عبدالله عادل يكتب من الغُربة: هروب اضطراري
قالوها سابقا «إن الإنسان اخترع العمل كي يهرب من جحيم التفكير في حياته»، لكن المصريون لا يكفيهم اللجوء للعمل فيضيفون عليه السفر.
أول خطأ يجني المسافر ضريبته، أخذ قرار السفر ليكون بمثابة هروب مما يراه جحيما، دون التفكير بمنطق المكسب والخسارة أو عمل دراسة جدوى كونه مشروع حياتي اقتصادي بالدرجة الأولى.
العقل شبه متوقف إن لم يكن مغيبا عن مضمون السفر وجدواه الحقيقي وما سيترتب عليه من آثار.
بل وفي كثير من الأحيان تكون تجربة السفر ضرورية ومفيدة إلا أننا نجعلها تفقد معناها الحقيقي وفائدتها الأكبر لأننا نقصرها حول فكرة الهروب وما يجب علينا تحقيقه من مكاسب مادية، ويلهينا التفكير في أمور غير ممكنة عن الممكن فنضيع وقتنا على الأول ونخسر الثاني.
عبدالله عادل يكتب: جسد مغترب.. وروح ضائعة
أولويات مغترب
مع أول يوم يتسلم فيه المغترب عمله الجديد يجري عملية حسابية دقيقة ليعرف كم يستطيع أن يجني من المال في أول عام له وأفضل الطرق التي يتمكن من خلالها توفير أكبر قدر ممكن من الراتب، على اعتبار أنها مرحلة انتقالية ولن تطول.
تبدأ رحلته مع عيش البؤساء ويتوقف الزمن معه تماما وكل همه أن يجبر الكسر وينهي الحياة الصعبة التي كان يعيشها في مصر، فتمر معه الأيام عاما تلو الآخر لتصل الفترة الانتقالية إلى خمسة وعشرين عاما أو يزيد!
ومع نهاية المطاف يجد نفسه واقفا أمام مجموعة من الممتلكات «أموال، أرض،شقق» فقد صنع الحلم الذي كان يتمناه داخل وطنه، لكنه لا يمتلك الوقت كي يستمتع بهذا الحلم، وتبقى المعادلة المحيرة ممتلكات واسعة داخل بلده وغربة مميتة تحرمه من الحياة.
والحقيقة الأهم التي يحاول أن يتناساها كل مسافر، علاقته بأهله وأولاده بعد طول انتظار ومن ثم تعود على الغياب.
فهذا بعد سنوات سفر طوال لا يجد نفسه مقبولا بين أولاده إن لم يجدوه عبأ عليهم إذا ما فكر بالجلوس فترة أطول من المعتاد وأمثلة كثيرة تنفطر لها القلوب لآباء ظنوا أنهم بجمعهم المال سيعوضون أبناءهم عن أي شيء ولن يحتاجوا إلى سند الأب وتوجيهاته.
نلوم الزمان والعيب فينا!
«هنعمل إيه يعني هو في حد بيحب السفر بس غصب عننا انت شايف الظروف» الجملة الأبرز التي ملأت أذني من معمري السفر، لكنها في الحقيقة ليست صحيحة قد تكون مجبرا في البداية على أخذ قرار السفر إلا أن الشخص رويدا رويدا يجبر نفسه بعد ذلك على المكوث لفترة أطول وبأكثر الأساليب التي تكبده الخسائر الأكبر، فلا هو يستقر في سفره ويعيش مع أهله حياة طبيعية ويتأقلمون سويا مع عالم جديد، ولا يلتزم بقراره كونها فترة انتقالية وينهي سفره سريعا ويعيش وسط أهله وأولاده.
المصري الفقري
سافر أحدهم بعد تخرجه من الجامعة لإحدى الدول الأوربية وبدأت مسيرته المهنية من هناك، وسارت معه الأيام حتى قاربت العشرين عاما إلا أنه لم يتعلم اللغة رغم حصوله على الجنسية، ولم يمتلك الثروة أو المال الذي يبني به مشروعه الخاص أو يحصل على البيت الذي يعيش فيه لأنه كان منشغلا بشراء قطعة أرض في مصر وبناء منزله الفاخر هناك رغم أنه لن يعيش فيه.
ونفسه يحكي أن أصدقاءه المغاربة وغيرهم قد تعلموا اللغة واهتموا أولا بتطوير أنفسهم وتعاملوا مع الواقع الجديد بذكاء فتقدمت حياتهم المهنية والاجتماعية وتمكن أولادهم من الحصول على حياة كريمة وتعليم راق وتأمين صحي مميز ولم ينفصلوا عن آباءهم أو يعيشوا مرارة الغربة.
وآخر سافر إلي بلاد الخليج كان كل همه أن يعمل دون النظر إلي المجال الذي سيعمل فيه وهل سيتناسب مع إمكاناته أو سيحقق من خلاله طموحاته؟ فكل همه هو أن يجني المال بأسرع وقت، لكنه وبعد سنوات وجد صديقه الشامي قد أسس لنفسه مشروعا خاصا وأصبح واحدا من المستثمرين وهو ما زال يعاني من مرارة إنهاء إجراءات الاستقدام لأهله والأقساط التي يدفعها لقطعة أرض أو شقة قد اشتراها في مصر.
للمسافرين.. تطبيقات لهاتفك لا غنى عنها في الغربة
الثقافة يجب أن تتغير
عندما تتغير ثقافة الكنز عند المصريين والخوف من المستقبل الذي يجعلهم يبيعون حاضرهم لشراء مستقبل غير مضمون، وعندما يعطون الأولوية للحياة والعيش الكريم ستحل كثير من المشاكل والعقبات أمام من يحياها وهو داخل الوطن أو خارجه، ولا تظن أن كلامي ينطبق على طبقة دون أخرى فقد وجدت أساتذة بالجامعة يتقاضون رواتب مميزة، ويعيشون بنفس منطق المصري المغترب.
قد لا يكون هناك خيار آخر أمامنا سوى السفر والرحيل عن الوطن لكن الطريقة التي سنعيش بها ستكون دوما من اختيارنا ولن نكون مجبرين عليها فإياك وأن تقدم أمرا على الحياة الكريمة أو العيش بعيدا عن الأهل مقابل الحفاظ على المال، فالعمل يساعدنا على الحياة لكننا لا نعيش كي نعمل ونوهب كل وقتنا لجني المال، فالحياة أكبر وأجمل من ذلك بكثير.
المقالات المنشورة في قسم شباك تعبر عن رأي كاتبها وليس لشبابيك علاقة بمحتواها