هل كان مصطفى أمين عميلاً للأمريكان؟ قصة القبض عليه مع مندوب مخابرات الولايات المتحدة
لم يكن نبأ القبض على الكاتب الصحفي الراحل مصطفى أمين في منتصف الستينات بتهمة التجسس مجرد خبر، وإنما كان بمثابة زلزال هز الصحفيين والنخبة المصرية. القصة كاملة رواها سعيد الشحات في كتابه «ذات يوم.. يوميات ألف عام وأكثر»، ويستعرضها «شبابيك» في هذا التقرير.
ولد مصطفى أمين عام 1914، وكان أبوه محاميا كبيرا، سافر لأمريكا لإكمال دراسته وعمل أستاذا للصحافة بالجامعة الأمريكية.
أسس مع شقيقه التوأم علي أمين مؤسسة أخبار اليوم للصحافة.
مندوب المخابرات الأمريكية
كان رئيس هيئة الأمن القومي بمصر بعث إخطاراً إلى رئيس نيابة أمن الدولة العليا، يقول فيه: «نخطر سيادتكم بأن السيد مصطفى أمين، مصري الجنسية، يعمل رئيس تحرير الأخبار، ويقيم في 8 شارع صلاح الدين بالزمالك الدور السادس شقة 62، وفي فيلا تقع في 26 شارع الإسماعيلية المتفرع من طريق الحرية بالإسكندرية. دلت التحريات بأن المذكور يقوم بالتخابر والعمل لحساب المخابرات الأمريكية في القاهرة، ويعمل ضد أمن وسلامة الدولة، يعاونه في ذلك آخرون، وسيجتمع المذكور مع مندوب المخابرات الأمريكية في الساعة 14:00 يوم الأربعاء الموافق 21 يوليو 1965 في أحد العناوين التي يقيم فيها المذكور».
وتابع: «برجاء التكرم باتخاذ اللازم لضبط الاجتماع وتفتيش العناوين وكذلك مكتبه في مؤسسة أخبار اليوم في شارع الصحافة، وضبط أي أوراق أو مستندات تفيد التحقيق، وكذلك أي أشياء ممنوع حيازتها قانوناً، وتفضلوا بقبول فائق الاحترام».
فيلا الإسكندرية
كان هذا الخطاب هو مفتتح عملية القبض على الكاتب الصحفي مصطفى أمين، واتهامه بالتخابر لصالح أمريكا، حيث دخل وكيل نيابة أمن الدولة وبعض ضباط الأمن القومي عليه هو والمستر بروس تايلور أوديل، وهما جالسان في ركن ظليل من حديقة الفيلا التي يقيم فيها بالإسكندرية.
ووفقاً لكتاب «بين الصحافة والسياسة» لمحمد حسنين هيكل، فإنه جرى تفتيش بروس أوديل، وعُثر معه على بعض الأوراق التي كتبها خلال المقابلة، وفي أثناء تفتيشه احتج بصفته الدبلوماسية، وأخرج جواز سفره الدبلوماسي، وسُئل عما يفعله، فقال إنه كان مدعواً إلى الغداء مع الأستاذ مصطفى أمين، وأنهما تحدثا في مشاكل العالم.
كما سٌئل عن الأوراق التي ضُبطت معه فقال إنها تخصه، وعن الخط الذي كُتبت به، فقال إنه خطه، وبعد التحقق من شخصيته أفرج عنه، فاستقل سيارته التي كانت داخل جراج البيت وانصرف.
وسٌئل مصطفى أمين فقال إن الذي كان معه هو بروس أوديل من السفارة الأمريكية، وإنه يعرفه جيداً، وقابله عدة مرات لأنه مكلف من الدولة بمهام تقتضي منه الاتصال المستمر بموظفي السفارة الأمريكية، وقال إنه يبلغ كل ما يحصل عليه من معلومات للجهات الرسمية.
محتويات الضبط
كانت محتويات الأوراق التي ضُبطت مع «أوديل» عبارة عن 5 ورقات صغيرة الحجم، الورقة الأولى منها تحمل قائمة بالأسئلة التي أعدها قبل المقابلة لكي يسأل فيها «أمين» وكان نصها:
خطابات – هل هناك خطاب في الإسكندرية يوم 26؟ - اليمن – العمري – ماذا حدث للنعمان؟ - السعودية – التغيير في الحكومة – مؤامرات الانقلاب – حالة السخط – الاتحاد السوفيتي – الصين.
وفي اليوم نفسه تم القبض على ثلاثة من الصحفيين المقربين لمصطفى أمين، هم محمود عوض، وإبراهيم صالح، ومصطفى سنان، وبعد عملية القبض تم استدعاء عدد كبير من الصحفيين إلى سكرتارية المعلومات برئاسة الجمهورية وإبلاغهم بتفاصيل ما حدث.
رسائل الهزيمة.. هذا ما كتبه صلاح نصر من السجن الحربي
وبعد مرور ساعة على هذه المقابلة، ووفقاً لكتاب «مصطفى أمين» لأحمد عطية صالح، أذاع مكتب وزير الإرشاد القومي بياناً قال فيه: «تم اليوم القبض على الصحفي مصطفى أمين أثناء مقابلة له مع بروس تايلور بوكالة المخابرات الأمريكية، والذي يعمل تحت شعار ملحق بالسفارة الأمريكية بالقاهرة، وفي التاسعة من مساء اليوم نفسه أذاع النائب العام بياناً أكد فيه الخبر، وقبله ذهبت قوة من المخابرات إلى مكتب أخبار اليوم، وقامت بتفتيشه وتشميعه، كما تم تفتيش شقة مصطفى أمين في الزمالك».
وكتب محمود رياض، وزير الخارجية، مذكرة إلى السفير الأمريكي بما جرى على اعتبار أن «تايلور» من أعضاء السفارة.
حٌكم على «أمين» بالسجن 9 سنوات، لكن السادات قرر الإفراج عنه في 18 مايو 1974.