«المبادئ» تتجزأ وتتغير.. هكذا تقول الطبيعة
في سنة 1687، كتب الفيزيائي الشهير إسحق نيوتن أهم أفكاره ونظرياته عن الكون في كتاب واحد هو «المبادئ الرياضية للفلسفة الطبيعية»، وقد يُختصر الاسم أحيانًا إلى «المبادئ».
يُعتبر نيوتن المُكتشف الأبرز لـ«مبادئ الفيزياء» إلا أن آينشتاين جاء بعد 300 سنة بنظرية «النسبية» لتتغير الكثير من مبادئ نيوتن التي لا تكفي لحل كل ألغاز الطبيعة.
في علم الفيزياء والرياضيات الطبيعية الصارمة تغيرت المبادئ، فماذا عن المبادئ الإنسانية نفسها التي نتخذها لأنفسنا؟، هل تتغير أو تتجزأ؟
ما هي المبادئ أصلاً؟
عند البحث عن كلمة «مبادئ» في القواميس نجد أنها جمع «مبدأ» والذي أتى بدوره من كلمة «بدأ» التي تعني بداية كل شئ وأصله، لهذا تسمى المبادئ أحيانًا «أصول» و«قوانين» و«معايير»، إذن كيف نعرف هذه القوانين بدقة؟
قسم التنمية المجتمعية في جامعة كنساس الأمريكية، يرى أن المبادئ ليست إلا «حقائق» منطقية وأخلاقية يعرفها الإنسان بخبرته وتجاربه، وعليها يبني تحركاته وأفعاله ليحقق المنفعة بلا ضرر له أو لغيره.
فحين تجد من يقول «عندي مبدأ إني مكدبش»، فهو يعني أن الكذب ليس من طبعه لأنه فعل غير أخلاقي عرف الإنسان أضراره بالتجربة، كما يرفضه الدين ويكرهه المجتمع، لأنه يسبب الأذى ويفسد العلاقات.
أما عندما نقول في العلوم مثلاً «الكوب يسقط بسرعة معينة نتيجة الجاذبية بحسب مبادئ الفيزياء» فهذا نتيجة أيضًا للتجارب العملية في الواقع، والإنسان لم يخترع سرعة ما، بل يحسبها بقانون رياضي صارم.
هل تتغير المبادئ؟
في حياتنا نوعين من المبادئ، مبادئ الطبيعة ومبادئ الأخلاق، والمفترض أن نعتمد عليهما لضمان حياة سليمة وصحيحة، لكن متى تتغير هذه المبادئ في النوعين؟
أشرنا في البداية إلى تغير مبادئ نيوتن الرياضية على يد آينشتاين، عندما اتضح أن الكون أكبر وأعقد من الفهم الأول لنيوتن، لتتعدل القوانين القديمة إلى نسخ أحدث تضم سرعة الضوء وأجرام الفضاء الجديدة.
في حين يسقط الكوب مثلاً بسرعة معينة حسب قانون الجاذبية، فهذا الكوب نفسه لن يسقط بنفس السرعة في القمر لأن الجاذبية تتغير هناك، وفي الفضاء نفسه لن يسقط الكوب من الأساس لأن الجاذبية منعدمة هذه المرة.
لقد اكتشف العلماء أن هناك حالات خاصة تتغير فيها القواعد والمبادئ وكأنها الحكمة القديمة أن «لكل قاعدة استثناء» وبهذه الكيفية تتغير المبادئ الأخلاقية كذلك إلى أشكال أخرى.
متى تتغير مبادئنا الأخلاقية؟
إذا كانت المبادئ هي أصول الحياة السليمة والمنطقية كما أثبتنا وينبغي الثبات عليها، فمتى تتغير هذه المبادئ الأخلاقية؟. المدربة النفسية سارة عبد العزيز تشير إلى عدة حالات قد يقع فيها هذا المحظور:
التوارث الخاطئ
تحكي «عبد العزيز» عن شكوى العديد من الآباء إليها من ضربهم لأبنائهم، يقول الأب «أنا بضرب عيالي رغم إني مش شايف ده صح، مش من مبادئي أصلاً إني أعالج المشاكل بالضرب».
بالبحث والتحليل النفسي في حياة هذا الأب، تكتشف المدربة النفسية أن سلوك الضرب متوارث من والده أصلاً، فصار يتعامل مع أبنائه بنفس الطريقة دون أن يشعر وكأن روح الجد تلبست الأب ليضرب أبنائه.
من الضروري كما تنصح المدربة إلى «فلترة» مبادئنا المتوارثة لأنها في الأغلب قد لا تناسب زماننا، أو يتضح أنها خاطئة كلاً أو جزءًا، وهكذا مع أي مبادئ أخرى نكتشف خطأها.
بتكذب على نفسك ومش عارف السبب؟.. اعرف السر دلوقت
اختلاف الموقف
تتفق الأخلاق وربما الأديان جميعها على تحريم القتل مثلاً، لكن في وقت الحرب والدفاع عن النفس، ينبغي أن تقتل جنود العدو وإلا قتلوك، هنا صارت الكفة واحدة وأصبحت مضطرًا لهذا، فالقانون نفسه يسمح لك.
الأساس كما ترى «عبد العزيز» هو الثبات على المبدأ، لكن أحيانًا قد تضطر لهذا، ربما تحاول «التحايل» حتى تتجنب تغيير مبادئك، لكنك تفشل لسبب ما وتوضع في هذا الموقف الذي لا فرار منه.
الضعف البشري
نحن ضعفاء وعلينا أن نقبل هذه الحقيقة كي نسامح أنفسنا ونسامح الآخرين، الضعف البشري يجعلنا ننسى أو نتسرع، ربما نكذب بلا قصد أو نغضب في موقف لا يستدعي الغضب أو نفعل أي شيء يخالف مبادئنا.
الضعف البشري عمومًا أفضل من التعمد والمصلحة في تغيير مبادئنا، وتشير المدربة النفسية إلى صعوبة الاحتفاظ بأبسط المبادئ هذه الأيام التي يصعب فيها العيش بسلام مع سيطرة الاكتئاب والمشاعر السلبية، على الأقل ينبغي أن نغفر لأنفسنا وللآخرين.
هذه ليست دعوة لمخالفة المبادئ، ولكنها إشارة إلى أن الإنسان ليس ملاكًا وقد يخالف مبادئه أحيانًا، عندها قد نسامحه خاصة لو كان الضرر بسيطًا.
كنت مخطئًا
بعض الناس في وقتنا الحالي متأكدون بما لا يدع مجالاً للشك أن الأرض مسطحة وليست كروية، مخالفين بذلك إجماع علماء الفلك منذ آلاف السنين، بل منكرين أيضًا الصور الفضائية ويفسرونها بأنها مؤامرة من شركة ناسا، لديهم موقع خاص بهم كذلك.
إذا كانت أبسط الحقائق الفيزيائية غير مُعترف عند بشر يفكرون ويعقلون، فماذا عن المبادئ والأخلاق والقيم التي قد يكتشف الإنسان أنه أخطأ في فهمها واستيعابها ؟، من الجيد أن تغير مبادئك إذا اكتشفت خطأها.
المسؤولية الكبيرة
الشخصيات الشهيرة تعيش تحت مراقبة دائمة من أنظار الجمهور والإعلام، هذا يعود للمسؤولية الملقاة عليهم كشخصيات «عامة» منحها الناس الشهرة فصار لهم حق المحاسبة على أقوالهم وأفعالهم، كما يقول استشاري الطب النفسي جمال فرويز.
حين تغير الشخصية العامة مبادئها، لا تحكم عليها من موقف واحد، وسامحها إذا اعتذرت لجمهورها، وإذا استمرت يمكن استبعادها والنظر لشخصيات عامة أخرى أكثر تمسكًا بالأخلاق والمبادئ لأنها في النهاية قدوة لغيرها.