«نينو» و«إيريس».. قصة زوجين جندتهما المخابرات المصرية لمقاومة الإنجليز
ملفات المخابرات المصرية مليئة بالقصص البطولية التي تدور أحداثها في فترات زمنية مختلفة، وتأتي قصة تجنيد إيطالي وزوجته في فترة التواجد البريطاني على خط قناة السويس ضمن أهم هذه القصص. «شبابيك» يستعرض قصة الزوجين الإيطاليين في هذا التقرير.
تقارير المخابرات
أحب «نينو» الجميلة «إيريس»، وهما إيطاليا الجنسية. كان «نينو» يعمل رئيسا لـ«الكتبة» في قيادة منطقة قناة السويس، ويحلم بالزواج من «إيريس» لكن هناك مشكلة كانت تواجهه، وهي تصميم «الجوازات» على إخراجها من مصر بسبب مشكلات في الإقامة.
ظلت هذه المشكلة تطاردهما وتهددهما، حتى جاء الحل بالطريقة التي لم يكن يتوقعها «نينو»، ويرويها كمال الدين رفعت أحد قيادات ثورة 23 يوليو 1952 في مذكراته «حرب التحرير الوطنية بين إلغاء معاهدة 1936 وإلغاء اتفاقية 1954» والصادر عن دار الكتب والوثائق القومية، إذ كان «رفعت» وقت وقوع أحداث هذه القصة يقود المقاومة المسلحة السرية في منطقة القناة التي تديرها المخابرات المصرية، بعد ثورة يوليو من أجل إجلاء الاحتلال البريطاني.
يقول «رفعت» إنه في سياق المقاومة ضد الاحتلال كان أمامهم مهمة الحصول على معلومات عن الجيش البريطاني في منطقة القناة، واستطاعت المخابرات المصرية رغم مرور فترة قصيرة على تأسيسها في ذلك الوقت أن تكوّن شبكة داخل المعسكرات اشترك فيها عمال وموظفون مصريون وأجانب، وتعددت وظائف هذه الشبكة لكن أهمها الحصول على صورة من تقارير المخابرات البريطانية، رغم التنبيه الشديد الذي أصدرته القيادة البريطانية والاحتياطات القوية.
شرط الزواج
حدث اتصال بـ«نينو» كي يعمل مع المخابرات المصرية، فاشترط كي يقبل المهمة أن تبقى «إيريس» في مصر، لأنه يحبها وهي تحبه ولا يستطيعان الافتراق، وقال: «لو تم تنفيذ شرطي سوف أعمل أي شيء». ويقول «رفعت»: «اتصلت بالسيد زكريا محيي الدين رئيس جهاز المخابرات وعرضت عليه أن تبقى الفتاة في مصر، فطلب من الجوازات وقف إجراءات ترحيلها».
ويضيف «رفعت»: حين قلت لـ«نينو» عن استجابتنا لطلبه هلل فرحا، وبدأ العمل معنا وكان في غاية الذكاء، وبحكم عمله كان يفض الخطابات التي ترد إلى الضباط البريطانيين في منطقة قناة السويس، ومن ضمن هذه الخطابات تقرير المخابرات البريطانية الأسبوعي الذي تصدره قيادة القوات البريطانية في مصر.
وكان دور الرجل هو إحضار ظرف الخطاب الذي يوجد به هذا التقرير لي، ثم نقوم بفتحه بطريقة خاصة وتصويره، ثم يعود به على المعسكر في الصباح المبكر وقبل مجيء الضباط إلى مكاتبهم، بحسب «رفعت».
قدرة خارقة
استمر «نينو» ومعه «إيريس» بعد زواجهما في هذه المهمة أكثر من عامين دون الكشف عنهما. ويعطي «رفعت» وصفا لـ«نينو» بأنه: «كان صاحب قدرة خارقة على حفظ كل ما يقرأه، فمثلا كانت هناك تقارير لا يمكن إخراجها من المعسكر لحظة واحدة، حيث توجد في ملفات خاصة وسرية جدا، فكان «نينو» يقرأها ثم يخرج ليكتبها في منزله ويعهد بزوجته بإحضارها إلينا فورا».
يقول «رفعت»: إن «نينو» بحكم عمله كان يحضر معظم اجتماعات قادة الجيش الإنجليزي، ويخرج من المعسكر عقب كل اجتماع ليكتب كل ما سمعه من مناقشات في تقارير يرسلها للجانب المصري على الفور.
توحد «نينو» مع مهمته، وأخلص لها لدرجة أنه حضر في إحدى المرات إلى القاهرة الساعة 12 مساءً ليسلم تقريرا تخص المخابرات البريطانية إلى كمال رفعت، ولما سأله الأخير لماذا لم يسلمه إلى قائد منطقة السويس كما هي العادة؟ أجاب، أنه اتصل به فعلم أنه في القاهرة، ولأهمية هذا التقرير رأى أن يحضر إلى القاهرة في عربة تاكسي ليسلمه.
وأكد «رفعت»: «كان التقرير خطيرا للغاية، فقد عرفنا منه معلومات كثيرة أفادت المفاوض المصري في محادثات الجلاء، وبعد أن قمت بفض الخطاب وتصوير التقرير، كلفت أحد ضباط المخابرات باصطحاب «نينو» في عربة إلى السويس حتى يستطيع أن يسلم الخطاب للضابط البريطاني صاحبه».
ساعدت هذه التقارير مصر على وضع خطط الأعمال الفدائية في القناة، وكانوا يعرفون منها أسماء الفدائيين المصريين المكشوفين لدى الإنجليز، وعملاء الاحتلال، كما يشير رفعت في مذكراته.
انزعجت سلطات الاحتلال بسبب كشف تقاريرها بشكل مستمر، وقررت عمل نظام جديد لتداول تقارير المخابرات البريطانية، ومنعت من يوم 12 يونيو 1954 تسليم موجزها إلى قوات الاحتلال الموجودة في القناة، ومع ذلك لم تكتشف الدور والمهمة التي يقوم بها العميل الإيطالي «نينو» وحبيبته «إيريس».