعد التخرج إلى الماجيستير والدكتوراه في ذلك التخص الذي اختارته بنفسها، وتطمح في ترك بصمتها الخاصة في مجال ذوي الاحتياجات الخاصة بشكل عام والصم بشكل خاص.

ندى سامي

ندى سامي

صحفية مهتمة بشؤون المرأة والمجتمع